هل تنهي الانتخابات العراقية المحاصصة أم تكرّسها؟

تغيير قانون الانتخابات وإنهاء المحاصصة، كان أبرز مطالب المتظاهرين في العراق عام 2019، وتحقق أول مطالبهم وهو تغيير القانون لكنهم ينتظرون إنهاء المحاصصة التي سيطرت على البلاد منذ العام 2003.

تجري اليوم الأحد في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر أول انتخابات بالقانون الجديد بعد التظاهرات الشعبية عام 2019 التي أسقطت حكومة عادل عبد المهدي السابقة بعد وقوع قرابة 800 ضحية و20 ألف جريح من الشباب المنتفض ضد الفساد والطبقة الحاكمة المحاصصاتية.

هل نرى طبقة جديدة بعد الانتخابات؟

على الرغم من الآمال الكثيرة التي كانت معلّقة عليها، لن تأتي نتائج الانتخابات المقبلة بأي تغيير في خريطة القوى السياسية عن نظيراتها من الانتخابات السابقة بحسب الباحث السياسي نبيل جبار العلي، عازيا ذلك إلى “غياب قوى مصنفة على المستوى الوطني”.

حول نتائج أصوات الناخبين وكيف تتوزع المقاعد النيابية بحسب المشاركين في الانتخابات، يتوقع العلي حصول تحالف الأحزاب والتيارات الشيعية على 160 مقعداً، أما التحالفات السنية فقد تحصل على 70 مقعداً، في حين قد تبلغ مقاعد الأحزاب الكردية نحو 60 مقعدا، وباقي المقاعد ستتوزع على المكونات والحركات الناشئة، وبينها مرشحو حراك تشرين.

التوافقية والتحاصص

يستنتج العلي، “في حال وصلنا إلى هذه النتائج، استمرار العمل بمبدأ التوافقية وتحاصص المكونات، ولن تتغير سنن وآليات توزيع المناصب، لكن من الممكن أن نشهد تكوين فريقين سياسيين على غرار ما حصل في سنة 2018 ، تحالفي (البناء والإصلاح) ليضم كل تحالف منهما الأطياف الثلاثة التي تسعى للاستحواذ على السلطة وتوزيعها بالطريقة المحاصصاتية ذاتها”.

يقول الخبير القانوني علي التميمي إن قانون الانتخابات الجديد رقم 9 لسنة 2020 ونظام الشكاوى والطعون الانتخابية رقم 7 لسنة 2020 ونظام الحملات الانتخابية رقم 5 لسنة 2020، جميعها تمنع مخالفة شروط الترشيح أو ارتكاب الجرائم الانتخابية كإثارة النعرات الطائفية أو التهجم على مؤسسات الدولة أو القضاء أو الإساءة إلى سمعة المرشحين وارتكاب جرائم تخالف قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969.

يشرح التميمي ان مجلس المفوضين لديه القدرة على إلغاء مصادقة المرشح بناءا على الأدلة المقدمة وأيضا تحويل الأمر إلى الدائرة القانونية لإقامة الشكاوى في المحاكم للبت في المخالفات القانونية.

ويشير التميمي إلى أن “قرار مجلس المفوضية قابل للطعن أمام الهيئة القضائية المشكلة بموجب قانون مفوضية الانتخابات 31 لسنة 2019، خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدور القرار واوجب القانون على هذه الهيئة البت بالطعن خلال 10 أيام”.

القانون الجديد

سابقا كان يُطبق قانون “سانت ليغو” Sainte-Laguë) ) الذي يصب في صالح الأحزاب الكبيرة عبر اقتسام أصوات الناخبين على الكتل الكبيرة وحرمان الصغيرة منها.

وآلية سانت ليغو؛ هي نظام انتخابي (ابتكر في العام 1910 وطبق لأول مرة في النرويج والسويد في العام 1951)، اعتمده مجلس النواب العراقي منذ العام 2013 ويتضمن طريقة توزيع المقاعد على القوائم المتنافسة ضمن قانون الانتخابات، واستفادت منه حينها القوائم والكتل الانتخابية الكبيرة.

أما قانون الانتخابات الجديد، فقد قسّم البلاد إلى 83 دائرة انتخابية. وسيشارك فيها 21 تحالفا و167 حزبا منها 58 ضمن التحالفات المذكورة، فيما كان عدد المرشحين 3249 مرشحا بينهم 951 امرأة.

هل ينهي القانون الجديد نظام المحاصصة؟

تقسيم المناصب السيادية أصبح عرفا سياسيا بعد عام 2003 واعتمد بموافقة جميع الأحزاب والطوائف والمكونات على أن يكون منصب رئاسة الجمهورية للأكراد ومنصب رئاسة الوزراء للشيعة؛ أما السُنة تكون حصتهم رئاسة مجلس النواب. ويأمل الأكاديمي في العلوم السياسية لطيف ذياب بأن ينتهي هذا العرف “المدمّر” بحق تطوير البلاد بحسب تعبيره.

ويقول ذياب إن “تقسيم الكعكة عند التحالفات السياسية الحالية ماض على ما كان عليه في الدورات الانتخابية السابقة، إلا أنها قد تشهد مزيدا من التناحر إثر التحالفات التي ستعقب ظهور نتائج الانتخابات”.

ويعيد ذياب هذه التناحرات إلى أن “الكثير من الأحزاب والكتل السياسية تعلق وجودها على استمرار المشكلات الداخلية، موضحا أن هذه الكتل لا تملك برامج سياسية ناجعة يمكن أن تنتشل البلاد من أزماتها، خاصة أن الفساد المالي والإداري بات مترسخا في الدولة مع صعوبة كبيرة في العمل السياسي الحقيقي”.

التحدي الحقيقي

وكأن كلماته مكتوبة الآن في مقالة “طازجة”، فقد رأى الباحث هشام الهاشمي، الذي اغتيل في السادس من تموز/يوليو من العام 2020، في مقالة له نشرت قبل شهور من اغتياله، بأنّ إزاحة المحاصصة لا تزال تمثـل تحدياً حقيقياً أمام أي برامج حكومية جديدة، بالإضافة إلى إصرار قادة الكتل والأحزاب وأمراء الفصائل على تنفيذ المحاصصة السياسية والطائفية والقومية.

وتواجه الدولة العراقية اليوم، بالإضافة إلى مشكلة المحاصصة وما نجم عنها من تهميش وإقصاء للكفاءات وتهجير للعقول وحروب داخلية بين شركاء الـوطن واللغـة والدين، موجات التشدد الديني التي تطورت وتعقدت بسبب المحاصصة التي قام عليها نظام فاشل، وتمظهرت في بعض جوانبها على هيئة بروز جماعات عنف أفقدت الـبلاد الأمن والاستقرار، وهو ما يمثل تحـدياً يواجـه كل حكومة، فالنضال من أجل العدالة الاجتماعية والتنمية في العراق اليوم يأخذ مسارين: مســار القضاء على المحاصصة السياسية وآثارها، وبناء دولة القانون التي تقوم على المساواة بين المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية.

بحسب الراحل الهاشمي فإن عرف المحاصصة، في تقاسم السلطة والثروة أنتج طبقة مستثمرة في الفساد من أجل الاستدامة، لذلك تسعى لاستمرار الأزمات والنزاعات الداخلية باصطناع الفتن وبغيره من الوسائل.

• عن موقع “درج”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here