بعد الاقتراع: يوم انتخابي ذكوري مخيّب لآمال النسويات

في نهار الانتخابات المبكرة، التي طالبت بها ثورة تشرين، تزينت شوارع العراق بصور النساء هذا العام بشكل مختلف عن السنوات السابقة فقد بات بمقدور معظمهن وضع صورهن بدلا من صور ذويهن او أزواجهن كما حدث في الانتخابات السابقة عام 2018.

صور بأزياء تعكس ثقافتهن وتوجههن الديني والعقائدي، منهن من اختارت الحجاب وأخرى ارتدت العباءة العراقية فيما بدت أخريات بصور تعكس توجههن “الليبرالي” للمناداة بالمدنية. لكن المشترك بين معظمهن كان الصمت حيال قضايا النساء، واعتمادهن على الترويج التقليدي الخدماتي الذكوري للانتخابات، عبر رفع شعارات الإعمار وتحسين الطرق، في اللقاءات التلفزيونية والصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعية في المناطق الفقيرة لملاقاة استعطاف الجمهور.

وعلى الرغم من دخول المرأة العراقية عالم السياسة وحصدها المقاعد في مجلس النواب العراقي إلا أن كثيرات مازلن حريصات على الامتثال لقوانين الكتل الحزبية فتمتنع المرشحات عن التحدث بالتابوهات الاجتماعية كقضايا العنف الأسري وجرائم “الشرف” التي تحصد أرواح النساء.

بعد عامين من ذكرى احتجاجات تشرين التي شهدت مشاركة استثنائية لنساء خرجن للمشاركة في ثورة كنّ بحاجة إليها لرفع أصواتهن عاليا بعد ان ارهقتها سطوة ذكورية ودينية كتمت انفاسها وحوّلت النساء إلى ضحايا صامتة. لم تكن مشاركة النساء في حراك تشرين سياسية بالدرجة الأولى، بل كانت مشاركة نسوية، تحمل أكثر ما تحمل، قضايا النساء ومحاولة كسر التمييز اللاحق بهن.

اليوم بعد مرور سنتين، وتحقق أحد أهم مطالب الثورة، ألا وهو انتخابات نيابية مبكرة، إلا أن النساء العراقيات النسويات لا تشعرن إلا بالخيبة من استمرار الوضع على ما هو عليه حيث لم تشهد البلاد أي تغيير في القوانين المدنية ولا حتى القوانين التي تمس حقوق النساء بصورة خاصة. ولا يبدو أن المرشحات اللواتي خضن الانتخابات، تحملن اياً من هذه الهموم.

في إحصائيات نشرت عام 2019 أفادت مديرية شؤون المرأة أن ثلاثة ملايين امرأة ترملن (7.5٪ من إجمالي السكان) كنتيجة مباشرة للنزاع المسلح والجريمة المنظمة والقتل على أساس الهوية في العراق. ومع ذلك، لم تتطرق أي من المرشحات من خلال حملاتهن الانتخابية إلى هذه القضية ولا إلى قضايا جرائم قتل النساء والعنف الأسري، كما تقول ريم فاضل (26 عاما)، وهي مهندسة من بغداد: “نساء كثيرات مرغمات على تحمل التعذيب من قبل عوائلهن فهن يخشين ردة فعل المجتمع والعشيرة، هل يمكنك ان تتخيل امرأة تهدف الى كسب الأصوات الانتخابية تتحدث عن جرائم الشرف مثلاً؟ ستلاحقها العشيرة وحتى عائلتها الصغيرة ستمتنع عن انتخابها”، وتحزن فاضل لأن بعض المرشحات اضطررن إلى كسب ودّ من يريد سلب الحضانة من الأمهات، كل ذلك من أجل ان تصلن إلى البرلمان.

الحقوقية نادية مؤيد (30 عاما) من البصرة، تتفق مع ريم، على ان “حياة النساء تمثل شيئا ثانويا بالنسبة للمجتمع العراقي الذكوري فلا يتم التعامل بجدية مع من يطالب بحقوق النساء ولا يتم انتخابه لأن هنالك أولوية لبعض القضايا البديهية مثل المطالبة بالماء والكهرباء وبقية الأمور أما قضايا النساء ومشاكلها فليست ضمن برامجهن الانتخابية ولا أهمية لها”.

ينص قانون الانتخابات العراقي بموجب الدستور على تخصيص ما لا يقل عن 25% من مقاعد البرلمان للنساء وبحسب مفوضية الانتخابات العراقية بلغ إجمالي عدد النساء المرشحات لانتخابات مجلس النواب لهذا العام 951 مرشحة ومن أصل 329 مقعدا في المجلس التشريعي العراقي تسمح حصة النوع الاجتماعي للمرأة بالحصول على 83 مقعدا وفقا للدستور المعتمد منذ عام 2005.

وتقول الناشطة السياسية نور الهدى من بغداد، ان هذه الانتخابات شهدت ظهور أصوات ومطالبات خجولة من قبل المرشحات المستقلات ممن هن على احتكاك بالمجتمع المدني، حول قضايا المرأة، لكن بصورة سطحية، ولم تطرحن برامجهن لإيجاد حلول لهذه القوانين ولم تجرؤ ايّ منهن على التحدث علانية عبر تثقيف الناخبين حول جرائم الشرف وما زال الطريق طويلا لتحقيق ذلك”.

تلاحظ نور أن التمثيل النسائي داخل السلطة التشريعية في العراق يتجاوز التمثيل النسائي في برلمانات العالم العربي، “لكن المرأة العراقية تعاني الكثير من المشاكل وغياب مقترحات لقوانين داعمة للمرأة داخل السلطة التشريعية وعلاوة على ذلك تعاني المرأة السياسية في العراق من ضعف القيادة الفاعلة في تسنم المناصب داخل قبة البرلمان، لعدة أسباب مجتمعية وسياسية أو قد تكون المرأة غير مؤهلة لممارسة المنصب السياسي داخل السلطة”. كما تعاني النساء من السلطة الذكورية والدينية المتجذّرة داخل البرلمانات المتعاقبة، ولن يكون الأمر مختلفاً كثيراً في البرلمان المقبل.

هذا الأمر يحبط نور محمد (30 عاما): “لم نر أي مرشحة قد تحدثت حول مشاكل النساء حتى ان بعضهن من الدورات البرلمانية السابقة استغلت الكوتا النسائية للوصول الى البرلمان والانتفاع شخصيا بدون دعم قضايا النساء، اتطلع الى تمثيل برلماني كفوء يمارس دوره الرقابي بشفافية ومهنية”. تقول نور ذلك، لتنقل خيبة الأمل الكبيرة التي أصابت النساء اللواتي شاركن في حراك تشرين، لذلك كثيرات اخترن المقاطعة بسبب غياب البديل المناسب، واحتجاجا على التهميش الذي تتعرض له المرأة في القوانين الانتخابية والبرلمان العراقي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here