الانتخابات عززت موقع مقتدى الصدر في العراق لكن لا مفر من التفاوض مع القوى النافذة الأخرى

بغداد‭ – (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭): ‬بات‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬بزعامة‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬الشيعي‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬يملك‭ ‬ورقة‭ ‬ضغط‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬المقبل‭ ‬بعد‭ ‬مكاسبه‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬عليه‭ ‬التوافق‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬رغم‭ ‬تراجع‭ ‬أدائها‭ ‬الانتخابي‭. ‬وحلّ‭ ‬الصدر‭ ‬في‭ ‬الطليعة‭ ‬بحصوله‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبعين‭ ‬مقعداً‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬329،‭ ‬لكن‭ ‬استحواذه‭ ‬على‭ ‬اختيار‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬وحيداً‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬أمراً‭ ‬مستبعداً‭.  ‬

وأبعد‭ ‬من‭ ‬الخطابات‭ ‬ذات‭ ‬النبرة‭ ‬العالية‭ ‬والتوترات‭ ‬المنتظرة‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأطراف‭ ‬السياسية،‭ ‬يرى‭ ‬خبراء‭ ‬أن‭ ‬انتخابات‭ ‬الأحد‭ ‬الماضي‭ ‬لن‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬زعزعة‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬الهش‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬الذي‭ ‬يتحكم‭ ‬به‭ ‬الشيعة‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬عقدين‭. ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬للصدر‭ ‬من‭ ‬التحاور‭ ‬مع‭ ‬خصومه‭ ‬السياسيين‭ ‬في‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭. ‬ومن‭ ‬48‭ ‬مقعداً‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬السابق،‭ ‬تراجع‭ ‬عدد‭ ‬مقاعد‭ ‬تحالف‭ ‬الفتح‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬ويضم‭ ‬فصائل‭ ‬شيعية‭ ‬موالية‭ ‬لإيران‭ ‬باتت‭ ‬منضوية‭ ‬في‭ ‬القوى‭ ‬الرسمية،‭ ‬إلى‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬النصف،‭ ‬لكن‭ ‬عدد‭ ‬مقاتليه‭ ‬يبلغ‭ ‬نحو‭ ‬160‭ ‬ألفاً،‭ ‬حسب‭ ‬تقديرات‭ ‬مراقبين‭. ‬ومع‭ ‬دعم‭ ‬حليفته‭ ‬إيران،‭ ‬يبقى‭ ‬الحشد‭ ‬قوة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاوزها‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬العراقية‭. ‬

كذلك،‭ ‬حقق‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأسبق‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬حليف‭ ‬الحشد‭ ‬وطهران،‭ ‬خرقاً‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭. ‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬يؤكد‭ ‬الصدر،‭ ‬أنه‭ ‬القوة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬وتسمية‭ ‬رئيس‭ ‬للوزراء‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬العدد‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬المقاعد‭ ‬البرلمانية‭. ‬

ويشرح‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬‮«‬تشاثام‭ ‬هاوس‮»‬‭ ‬البريطاني‭ ‬ريناد‭ ‬منصور‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬أن‭ ‬‮«‬النتائج‭ ‬تعطي‭ ‬الصدر‭ ‬اليد‭ ‬العليا‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬وفي‭ ‬المفاوضات‭. ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬العامل‭ ‬الوحيد‭ ‬المهم‮»‬،‭ ‬موضحاً‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬بد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬الكتل‭ ‬الكبرى‭ ‬الأخرى‮»‬‭. ‬

في‭ ‬أعقاب‭ ‬صدور‭ ‬النتائج‭ ‬الأولية‭ ‬ألقى‭ ‬زعيم‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬خطاباً‭ ‬أشار‭ ‬فيه‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬إلى‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭. ‬وقال‭ ‬‮«‬يجب‭ ‬حصر‭ ‬السلاح‭ ‬بيد‭ ‬الدولة‭ ‬ويمنع‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬خارج‭ ‬هذا‭ ‬النطاق‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ممن‭ ‬يدعون‭ ‬المقاومة‮»‬،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬آن‭ ‬للشعب‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬بسلام‭ ‬بلا‭ ‬احتلال‭ ‬ولا‭ ‬إرهاب‭ ‬ولا‭ ‬ميلشيات‭ ‬تنقص‭ ‬من‭ ‬هيبة‭ ‬الدولة‮»‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الفصائل‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭. ‬

ورغم‭ ‬تراجع‭ ‬حجمه‭ ‬البرلماني‭ ‬لكن‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يحتفظ‭ ‬بقدرة‭ ‬ضغط‭ ‬قسرية‭ ‬كبرى،‭ ‬سيلجأ‭ ‬إلى‭ ‬استخدامها‭ ‬خلال‭ ‬المفاوضات‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬يوضح‭ ‬ريناد‭ ‬منصور‭. ‬ولا‭ ‬يستبعد‭ ‬منصور‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تلجأ‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬إلى‭ ‬التهديدات‭ ‬والعنف‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬حرباً‭ ‬مفتوحة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها،‭ ‬كما‭ ‬أوضح‭. ‬

وقد‭ ‬أعرب‭ ‬تحالف‭ ‬الفتح‭ ‬عن‭ ‬رفضه‭ ‬لنتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬ونيته‭ ‬الطعن‭ ‬بها‭ ‬قانونياً،‭ ‬فيما‭ ‬كرر‭ ‬قياديون‭ ‬فيه‭ ‬تصريحاتهم‭ ‬المنددة‭ ‬بها‭ ‬منذ‭ ‬الأحد‭ ‬الماضي‭. ‬واعتبر‭ ‬رئيس‭ ‬حركة‭ ‬حقوق‭ ‬التابعة‭ ‬لكتائب‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬إحدى‭ ‬فصائل‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬الأكثر‭ ‬نفوذاً‭ ‬حسين‭ ‬مؤنس‭ ‬أن‭ ‬‮«‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬هي‭ ‬أسوأ‭ ‬انتخابات‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2003‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬فاز‭ ‬تكتله‭ ‬بمقعد‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬32‭ ‬مرشحاً‭.  ‬

ويشرح‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬‮«‬واشنطن‭ ‬إنستيتوت‮»‬‭ ‬حمدي‭ ‬مالك‭ ‬أنه‭ ‬وفي‭ ‬بلد‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬تدهور‭ ‬في‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬وينتظر‭ ‬إصلاحات‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬المزمن،‭ ‬فإن‭ ‬تولي‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬فعلياً‭ ‬منصب‭ ‬رئاسة‭ ‬الوزراء‭ ‬دونه‭ ‬تحديات‭ ‬ويجعله‭ ‬عرضة‭ ‬للانتقادات‭.  ‬ويوضح‭ ‬مالك‭ ‬‮«‬أصبح‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬يتمتع‭ ‬بوضوح‭ ‬بهامش‭ ‬مناورة‭ ‬أكبر‭ ‬ليطلب‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬النفوذ‭. ‬لكنه‭ ‬ليس‭ ‬اللاعب‭ ‬الوحيد‮»‬،‭ ‬مرجحاً‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬النتيجة‭ ‬الأكثر‭ ‬قابلية‭ ‬للتحقق‭ ‬هي‭ ‬اختيار‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬تسوية‭ ‬لكن‭ ‬يكون‭ ‬للتيار‭ ‬الصدري‭ ‬قدرة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬فيه‮»‬‭. ‬

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here