معنى  إقرأ  في الكتاب المجيد  

معنى  إقرأ  في الكتاب المجيد  
 
قبل  الخوض  في  شرح وبيان   معنى ومفهوم –  إقرأ  –  ذلك  المفهوم  اللغوي  الشائك   ،   علينا واجب  قيمي ومعرفي  في التذكير و التنبيه  للقاعدة  التي   إلتزمنا بها   (  في  نفي الترادف اللغوي )    في الكتاب المجيد     ،  وهذا  التنبيه   إجرائي  و ضروري   لازم  في مسألتنا  هذه   ،   وذلك  يعني  مساعدتنا  في  رفع  العوالق التي لحقت بفهمنا  للكتاب المجيد  ،  عبر  التوارث الأعمى  والتعاريف  الإرتجالية  التي   خالفت  مضامين النصوص   التي قصدها   الكتاب المجيد وأرادها      ،   إذن   فالواجب  يقتضي  تنزيه  الكتاب  من  هذه الهيمنة  العتيقة  وتلك   السطوة  من أهل التراث   و  المعجميين   ،  ويعني  هذا جدلاً   تتبع    –  الفاظ الكتاب كلاً  على حدة  –   ومعرفة معانيها  الحقيقية  عبر الحفر والتنقيب المعرفي  الرصين    ،  ومن بين  ذلك  تأتي  ملاحقتنا  للفظ  ومعنى   كلمة  –  إقرأ  –   التي وردت في السياق التالي   ،  قال  تعالى :  –  إقرأ  بأسم  ربك الذي خلق .. إقرأ  وربك الأكرم   –   العلق  1 ،  2   ،    ثم نتحقق   من  فعل  –  إقرأ   –   ومادته   ،   [  قال  أبن فارس   هو   فعل أمر   ،  أصله  من  الفعل الثلاثي   –  قرأ  –  ]   ،   و أشتقت  منه   القراءة    كصفة  معلومة   دالة  على من يتصف  بها   ،  و الأصل في  فعل  الأمر  هذا  إنه  يدل على   (  الفهم     و الإبلاغ     و التدبر    )    وضمير الخطاب   فيه  يعود   على النبي   ،  ولا  يدل   هذا  الفعل  على معنى    (   الكتابة   أو   الخط   أو الرسم     )   ،    كذلك  ولا يدل    على  مفهوم  النطق بالأحرف  والأصوات  ،    ولا علاقة  له  بتشكيل الجمل والأقوال والكلام  . 
وبحسب  دلالة   اللفظ   ومفهومه  في الكتاب المجيد  فهو  يتحرك  في سياق  مختلف  عما  ذهب إليه  أهل التفسير   وأهل التراث   ،    أولئك  الذين  حملوا اللفظ ما لا يحتمل   ولم  يُسعفهم   الحظ  فيما ذهبوا  إليه من أقوال وتعاريف   ،  فجعلوا  اللفظ   عبارة عن  –  تلاوة وكتابة –   وهذا  وهمُ  ومخالفة صريحة   لمعناه الحقيقي      ،  بل هو نظرة  مغايرة  لسياق النص  ومُراده       . 
ومنشأ  هذه  المخالفة   جاء  منحوتاً   بحسب  وضع   النبي محمد  ووصفه   –  أمياً   –   أي  بإعتباره  من  –  الأميين    –   ،   ومفرده   –  أمي   –   والذي هو من  لا يحسن  التلاوة  و  الكتابة   عندهم   !   ،   مع إن  الصحيح  في   لفظ  –  أمي  –   إنه  لفظ  مشتق  من معنى   – أمة  –   ،   والتي  هي  الجماعة  المعينة  من البشر  و التي ينتمي  إليها هذا النبي ،  ولا يخفى  إن  :  (  هذه  صفة  إيجاب  لا صفة سلب  ،  وهي  تشير  إلى معنى  النشأة والتكوين الإجتماعي  العام )      ،  ويؤكد  هذا   قوله   تعالى    : –  هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم –  الجمعة   2   ،   وجدلية  بعث   في   –  الأميين  رسولاً  منهم  –   تدلنا  على طبيعة  تكوينه  الإجتماعي  والثقافي   . 
ونعود للقول  :  بأن الأميين  لفظة دالة على معنى    الجماعة   المحددة  الصفات والمزايا  ،    (  وليس  في اللفظ  ما يدل  أو يشير  إلى أنهم  –  الجماعة التي لا تحسن التلاوة والكتابة  –   )   ،   ولو تأملنا   سياق  التفاسير  لهذا  النص  ،  نجد  الإستهداف  السلبي  المقصود  لهذه الجماعة   ،  على نحو  يجعل   من  –  الأمي –   يدل على الجهل والتخلف  وعدم  الإدراك  ،  فهي عندهم  صفة  سلب  جيء  بها  للحط  من  العرب  قوم  محمد بن عبدالله   ،   ويعني ذلك  تشويه صورة محمد العلمية والمعرفية ،  وبأنه  لا يصح أن  يكون  المبعوث من قبل الله  ليبلغ رسالته   ،   هذا كان  فحوى ومُراد  ما ذهب إليه عامة المفسرين من دون قصد  !!     . 
وهذه  كما ترون  مخالفة  صريحة   لمفاد  ودلالة   قوله  –  الله  أعلم حيث يجعل رسالته  –   ،  هذا من جانب ومن جانب أخر  نجد   ان  النص   المتقدم  لا يشير إلى ذلك  ولا يقصده   ،  إنما  أشار إلى  ذلك   التوازن   الطبيعي  والموائمة  بين   الرسول وقومه  ،   في نسبة الرسول  إلى قومه   الأميين  ،  فلو كانت هذه النسبة باطلة لما جاء بها النص وأستشهد    ،  ونجده تعالى   ذكره في نص أخر  على  نحو  القضية الموجبة  فقال  :  –  لقد جاءكم رسولا من أنفسكم –  التوبة   128    ،   وفي ذلك نجد  الموازنة  حاضرة  في الدرجة والرتبة   ،  كذلك وليعزز ماورد   في سورة الجمعة   قوله   –  رسولا منهم –   ،   أي  إنه  من هذه الفئة وهذه الجماعة من البشر   ،  وفي حال  الوصف لا يخرج الموصوف   عن  صفته إلاَّ بسبب أو قرينه   ،  ولما لم يكن ذلك كذلك    فيكون ممثلاً  عنها  بالتبادر الذهني   ومن  جهة  اللزوم المنطقي    . 
     وكون  الرسول   أمياً   و من  هذه  الجماعة  ، فذلك   للتعيين  والتمييز عن    (  اليهود  والنصارى )    ،   من جهة   الإنتماء  البيئي و من جهة   التكوين  والنشأة  الثقافية والمعرفية   ،   وهذا  ما قصده  النص   وأراده   من  حيث   تمييز النبي   من هذه الجهة  و إخراجه  من دائرة الإنتماء  الفكري  والثقافي لأهل الكتاب   ،  ومن جهة  أخرى  التأكيد  على إستقلالية  خطابه النبوي  وشموليته     ، ونفي   الشبهة  التي   تلاحقه  و يرددها  البعض في  إعتبار  ماجاء به النبي من اخبار وآيات عن الله عن طريق الوحي  ،   إنما  هي أما منسوخة عنهم أو إنه  قد  تعلمها  منهم   ،   والمؤسف  إن بعض أدعياء الثقافة   والتجديد   يروجون  لهذه   الشبهة  : –   وبأن ماجاء به  النبي محمد بن عبدالله  في الكتاب المجيد  ، إنما  هي  منقولات أو منسوخات عن  كتب  أهل الكتاب وعلمائهم  ] !  .   
   ونعلم  إن  هذا بيان  منه  تعالى إنما  جيء به   حماية للرسالة  من العبث و التشويه  والتحريف   ،   نعم  لقد تكفل الكتاب المجيد  في دفع هذه الشبهة   عبر التصريح  التالي  ،  قال   : –  الذين  يتبعون الرسول النبي  الأمي  الذي يجدونه  مكتوباً  عندهم  في التوراة  والأنجيل  ….. –  الأعراف 157  ،  فالتصريح  هذا  منه تعالى  هو بيان للتوكيد  على   محمد  النبي  ومحمد  الرسول  ،  وبأنه   –    أمي –    ،  بتوكيد  واضح  في الرد على  المناكفين  والمعاندين     ،  إذن  فالوصف   – بالأمي –  ليس وصفاً  وظيفياً   بقدر كونه وصفاً  طبيعياً  يعني النشأة والتكوين الإجتماعي       . 
   فالنبي   محمد  عليه  السلام     يُحسن  الكتابة والتلاوة  وهذا هو الثابت    ،  ولهذا خاطبه بلفظ  – إقرأ  –  على نحو إتمام الحجة  في القيام بالمهام   الدعوية والنشر والتبليغ     ،  ولم يجعل اللفظ مستقلاً ومنفصلاً عن موضوعة    ،   بل جاء به  معطوفاً  على ما  هو مطلوب  ومفترض  في  أصل البعثة  النبوية   ،  قال  تعالى :   –  يعلمهم    الكتاب والحكمة   –  ،   كما في المنشور التالي   : –  ربنا وأبعث فيهم رسولاً منهم  يتلو عليهم آياتك ، ويعلمهم الكتاب والحكمة .. –  البقرة  129  ،  والجملة  الإنشائية   –  ربنا و  أبعث فيهم –      بصيغة  الرجاء  و  التمني   تدل   على معنى ماهو لازم وضروري  ،  في أن يكون  الرسول  منهم  ،  ويقوم  بدوره  في  تعليم  خطابات الرب وبياناته    ،   ولهذا  قال  –   يتلو   –   من  تلا  أي نظم  وبيَّن   نوع  النصوص  وطبيعتها  وموضوعاتها   ،  وبهذا  نكون قد  وصلنا إلى المعنى المقصود من   – إقرأ –   أي أتلو    ،    وهذا دليل مضاف لما تقدم   في رد دعوى  أهل التراث  القائلين  ( بان النبي   لا يحسن  الكتابة   أو لا يستطيع التلاوة  )    ،  وبأنها   دعوى باطلة من وجوه  نعرض  لها  تباعاً    :  
الوجه  الأول   :    إن صدقنا   هذه  الدعوى  فيلزمنا التصديق بعدم  أحقية النبي   بالنبوة      . 
والوجه الثاني   :  إن  معرفة  الكتابة  والتلاوة  لا تعني  أبطال  حق النبوة  ،   بل هي لازم   من لوازم الوعي الطبيعي  ،  وهو الذي يكون   دافعاً  علمياً  للتدبر  والنظر  والتحليل  ،   فيما يخص  أخبار السماء  وما تأتي به  ،  قال تعالى : – الله أعلم حيث يجعل رسالته –  الأنعام  124  ،  فالكتابة وحُسن المطالعة شرطان  مسبقان    (  في جعل الرسول  رسولا   )   . 
والوجه الثالث   :   في المنطق العلمي  الطبيعي  لا يصح : –   أن يُطلب من   النبي ان يعلم الناس الكتاب والحكمة  وهو  لا يحسن  الكتابة   والتلاوة –      . 
والوجه  الرابع    :  و الإحتجاج   بقول  الله  تعالى : –  وماكنت تتلو من قبله  من كتاب ولا تخطه بيمينك .. –  العنكبوت  48   ،   في إثبات  كون   النبي  لا يحسن  الكتابة  أو التلاوة    إحتجاج  باطل    ،  فهذا النص  لا علاقة له  بهذا الموضوع  من هذه الجهة   ،    إنما  هو  يتحدث  عن شيء أخر  و في مجال  أخر  ،  أعني  الرد  على  المشككيين بنبوة محمد  عليه السلام  ،  وبأن   الذي  يأتي به  ليس  عبارة عن  منقولات  ومنسوخات  عن كتب سابقة  ،  وليس  محمد عليه السلام  بدعواهم   نساخاً أو وراقاً   لتلك  الكتب   ،  وليس  عامة   أمته أمة جاهلة  لا تحسن الكتابة    ،  لأنهم يريدون  القول  بأنه عليه  السلام  كان  مدعياً  للنبوة والعلم بأخبار السماء ،   هكذا  كانوا  يريدون القول  ..   . 
والوجه الخامس   :   يتعلق  بطبيعة  التناسب  بين التكليف  بالأمر   والقدرة على القيام به   ،  وهذا التناسب  شرط  لازم  من شروط التكليف      ،   وفي ذلك صرح الكتاب المجيد  بقوله    :  –  لا يكلف  الله  نفساً إلاَّ وسعها   –  البقرة   286    ،  وبنفس السياق الموضوعي هذا  نقول  :  محال   أن  يطلب  النبي  من  الناس  شيئاً   لا يستطيع  هو  القيام به   ،  و كذلك  نقول  :  محال أن يطلب الله  من النبي شيئاً وهو يعلم إنه لا يحسنه  أو لا يقدر عليه  . 
وفي هذه الحالة  يجب  عدم الخلط  بين عدم القدرة  على الكتابة  والمطالعة   وبين النبوة كمعجزة  ،   فهذا  الخلط  ظن  خاطئ  ووهم   باطل في أصله  وفصله   ،  كذلك  وليس هناك من مناسبة بين كونه يحسن الكتابة   ،   وبين أخذه عن الأغيار أو بأنه يُملى عليه  ما يدَّعيه من نبوة وكتاب  ،   وهذه الشبهة   قد تصدى  لها  الكتاب المجيد   وردها  ،   حين قال   : –  لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين –  النحل 103  . 
و كما تقدم  في  المعاينة الدقيقة   لمعنى –  إقرأ  –  والتي بينت  لنا  ، مغايرة   معناها   لما هو سائد في ألسن  الناس   ،   بدليل  فعل أمر ذاك   ليقوم   محمد  بدور  النبي  والرسول للناس كافة ،   معتمداً  في دعوته  الناس  على الحكمة  والبيَّنة  من خلال  الحواروالجدل بالحسنى  ،  وقد فهم محمد بن عبدالله  عليه السلام   ذلك    لحظة خطاب الوحي –  إقرأ  –   مؤمناً بأنه  النبي  الرسول   ،    فالنبوة  عنده  هي  : – معرفة يقينية  قد  حصل عليها  عن طريق  الوحي –  ،  وهو  في ذلك يكون شارحاً ومفسراً   لهذا الوحي  وناشراً له بين الناس   ،  وهذه القيمة المعرفية  التي  تلغي  من الأذهان والمعارف  ماهو سائد بين الناس من  معاني  وتفاسير  في  كتب التراث   التي ما أنزل الله بها  من سلطان   . 
لقد أوهمت  تلك الحكاية السمجة   الكثير من المفسرين ومن تبعهم   ، تلك الحكاية  التي ألفتها اليد الخفية   حين غاب الوعي  وأندثر لحظة صراع القوم على الحكم والسلطان   فساد الجهل وعممت الخديعة    ،  تقول الحكاية : –  إن الوحي لما نزل على قلب محمد بن عبدالله   ، خاطبه أولاً بالقول    –  إقرأ –    فقال  محمد  لست بقارئ  !!   –   ،  وقد جيء بهذه الحكاية  كتوكيد  على جهل النبي   و تداولتها  كتب التاريخ والتراث  على نحو واسع   ،  وقد شكلت مع الإيام  قناعة المؤمنين  في عقولهم  ومعارفهم  التي ينشرونها  بين  الناس   ،  مما شكل عن قصد أو بدونه  ذلك المفهوم السلبي  عن النبي محمد  ، بوصفه  الشخص الذي لا يحسن الكتابة والقراءة على زعمهم    ،   كما تبين هذه الحكاية وسرديتها  (  بأن الله  لم يكن يعلم بان  محمد بن عبدالله  لا يحسن الكتابة والتلاوة  )   ،  ومع ذلك  أصطفاه   نبياً ورسولاً  !  ، بل وخاتماً للنبوات  والرسالات  !   ،  وهذا ان  دل  على شيء فإنما يدل على   :  –  أن  الله  سبحانه  وتعالى  كان جاهلاً حين يختار من الناس أنبياء  ورسل  يكونون  له خلفاء  وممثلين  له في الأرض  في  تبليغ  الرسالة   و نشر القيم  والتعاليم  الإلهية    –  . ولكن  هذا التوجيه  الذي أعتمده غالب المفسرين وعامتهم  ،   يسقط من الإعتبار  فيما  لو  جعلنا  من  مفهوم  – إقرأ –  دالاً  على التبليغ والعلم  والتدبر  والوعي   ،    عند ذلك   يكون  بمثابة   (  الإستفهام الإنكاري  )   ،  الذي  ورد  بلسان  الحكاية  مقبولاً   ضمن  هذه الحدود  وبداخلها   ، أي إنه  إستفهام معرفي  من   محمد  بن عبدالله   عن طبيعة  الوحي  وشكل  التبليغ  والدعوة  وحجمهما   وكيفيتهما  وطريقتهما    ،  وهذا  المعنى لا ينفك  عن قولنا   هي  –  معرفة يقينية –   يحصل عليها  المرء عن طريق الوحي     ،   فيكون  الحوار في الحكاية المزعومة   ممكن   من جهة  ،   و  لما يؤدي إليه من العلم بالشيء من جهة ثانية     . 
يقودنا  ذلك   لبيان   معنى  قوله اللاحق  –  علم الإنسان مالم يعلم –  العلق 5  ،  والذي نفهم منه  دلالة   قوله  –  إقرأ  –   كتحفيز لأداة العلم والإدراك  لتقوم بالمهمة  المطلوبة  و المكلف بها  ،  وفي هذا السياق  تسقط من الإعتبار  تلك الرواية التي ينقلها أبن أسحاق  ،  عن الهيئة  و  الكيفية  التي كان عليها محمداً   من الإهتزاز وعدم الثقة واليقين  بما جاءه من عند ربه    ،   وليس من داع  ان تقوم     خديجة زوج النبي   بدور المنقذ   في تثبيته  والإقرار بصدقه   و  بمشروعية نبوته   ،   طبعاً  كل ذلك  كان  موظفاً   بحسب  الدور الذي لعبه  ورقة بن نوفل   أبن عم خديجة  في هذه الحكاية  ،  ولا ريب بان التاريخ يقول     : –  إن محمداً  كان يخلو بغار حراء يتحنث فيه   ….  وهناك   جاءه الملك ، فقال  له   :  إقرأ   ،  قال : ما أنا بقارئ   !!  ….   فقال :   –  اقرأ باسم ربك الذي خلق  ،  خلق  الإنسان  من علق  ، إقرأ  وربك الأكرم  الذي  علم  بالقلم ،  علم  الإنسان   ما لم يعلم    –  ، قال : فرجع   مضطرباً  يرتجف   حتى دخل على خديجة   ،  فقال : زملوني زملزني فزملوه حتى ذهب عنه الروع !!!!!  ،   وسأستعير  من لغة  العرب   قولهم  إن  –  ما  –  النافيه  لا تكون ملائمة  لمراد  البعض  في  تبرير مقالتهم  تلك وتبنيها   ،  فحرف –  ما  –  ورد  بصيغة  الإستعارة   لمعنى السؤال  – :  أي  ماذا أقرأ  ؟   ، فكان جواب الملاك  ،   إقرأ التالي  وذكر له النص   ، ومعلوم  عند  عامة علماء اللغة   أن هناك  بون شاسع  بين  أداة  النفي  ومعناها  وطبيعة  السؤال  ومراده    

فإن قيل   :   لم نسمع إن النبي قد كتب نصوص الكتاب وآياته   !!  قلنا  في الجواب   :   ربما تخلو كتب التاريخ والتراث  من ذلك  ،  ولكن   السؤال  الملازم  لنا  يقول :  كيف  لله  ان يعتمد   على   غير النبي في  كتابة   وحيه   وتصحيح  ما ورد عنه   ؟  إن لم يكن قائماً على ذلك    ،  فإذا  قلتم  بان   محمداً   لم   يحسن الكتابة   ،   فالسؤال يكون  إذن  كيف له  أن يعتمد  على غيره   في كتابة  الوحي  ؟  ،  وكيف له أن يطمئن على سلامة  ذلك   من التحريف  والتشويه  ؟   ،  وفي هذا  الباب  لا يجب   التبجح  بقوله : –  إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون –   الحجر 9    ،   لأن مدار هذا النص يتعلق   بما  جاء به الوحي  من  عند الله  ،  الوحي  المسجل والمحفوظ  في اللوح   (  السجل الذي جاء منه )   ،  وما يُقال  إن   النبي   أعتمد  على بعض اصحابه  في  تدوين الوحي  وكتابته  ،    فاللازم  ان يكون النبي هنا   مشرفاً ومتابعاً ومدققاً   لما يكتبون ويدونون      ،   مع التأكيد  :  على  ان  تدوين  الكتاب المجيد شيء   ،  وقدرة النبي على الكتابة شيء أخر  ،  فالتدوين  يصح من الجميع شريطة القدرة على ذلك  ،  ولكن صحة التدوين والإقرار به يكون من قبل النبي   ،  ولهذا أشرف هو بنفسه  على   تدوين الكتاب المجيد ،  فهو من أطلق  على عامة  السور أسمائها    ،   وهو من   وضع النصوص في مواضعها التي هي عليها الآن     ،   مع التنويه  بان كتابة الوحي كانت تتم  وفقاً  لما يأتي به  الوحي   الذي كان  يأتي نجوماً  ،  ولكن النسخة  النهائية  لم تظهر بشكلها المتعارف  ، إلاَّ  من بعد أتم الوحي كل الموضوعات  والآيات والنصوص التي أراد الإبلاغ عنها  ، لقد تم كل ذلك  قبيل  نهاية رحلة النبوة والرسالة  ،  التي جاء التوكيد  عليها  بالقول التالي   : – اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا –  المائدة 3  .  
آية الله الشيخ إياد الركابي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here