ايران ودورها الخفي بدفع العراق للتطبيع؟ وحقيقة حربها مع اسرائيل

الباحث الدكتور سلمان لطيف الياسري

غريب عجيب أمور قضية ::: صوتت إيران أيضًا ضد قبول إسرائيل في الأمم المتحدة. ومع ذلك، كانت إيران ثاني دولة ذات غالبية مسلمة تعترف بإسرائيل باعتبارها دولة ذات سيادة بعد تركيا. … بعد ثورة عام 1979، قطعت إيران جميع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، ولم تعترف حكومتها الإسلامية بشرعية إسرائيل كدولة.

هل ترى أن الحرب بين إيران وإسرائيل قد تندلع بين لحظة وأخرى بعد أن ادعت إسرائيل أنها أسقطت طائرة استطلاع إيرانية داخل الأجواء الإسرائيلية كانت قادمة من قاعدة إيرانية في سوريا. ومما زاد في تأزم الوضع بين طهران وتل أبيب أن النظام السوري أسقط طائرة إسرائيلية في اليوم نفسه لأول مرة منذ واحد وثلاثين عاما. هذه الأجواء المحمومة جعلت الكثيرين يتوقعون أن تشتعل الحرب بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، لكن السياسة علمتنا أن لا نأخذ أبدا بظاهر الأمور مهما كانت مشتعلة إعلاميا، فالحقيقة لا تجدها في وسائل الإعلام ولا في التصريحات السياسية النارية، بل تجدها على أرض الواقع. وقد أخبرنا الفلاسفة الإغريق أن لا نركز على ما يقوله الساسة، بل على ما يفعلونه على الأرض. ولو نظرنا إلى ما فعلته إسرائيل وإيران على الأرض، نجد أن الطرفين حلف واحد يتقاسم العالم العربي بالمسطرة والقلم.

فهناك اتفاق بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، يسمح لإيران بالتمدد واستعداء العرب للتخفيف من العداء العربي لإسرائيل. بعبارة أخرى هناك اتفاق بين إسرائيل وإيران على تقاسم العداء مع العرب، فبدلا من أن تظل إسرائيل البعبع والعدو الوحيد للعرب في المنطقة، تتقاسم العداء مع إيران، بحيث يخف الضغط على إسرائيل. ولو نظرنا الآن لوجدنا ثمرات هذا الاتفاق على الأرض؛ ألم يصبح غالبية العرب ينظرون إلى إيران على أنها أخطر عليهم من إسرائيل؟ وبالتالي، فإن كل العداء هذا الظاهر بين الصفيوني والصهيوني مجرد ضحك على الذقون. أما الخوف الإسرائيلي من الوجود الإيراني في سوريا ولبنان فقد أصبح نكتة سمجة.

كيف سمحت إسرائيل وأمريكا لذراع عسكري إيراني ضارب أن ينشأ على حدود إسرائيل مباشرة مع لبنان بعد فترة قصيرة جدا من وصول الخميني إلى السلطة، وبالتالي أن يهدد «الصهاينة» من على مرمى حجر؟

وكيف سهّلت أمريكا وإسرائيل لإيران الخمينية أن تتمدد حتى تصل إلى حدود إسرائيل. ألم يرفع الإمام الخميني عند وصوله إلى السلطة في إيران في نهاية سبعينيات القرن الماضي قادما من بلاد الغرب «اللعين»، شعار محاربة الشيطان الأكبر، ألا وهي أمريكا وكل الجهات المتحالفة معها في الشرق الأوسط؟ ألم تكن إسرائيل على رأس قائمة الجهات التي استهدفتها القيادة الإيرانية الجديدة التي استلمت مقاليد الحكم بعد الثورة؟ ألم نسمع وقتها كيف بدأ الإيرانيون الجدد يرفعون شعار تحرير القدس وإغراق الصهاينة بالماء؟

ألم تنتبه إسرائيل وأمريكا لكل تلك التهديدات الإيرانية الصارخة؟ لماذا لم تتخذ واشنطن وتل أبيب كل الاحتياطات، وترصد كل التحركات الإيرانية الجديدة لحظة بلحظة خوفا من حملة الثأر الإيرانية الرهيبة التي أطلقها الخميني ضد الشيطان الأكبر وربيبته إسرائيل؟ على العكس من ذلك، نجد أن التغلغل الإيراني في المنطقة بعد سنوات قلائل على الثورة الإيرانية، فقد وصلت إيران فورا إلى الحدود الإسرائيلية بلمح البصر بعد تهديداتها النارية للإمبريالية والصهيونية.

وفي بداية الثمانينيات، وبعد ثلاث سنوات أو أقل، ظهر فجأة إلى الوجود «حزب الله اللبناني» كأول طليعة وذراع عسكري لإيران في المنطقة. ولو ظهر ذلك الحزب مثلا في بلد عربي بعيد عن إسرائيل، لبلعنا القصة، لكن الذي حصل أن إيران أسست حزب الله على الحدود مباشرة مع ما تسميه وسائل الإعلام الإيرانية «الكيان الصهيوني»، بعد أن قضت بالتعاون مع النظام السوري على كل الفصائل اللبنانية والفلسطينية والوطنية واليسارية والإسلامية وغيرها في لبنان التي كانت تخوض حرب العصابات ضد إسرائيل. فجأة ظهر حزب الله ليرفع شعار تحرير القدس من على الحدود مع إسرائيل مباشرة، وليس من طهران.

والسؤال هنا بعد تولي الخميني مقاليد الحكم في إيران ورفعه شعارات تقطر عداء لإسرائيل وأمريكا: كيف سمحت إسرائيل وأمريكا لذراع عسكري إيراني ضارب أن ينشأ على حدود إسرائيل مباشرة مع لبنان بعد فترة قصيرة جدا من وصول الخميني إلى السلطة، وبالتالي أن يهدد «الصهاينة» من على مرمى حجر؟

لو كانت إسرائيل تخشى من إيران وميليشياتها الطائفية في سوريا، لما سمحت هي وأمريكا لتلك الميليشيات بدخول سوريا أصلا، ومن سلم العراق لإيران على طبق من ذهبلو كانت إسرائيل تخشى من إيران وميليشياتها الطائفية في سوريا، لما سمحت هي وأمريكا لتلك الميليشيات بدخول سوريا أصلا، ومن سلم العراق لإيران على طبق من ذهب

بعض الساخرين يتهكم قائلا: يبدو أن أمريكا وإسرائيل اللتين تراقب أقمارهما الاصطناعية دبيب النمل في المنطقة، كانتا نائمتين في تلك اللحظات التي ظهر فيها حزب الله على الحدود مع إسرائيل، أو كانت الكهرباء مقطوعة في إسرائيل، فنشأ الحزب ونما، ودجج نفسه بالسلاح الإيراني والسوري بلمح البصر، وعندما استفاقت أمريكا وإسرائيل وجدتا أن هناك قوة عسكرية إيرانية ضاربة على الحدود الإسرائيلية، فأسقط في أيديهما، وندمتا على الساعة التي أخذتا فيها غفوة، فاستغلتها إيران في إنضاج حزب الله، وجعله سيفا مسلطا على رقبة إسرائيل بين ليلة وضحاها.

وبما أن النظام الإيراني الجديد رفع منذ بداية الثورة شعار القضاء على الصهيونية، فكيف سمحت له إسرائيل وأمريكا أن يتغلغل في سوريا جارة «الصهيونية» المباشرة بهذا الشكل الرهيب، بحيث أصبحت سوريا على مدى عقود بعد الثورة الإيرانية (عدوة الإمبريالية والصهيونية)، أصبحت مربط خيل إيران في المنطقة؟ يبدو أيضا أن الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية أثناء التغلغل الإيراني في سوريا والهيمنة عليها كانت نائمة، ربما بسبب التعب، أو بعد تناول وجبة ثقيلة من الأسماك، فاستغلت إيران الغفوة أيضا، ووصلت إلى حدود «الكيان الصهيوني» لتهدده مباشرة. وها هو الحرس الثوري الإيراني الذي يريد أن يدمر الصهاينة يصول ويجول الآن في سوريا حتى وصل إلى تخوم الجولان، وإسرائيل غافلة عنه

لو كانت إسرائيل تخشى من إيران وميليشياتها الطائفية في سوريا، لما سمحت هي وأمريكا لتلك الميليشيات بدخول سوريا أصلا، ومن سلم العراق لإيران على طبق من ذهب، لا يمكن أن يعرقل التغلغل الفارسي في سوريا، ومن يخشى من حزب الله في لبنان، لا يمكن أن يسمح لإيران بإنشاء ألف حزب الله في سوريا.

تحولت العلاقات الإيرانية الإسرائيلية من العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وإيران خلال عهد سلالة بهلوي إلى العداء منذ الثورة الإسلامية. وقد قطعت إيران جميع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، ولم تعترف حكومتها بإسرائيل كدولة، مشيرة إلى حكومتها بوصفها “النظام الصهيوني”.

وأسفر الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 عن مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية للبنان. وقد استفاد الحلفاء الإسرائيليون في لبنان والسكان المدنيون الإسرائيليون من إنشاء المنطقة الأمنية التالية في جنوب لبنان، حيث تعرض الجليل لهجمات أقل عنفًا من جانب حزب الله، مما كانت عليه منظمة التحرير الفلسطينية في السبعينات (مئات الضحايا المدنيين الإسرائيليين). وعلى الرغم من هذا النجاح الإسرائيلي في القضاء على قواعد منظمة التحرير الفلسطينية والانسحاب الجزئي في 1985، فإن الغزو الإسرائيلي قد زاد بالفعل من حده النزاع مع المليشيات اللبنانية المحلية وأسفر عن تعزيز عدة حركات شيعية محلية في لبنان، بما في ذلك حزب الله وأمل، من حركة حرب عصابات لم تكن منظمة في السابق في الجنوب. وعلى مر السنين، ازدادت الخسائر العسكرية للجانبين ارتفاعًا، حيث استخدم الطرفان أسلحة حديثة، وتقدم حزب الله بتكتيكاته.

تمتعت الدولتان بعلاقات جيدة لمدة 30 عاماً، وكان لكل منهما صلات قوية مع الولايات المتحدة في تضاد مع النفوذ السوفياتي في المنطقة. وأصبحت إيران أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية، بينما صدّرت النفط إلى إسرائيل. وكانت لإسرائيل بعثة دبلوماسية في طهران لثلاثة عقود، بين عامي 1948 و1978، مع علاقات ودية. منذ الثورة الإيرانية عام 1979، سارت العلاقات بينهما نحو العداء الشديد على الرغم من عدم تقاسم الحدود. لكن حرِص النظام الإسلامي على توظيف كراهيته وعدائه لإسرائيل والولايات المتحدة كورقة لحشد التأييد له ومهاجمة الغرب، واتخاذ القضية الفلسطينية حصراً به، معلناً يوم القدس عطلة جديدة بالبلاد. مركزية القضية الفلسطينية لدى العرب والمسلمين مسلّمة، لذا حاول النظام توظيفها جيداً، وعلى الرغم من العداء لإسرائيل باسم هذه القضية لم تطرح إيران تصوراً لحلها مقتصراً دورها على الخطاب العدائي وإمداد المال والسلاح للجهاد الإسلامي وحركة حماس كأوراق ضغط ومن خلالها التأثير في إسرائيل ومناكفتها.

على الرغم من مسار العداء بينهما، حافظت الدولتان على اتصالات سرية حين يتعلق الأمر بمصلحتهما. فخلال الثمانينات، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، استوردت طهران أسلحة وإمدادات عسكرية من إسرائيل في عمليات سرية شاركت فيها إدارة ريغان، عرفت بقضية “إيران كونترا” في عام 1986.

ومع تطور الصراع بينهما في سياق تطوّرات الشرق الأوسط الممتدة منذ سنوات، حدّدت إسرائيل الخطوط الحمر التي لن تسمح لطهران بتجاوزها وهي: منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وتعطيل حصول “حزب الله” على الصواريخ، ووقف توسع والوجود الإيراني ترسيخه في مناطق أكبر في الإقليم منها سوريا.

لماذا لا ترد إيران على الهجمات الإسرائيلية في سوريا؟

وتحدّدت هذه الخطوط بعد توغل إيران في الحرب السورية، ومحاولتها توظيف وجودها فيها لفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل إلى جانب أهداف أخرى مرتبطة بمصالحها. نقلت صواريخ وطائرات من دون طيار وقام “حزب الله” بمهمات استطلاعية متكررة في الجنوب ناشراً فرقه في مرتفعات الجولان حيث أقام قواعد صواريخ وشبكات أنفاق. في البداية كان الردّ الإسرائيلي يقتصر على ضربات جوية لأهداف تابعة لـ “حزب الله” وإيران في سوريا أسفرت عن مقتل ضباط عسكريين إيرانيين، بمن فيهم جنرالات في الحرس الثوري وعناصر بارزة في ميليشيا الحزب وتنفيذ حوالى 100 غارة على قوافل أسلحة متجهة إلى “حزب الله”. لكن في عام 2018 حاولت طهران اختبار تغيير قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل فأطلقت طائرة مسيرة بالقرب من تدمر السورية، وأطلقت قواتها في سوريا 20 صاروخاً على مواقع عسكرية إسرائيلية في هضبة الجولان اعترضتها نظام القبة الحديدية للدفاع الجوي الإسرائيلي. إلى جانب الأعمال العسكرية بينهما كانت الحرب السيبرانية التي لا يعلن أي طرف مسؤوليته عنها، وأخيراً شهدت إيران تفجيرات وحرائق غامضة في عدد من المنشآت العسكرية والاقتصادية كان أهمها تفجير في مفاعل نطنز، ومع ذلك لم تكن هناك استجابة منها على الرغم من اتهام بعض المسؤولين إسرائيل بهدف عرقلة قدرات طهران النووية.

المؤكد إن العلاقة بين البلدين على الرغم من أن العداء الشديد هو أهم ملمح لها إلا أنها تحجمها ضوابط، منها أنه يمكنهما التعاون حيثما وجدت مصلحة، وهنا ترجيح إيران البراغماتية في سياستها الخارجية على حساب المبادئ الثورية، والمحدد الآخر أن الطرفين يتحاشيان المواجهة المباشرة، لنتائجها الكارثية عليهما. لذا ستستمر إيران في توظيف علاقاتها بالتنظيمات المسلحة، وتبقى الخطوط الحمر لإسرائيل ليستمر توازن القوى الحالي ولا يميل لصالح طهران.

إيران تستّرت كثيراً بشعارات “تحرير القدس” في تمويه تستغله لكي تتمدد داخل بلدان العالم العربي

قال النائب عن التيار الصدري بهاء عبد الحسين الأعرجي، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، في معرض ردّه على سؤال حول إمكانية توقيع العراق اتفاق سلام مع إسرائيل في هذه المرحلة، “مهيأ جداً”. وأضاف ممكن أن يصدر القرار من النجف وليس من بغداد.

لماذا النجف؟كما هو معلوم أن النجف تعدّ المكان المقدس لملايين الشيعة حول العالم، ومنذ أن ترأس الحوزة العلمية فيها أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (995-1067 ميلادي)، والعنصر الفارسي هو المهيمن على زعامة المرجعية الدينية عبر التاريخ. اليوم، الكل يعلم كيف قدم المرجع العراقي علي السيستاني، الجهاد السلمي وأخّر الجهاد المسلح ضد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وبذلك ميّع إرادة الملايين من أتباع المذهب تجاه احتلال غربي لبلد مسلم. وما كتبه الحاكم الأميركي بول بريمر عن تعاون السيستاني غير المباشر معهم، في كتابه “عام قضيته في العراق”، وكذلك اعتراف وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في كتابه “المعروف وغير المعروف في حرب العراق”، بأنه “كان لفتوى السيستاني الفضل الكثير لتجنّب قوات التحالف خسائر جسيمة”.

كما يستمر سكوت السيستاني عن الجرائم والمجازر والانتهاكات الشنيعة التي طالت جميع مكوّنات الشعب العراقي من جنوبه حتى شماله خلال السنوات الطويلة الماضية. وأحدثها، مجزرة قرية الفرحاتية في قضاء بلد التابع إلى محافظة صلاح الدين، شمال العراق، في 17 الشهر الحالي، وراح ضحيتها 12 شخصاً، بينهم أربعة أطفال، التي ارتكبها اللواء 42 التابع لحركة العصائب في الحشد الشعبي الموالي لإيران، على الرغم من التدقيق الأمني والسماح بعودتهم من مخيم النازحين إلى قريتهم.

عموماً، فإن الجانب الروحي له أهمية خاصة في توظيفه نحو أهداف ومخططات خارجية، وبذلك ليس مستبعداً أن يجدد السيستاني الوضع بإصدار فتوى تجيز التقارب مع إسرائيل طالما فيه صالح إيران ومستقبلها. والذي يشكّ في ذلك، عليه أن ينظر ويقارن مواقف السيستاني وبقية مرجعيات النجف، محمد الحكيم إيراني وإسحاق الفياض أفغاني وبشير النجفي هندي، إذ يعملون على عزل الشيعة من محيطهم العربي وإلحاقهم بالحامي الإيراني، لإضعاف العراق لصالح إيران، ما ينعكس بالإيجاب أيضاً على تركيا وإسرائيل في المنطقة، في حين ينعكس ذلك سلباً على العرب.

ومن الجانب الروحي إلى الجانب الزمني، هناك مقتدى الصدر المسيطر على محافظة النجف إدارياً وسياسياً وعملياً، كما يبسط نفوذه على مناطق أخرى بحكم التيار الشعبي الذي ورثه عن عائلته. وأثبتت أحداث ومعطيات السنوات الماضية، أنه يميل إلى إيران، خصوصاً بعد الانتفاضة التشرينية التي دخلت عامها الثاني، الذي واجهها بالقتل والخطف وإحراق خيام المعتصمين السلميين، ولا يزال يعمل مع بقية الفصائل الولائية على إطفاء جذوة الشباب المنتفض ضد هيمنة طهران على مقدرات العراق.

ومن العراق إلى لبنان، فالطرفان الشيعيان “حزب الله” و”حركة أمل” مواليان لإيران من جهة، ويسيطران على صناعة القرار السياسي اللبناني من جهة أخرى. وعليه، فإن دخول لبنان في مفاوضات غير مباشرة لترسيم حدود المياه مع إسرائيل، التي قال عنها بنيامين نتنياهو إنها “ستقود إلى السلام مع إسرائيل”، يعني أن الكتلتين المواليتين لا تتحركان من دون مشورة وموافقة طهران، لا سيما أن هذا التحرك جاء بعد سنوات رفض فيها لبنان التفاوض.

كما أن توقيت المفاوضات ومكانها، في جولتيها الأولى والثانية، في مقر الأمم المتحدة بمنطقة الناقورة في جنوب لبنان، معقل ما يسمّى “محور الممانعة” والمقاومة ضد إسرائيل، لهما دلالتهما. وفي اليوم التالي لها، أثار بهاء الأعرجي إمكانية التقارب مع إسرائيل، وأن أولويات القرار تأتي من النجف وليس بغداد، ما يعني حضور الرابط الشيعي التابع لإيران.

وكذلك بالنسبة إلى سوريا، وشروط بشار الأسد لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، وفي مقدمتها استعادة هضبة الجولان التي خسروها في حرب يونيو (حزيران) 1967. وفي هذا الخصوص، لا بد للنظام السوري من أن يتشاور مع حليفه النظام الإيراني، الذي أنقذه من السقوط الحتمي عام 2011، وكذلك لإيران وجودها العسكري والاقتصادي والسياسي داخل سوريا.

بمعنى آخر، عندما صرّح الأسد في معرض ردّه على سؤال لشبكة أخبار “سبوتنيك” الروسية في 8 أكتوبر الحالي، حول احتمالات إقامة علاقات بين سوريا وإسرائيل، على غرار ما فعلته دول عربية في الآونة الأخيرة، الإمارات والبحرين، قال إن “السلام بالنسبة إلى سوريا يتعلق بالحقوق، وحقنا هو أرضنا”. فتصريح الأسد الذي سمح بالوجود الإيراني ثم الروسي على الأراضي السورية، لحاجته لهما بالتباحث والتشاور بما يخص بلاده، يعني أن طهران التي تدّعي معاداة الكيان الإسرائيلي، موافقة ضمناً على هذا المبدأ.

بعض المحللين السياسيين يرون أن التوصل إلى اتفاق ترسيم حدود المياه الاقتصادية بين لبنان وإسرائيل لا يؤدي بالضرورة إلى توقيع اتفاق سلام بين الدولتين، خصوصاً أن القضية تنحصر في إطار اكتشاف حقول الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط، ومن مصلحة البلدين التفاوض في هذا الشأن لا أكثر.

لكن الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة، وغالباً ما تبدأ الخطوة الأولى بالتقارب مع إسرائيل بإبراز المنافع الاقتصادية، وسرعان ما تشمل التعاون الأمني والالتزام السياسي الذي يصبّ في صالح الوجود الإسرائيلي، ولنا في اتفاقات “كامب ديفيد” مع مصر عام 1978 و”اتفاق أوسلو” مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ومعاهدة “وادي عربة” مع الأردن عام 1994 أمثلة على ذلك. وقبل أن يجفّ حبر التوقيع على اتفاق بين الإمارات وإسرائيل في 13 أغسطس (آب) الماضي، قال نتنياهو إن “هذا الاتفاق لا يعني وقف ضم الأراضي الفلسطينية”، وكذلك الاتفاق بين البحرين وإسرائيل في 11 سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ استمرت تل أبيب بمشروعها الاستيطاني في قضم الأرض وتشييد المستوطنات.

صفوة القول إن إيران تستّرت كثيراً بشعارات “الموت لإسرائيل” و”يوم القدس العالمي” و”تحرير القدس” وغيرها من الكلمات الرنانة، في تمويه تستغله لكي تتمدد داخل بلدان العالم العربي، من أجل تثبيت مشروعها السياسي الاحتلالي.

وإذا كانت بغداد تمثّل الثقل الأكبر لانتفاضة شباب العراق الثائر، فإن طهران تقف خلف النجف لإصدار فتوى سيستانية جديدة بمقاس إيراني، ظاهرها التقارب مع إسرائيل، وباطنها إيجاد منفذ لرفع العقوبات الاقتصادية الأميركية والاستعداد لأربع سنوات مقبلة في حال فوز دونالد ترمب برئاسة ثانية للولايات المتحدة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here