العرب في الميزان  

 
سأقتحم  هذه الساحة  مع ما فيها  من تناقضات ومشاكسات  ومماحكات ومد وجزر ، ولكنه  القدر  الذي  كتب  علينا   أن نوضح  وأن  نسجل  للتاريخ والأيام  ،  ما نعتبره حقايق  وهذا  بإعتبارنا  شهود  على حقبة من الزمن  ،  من تاريخ العرب ومواقفهم أزاء جملة قضايا وأحداث ، وسنكون بعون الله  واضحين  ذلك لأن الأمر  لا يحتمل  التراخي أو اللامبالات  ولا أنصاف  الحلول ولا  التهويل والتجديف ، بل هي كلمة الحق  التي  يجب أن تقال  ،  لعلمنا  إن  ثمة ما يريب في النفس العربية الأمارة . 
ودعونا نسلسل  الأحداث والمواقف  بحسب أهميتها  لدينا  ، مبتدئين بالسؤال  التالي :  والذي يقول    ،  هل أتفق العرب على شيء من قضاياهم  وواجهوهها  سوياً  مجتمعين   ؟  ،  والجواب بكل  بساطة هو :  –  كلا وألف كلا   –  ،   فالعرب  إن كانوا  جماعات أو متفرقين عادتهم  أو الغالب عندهم  هو أن  يسيء بعضهم  إلى البعض الأخر ،  ويتآمر بعضهم على بعض  الأخر  ، بل يشمت بعضهم بالبعض  الأخر ،  حين تنتاب أحدهم بعض الدواهي  أو يتعرض إلى بعض المشكلات   ، فلا يسد بعضهم عن البعض الأخر ولا يحميه ولا يقف معه   هكذا هم ،   أشتات متفرقون  في كل قضاياهم  ولا يوحدهم شيئا   ،  فهذه  قضية فلسطين  التي صنعوا منها مشكلة تستعصي على الحل   ،  لماذا  ؟  لأن  لكل  منهم جماعة وحزب  ينابذ فيه  ويحارب فيه  الجماعات والأحزاب الأخرى التي شكلتها   الدول الأخرى  ،   فالفسطيني  عند العرب  مجرد  مرتزق  يكيد   الدسائس والمؤامرات  والفتن  ، وحسبنا في  ذلك  ما فعلته  الدول ذات الشعار القومي  العروبي   ، وحسبنا  كذلك  الدول ذات المسوحات  القبلية  و الدينية  ،  وكذلك  الدراويش  منهم  ، فهم أعداء بعضهم البعض  وهذا  بشهادة الأغيار عنهم . 
وحين تنادى صدام  العروبي  الذبياني   وفتل عن شواربه  وعضلات  وراح  محارباً إيران   ،   نجد  إن  العرب  قد  صفقوا  له  ليس حباً  به  ولا إيماناً بمعركته  الخائبة  (  ضد الفرس المجوس )  ولا بقادسيته الثانية  !!  ، لكنه الحنق والخشية  والحسد   من جيش العراق الذي أصبح في نهاية السبعينات من القرن الماضي جيشاً عرمرم  ، أمتلك القوة والعدة والعتاد ، فخشي الأعراب  منه فصفقوا لصدام  وخيلوا له إنها مجرد أيام وتنتهي  وتكون أنت البطل الهمام  وحارس البوابة الشرقية   ،  لكنهم كانوا يراهنون  على  تدمير جيش العراق  على يد إيران  في ظن خائب  ، ومرت سنيين الحرب ثمانية عجاف يتلو بعضهن بعضا ، حتى أستنزف العراق  كل خيراته وكل أمكاناته   ،   لكنه مع  ذلك  ظل واقفاً لم ينهزم بالمعنى الكلي  ، وهذا لم يرض دعاة الفتن من العرب فصوروا له مع تصفيق وهتاف مريب  ، إن البعض يسلب حقك في النفط والمال   ،  ولم يراع   لك حرمة  ولا لتلك الدماء التي حفظت الأعراب من طموحات الخميني   . 
 فدفعوه على حين غفلة من الزمن ، ليحتل الكويت وليظمها إلى العراق في عملية كشفت الأيام خبث من صفق وهلل لها من عرب اللسان والجنسية   ، وكانت الكارثة حين أجتمع الشرق والغرب ومعهم العرب بجيوشهم وأمكاناتهم ، وهجموا عليه هجمة رجل واحد  ، ولم تنجل الغبرة إلاَّ وجيش العراق وشعب العراق وإقتصاد العراق   قد دمر بالكامل  ، وكل العرب كانوا عليه ألباً مع أعدائه   ،  بل هم أشد عداءاً منهم  حين حاصروه  ،  ومنعوا منه الطعام والشراب سنيين ، إلى أن استسلم كل عراقي  وأنهزم نفسياً   ولم يستطع الصمود والمقاومة  فمات  ،  من ألم الهزيمة والحصار والمذلة   ،  ولم ينسل منهم واحد ليقول كلمة الحق في وجه عاتيات الزمان  ، إلى أن سقطت بغداد جريحة أسيرة مهانة ومعها شعب العراق وجيشه   ،  وقد تفكك وتحول القوم من بعد ذلك إلى داعمين وممولين لكل عمل طائفي   ،  فأحدثوا فيهم القتل ، ولم يكتف العرب بذلك  ،  بل سخروا قوى الشر الطائفي الديني لتقوم بكل عمل خسيس وجبان ، والعرب يصفقون ويهللون على زعم إنهم بذلك يناصرون جيش الخلافة !!!!!! ، وهاهو العراق الكسير المنحني لم ولن يتعافى من ويلات وفعلات العرب ، فلا الديمقراطية أفادت وأستفادت   ،  ولا دعاة الدين السياسي كانوا أهلاً للمسؤولية  ،  بل قبحوا وجه التاريخ فزلوا وأستزلوا . 
وهذا  الوصف هو  اليسير اليسير جداً جداً عن العراق ، ولكم في الربيع العربي ومافعله الأعراب فيما بينهم من التآمر والنكاية والخصومة ما تقشعر منه الأبدان  مثالاً   ، فجرح ليبيا الغائر والذي لم يندمل ولا أظنه كذلك   ،   وسوريا تلك البلاد الجميلة  صارت هباءاً  ،  ونرى وترون  كيف عبث  بها العرب فقسموها وأحالوا نهارها ليلاً  مظلماً   ، فمزقوا شعبها طوائف وملل   ،  وهجروا شعبها في منافي  العالم  البعيد    ، كل هذا بفعل العرب وماقاموا به  ، ولن ننسى  إذ ننسى  فعلهم  القبيح  في تونس ومصر والجزائر واليمن التعيس  ، وفي لبنان الذي مافتئ يندمل له جرح حتى يقيظوا له  ألف  جرح   ، ويتكالبوا عليه وكأنهم فرسان الهيجاء في سوح القتال  . 
  العرب هم أسوء ملة في نقضهم للعهود والمواثيق  وتآمرهم مع الأجنبي   ،  وكما قيل في الأثر : –  المقيم بين أظهرهم   مرتهن بذنبه والشاخص عنهم متدارك برحمة من ربه   –  ، ولهذا  فر   الكثير منهم مهاجرين  هنا وهناك ،  هرباً   من هذا النفاق والكذب والدجل والتخريف ، وهرباً  من  سطوة أهل المال والسياسة ،  وأنعدام  الأمن والقانون  و العدالة والحرية . 
 وإني أرى أن الأيام القادمة ستكون   أشد  بؤساً على العرب  ،  فهم كما يقول البعض  من أهل  الخبرة  لا يستحقون الحياة   بين الأمم المتحضرة  ،   وإني واثق  : – إن  الله سيستبدلهم بأقوام غيرهم  ولن يكونوا أمثالهم   –   ، وتلك سنة الله  والطبيعة   وإنَّا  وإياكم لمنتظرون  ، والأيام بيننا   .. 
راغب الركابي  

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here