الادب العربي القديم لا يسعف ابناء العصر الحديث !

الادب العربي القديم لا يسعف ابناء العصر الحديث ! (*) د. رضا العطار

الادب العربي الذي كُتب قديما كان لأجل الخلفاء وحاشيتهم، هؤلاء كانوا هم (الدولة) ولم يكن للشعب وجود في اذهان الكتاب. وكان ادب الخلفاء والامراء عبارة عن نوادر وقصص واشعارا تسلي وتذهب بالسأم اي سأم البطالة … بطالة المترفين. وكان ادب الفقهاء شروحا وتعقيبات ما تجاوزت يوما حدود المذاهب والدين.

ولما ظهرت الدولة الفاطمية في مصر واتسعت غربا حتى شملت الشمال الافريقي وشرقا حتى ضمت بلدان الهلال الخصيب والجزيرة العربية، مما ادت الحاجة الى ظهور ادب الرحلات السياحية، و صار ادبا شعبيا خالصا في كتاب الف ليلة وليلة. ولكن ادب الشعوب بقى راقدا في التراب.

واولئك الذين يطلبون منا ان نكبر من شأن المتنبي ينسون اننا لا نخاطب الملوك والاثرياء ولا ننشد تسليتهم وانما نخاطب الشعوب، وصحيح انه نشأ بيننا شعراء قصروا حياتهم واشعارهم على الملوك او الامراء ولكننا لا نكبر من شأنهم لهذا السبب بل نعيب عليهم مواقفهم لانهم لم يتكلموا بلسان الشعب ولم يدعو الى حكومات لتنحو نحو نظام اجتماعي عادل. ولم يخلقوا حولهم مناخ الحرية حيث يستطيع الناس ان يتحدثوا ويكتبوا عن حقوق الانسان، فكان ابو العلاء المعري بينهم استثناء.

ولست في هذا القول اعارض بأن يكون بيننا سلفيون وعصريون بحيث يلتزم الاولون باحسن ما عند القدماء ويأخذ آخرون بروح العصر الذي نعيش فيه.

وعندما تخمد الحياة او تهمد في الشعب، تهفو الى الماضي وتثير ذكرياته في اشتياق كما لو كان يشتاق الى الموت، لان في الماضي كثيرا من سمات الموت بل هو موت. وهذا الماضي يشيع في نفوس ابنائه عقائد بالية في حين ان المستقبل يطالب بالمنطق والعقل والتزام الحقائق والتطلع نحو التقدم.

ان الانغماس في دراسة الماضي اذا كان الدارس اديبا ينقل الينا اساليب التفكير والتعبير في الماضي وهو يعلم انه قليل الجدوى في تلبية متطلبات الحياة المعاصرة والوفاء بأستحقاقاتها الانسانية، كما هي الحال لدى الكثيرين من ادبائنا، فانهم لا يرون عيبا في تسلط الحكام المستبدين على مقدراتنا، وهم لا يكادون يحسون ان بلادنا الناهضة تعمل للأنتقال من ثقافة الشرق القديمة الى ثقافة الغرب العصرية. ثقافة الصناعة والعلم والديمقراطية.

من هو الاديب الرفيع الذي يجب ان يكتب للشعب حتى يرتفع من اهتماماته الشخصية الصغيرة الى هموم انسانية عليا تزيد قلبه عاطفة وعقله احساسا ونفسه انسانية، فيعرف معاني الشرف والمروءة والخير والارتقاء والتطور ويقف عندئذ على مستوى التاريخ.

الادب الرفيع هو التنقيب عن معنى الحياة ودلالتها وهو البحث عن طبيعة الكون. وهو اقناع الانسان بان يكون انسانيا وهو ابتكار القيم الجديدة لتأخذ مكان القيم القديمة وتزيد الدنيا والبشر جمالا وسعادة، اجل، وطعاما للجائعين.

وقبل كل شئ وبعد كل شئ يجب ألا ننسى ان الادب الرفيع حتى الموسيقى والرقص يهدف الى الاخلاق العليا، أما اذا احسسنا الخيبة والانحطاط فإن الاغنية اواللحن الجميل او الرقص لن يعد احدها من الفنون، كما يجب ألا ننسى ايضا ان الاخلاق العليا هي التي يستنبطها الاديب او الفنان بذكاءه ومعارفه واختباراته وديانته البشرية، يدعو المجتمع الى اعتناقها والتخلق بها، فنهضة الاديب لا تعني شيئا آخر سوى نهضة الحياة اي نهضة الانسان والمجتمع ينهض بالثورة وينهض بالعلم وينهض بالصناعة وينهض بالثقافة وينهض بالحرية وينهض بالأنسانية.

بل ان الاديب الحق الامين قد اصبح في نظر قرائه كاهنا او اماما يرى الضمائر ويوجه الاخلاق كما يطرب النفوس ويمتع العقل والاحساس، اننا نطالب الاديب اليوم بما كنا نطالب به رجل الدين في القرون الماضية، نطالبه بان يكون هو نفسه الصورة الاولى لأدبه وفنه، فنسأل عن اهتماماته وهمومه ونتجسس بعد ان يموت على حياته وهل كان صادقا يكتب ما يحياه ؟ ام كذبا يجري على المثل السخيف ( احسن الشعر اكذبه )

بل اننا بما تعلمناه من المعارف السيكولوجية ان الكاتب حينما يكتب فان اسلوب افكاره يكون رفيعا وانه اذا كان يحب الشعب فانه يكتب له في بلاغة شعبية يتعب ويعرق في صقلها وتجميلها وانه لذلك يكتب في حب وحنان لا يعرف السباب او البذاء، والاديب الحق هو الذي يجمع بين العمق واليسر فيكتب للشعب مثل تولستوي دون ان يبتذل الادب، ويحيله الى ادب غوغاء ورعاع، ومع ذلك فاني ارى بان الادب العامي اذا كتب بأخلاص فانه يرتفع على الاديب الفصيح البليغ اذا كتب للملوك والامراء.

* مقتبس من كتاب ادب الشعب للموسوعي سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here