وَقْت الشِّدَّة . . . !

د .نيرمين ماجد البورنو

لقد قيل وقت الشدة فقط تعرف من هم أحبابك ومن هم أسوأ اختياراتك, بتنا مبتلين بنوع من البشر يتحدثون بثقة عن الأخلاق والطيبة والمبادئ ويمارسون النفاق والتلون والتثعلب بمنتهي الإبداع, يتقنون ممارسة الاخلاص حسب احتياجاتهم له, يلعبون بقلوب البشر وكأن القلوب لعبة شطرنج للتأرجح, والغريب بالأمر يطلبون من الله أن يريح قلوبهم وأرواحهم تحت ستار التقوي والخشوع, يخافون من عقدة الخوف, خوف من الحسد والعين والمرض والكبر والناس يعانون خوف من كل شيء الا من الله, يتقمصون دور الواعظ وهم بعيدون كل البعد عن الإيمان, يتلونون مثل الحرباء عندما تنتقل من غصن شجرة الى أخر, ويتشكلون حسب الأماكن والأشخاص والمصالح والمواقف, فلا تكن ساذجا وتصدق أن الأيام تغير نفوسهم بل الأيام تكشفهم على حقيقتهم وتكشف قبح ألسنتهم ودناءه أخلاقهم, لأن الشدائد تظهر معادن الناس, فالابتعاد عنهم غنيمة والتخلي عنهم واجب لكي تعيش بسلام وأمان , ولأن الوفاء غال جدا فلا تتوقعه من رخيص, وكن حذرا عندما تهب ثقتك لأحدهم فليست كل الأيادي متوضئة وليست كل القلوب تنبض بالطهارة, ولا تؤمن لفاضح سر، وناكر للجميل ، وكاسر للخواطر.
هناك حكمة شهيرة” متصنع الود تفضحه الشدائد، ومتصنع الأخلاق تفضحه الخصومة ، ومتصنع الحب تفضحه المصالح”, الكلمات قد تخفي خلفها معان كثيرة, لكن المواقف والتصرفات تنطق دائما بالحقيقة, فشكرا للمواقف التي تكشف حقائق البشر وشخصياتهم المريضة نفسيا والتي باتت تحيط بنا ويظهر عليها أعراض سيكوباتية واضحة وملامح وتقاسيم غاضبة منفرة, شخصيات تكره الخير سليطة اللسان جل تفكيرها الضرر والتدمير وأذية الناس وحبك قصص من وحي خيالهم المريض واستغلال الفرص ببشاعة لإشباع رغباتهم العدوانية الشريرة بكل وقاحة وبشاعة, تلك الشخصيات المتلونة المصطنعة مهما تصبغت بالوان الطيف ستنكشف يوما, فكن حقيقيا بمقامك بأسلوبك بأخلاقك بأيمانك بتقواك بقيمك بروحك بشخصيتك بعفويتك وأرض بما وهبك الله اياه من عطايا, وكن انسانا في فعلك وقولك غير متكلف ومتصنع, وكن عزيز النفس ابي النفس كالجبال والأشجار.
الشدائد تفضح الود المصطنع وتبرز المعادن الأصيلة ولذلك يقال “إن المنتصر أصدقاؤه كثيرون ,أما المهزوم فأصدقاؤه حقيقيون”, لا يسلم الإنسان من قوارع الزمن ونوازلها التي تتخبط به وتتكالب الخطوب التي قد تعوزه الحيلة للجوء الى طلب المساعدة والسند وقت الحاجة لكنه للأسف ينصدم بمواقفهم الغير مشرفة, فتجدهم وقت السراء ملفوفين حوله متكالبين على خيره وعزه وبركة أمواله يلبسون أقنعة المحبة والأخوة والصداقة والقرابة يمثلون ببراعة على المسرح ولكنهم أبعد عنها, وأما في وقت الضراء تجدهم مثل السلحفاة تهرب لتتقوقع وتتراجع للخلف ببطء وتظهر عليهم ملامح الحقد والكره والبعض والحقد والحسد, فمن رام معرفة صدق وصفاء الوجوه من حوله فليتأمل في المواقف حينها سيرى حقيقة البشر, فمنهم من يقف بجوارك ومنهم من يتخلى عنك, ومنهم من يقف متفرج و مشاهد وممثل ينتظر سقوطك ومرضك ويأسك وربما موتك, أي حزن وأسي خيم على قلب الشاعر حين قال :”لا أقرأُ الشِّعرَ؛ خوفًا أن تُصادفنِي!”, الحزن والأزمات والمواقف والشدائد التي تعصف بنا في الحياة هي التي تظهر لنا مكنونات ومعادن ونفوس ووجوه وأقنعة جميع البشر, لذلك لا تخبر أحدا عن يدك التي توجعك فقد يأتي زمان ويلويها, ولا تخبر أحد سر دمعتك فيعرف كيف يبكيك ويقهرك, ولا تخبر أحد عن محرابك الذي يريح بالك لأنه سيهدمه ويؤلمك ويكسرك, ولا تخش خسارة أحد من حولك بل أخشي خسارة نفسك وأنت تحاول اسعاد الجميع من حولك, ولا تكن الهين اللين الذي يلعب به الزمان وتدفع ضريبة صمتك وجبنك.
لولا رياح الشدائد العاتية لما تكشفت الوجوه والأقنعة المزيفة من حولنا والكذب المتخفي بعبارات منمقة ككلمات الغزل و المجاملة ,ولبقي المنافق والمتلون والمخادع والنزية والشريف صادقا بأعيننا, فالشدائد إذن خير غربال, تكشف الخائن، وتفضح المتودد المتمرس خلف كواليس المصالح ودهاليز الأطماع، وتعرِّفك الصديق, و تسدل الستار عن المكنون, وتزيح الغموض, وتكشف المكائد, فلذلك أشكر المواقف والأزمات والمصائب والشدائد التي عرت الناس من حولك, وكن أنت السند لنفسك وأعلم أنك جميل بقلبك بروحك بسلامك الذهني والنفسي, جميل بطيبتك بعفويتك بتلقائيتك فحافظ على نفسك ومصداقيتك وروحك, وأبعد عن أساليب التصنع والتكلف والرياء والزيف وتقرب من الناس الذين تشعر معهم بالآونس والونس الذين تألفهم نفسك وروحك ويرتاح لهم فكرك وقلبك, الذين يتصرفون على سجيتهم بكل براءة وتواضع وبساطة, وأعطف وأشفق على الناس المتلونة متصنعة الود وذو الوجهين وضعاف النفوس والتي غمر قلوبهم الغل لأنهم لن ينعموا ولن يشعروا بالراحة والسكينة التي غمرت قلبك, وأدعو لهم بالشفاء لأن العداوة والحقد تأصل في قلوبهم وأعمى أعينهم وأشعل صدورهم بنيران الحسد تجاه من يكيدون له ويعادوه وتحجرت قلوبهم, فهون على قلبك ولا تحزن لان الله لن يضيع أجر صبرك وجهدك ومقاومتك وأفخر بصمودك واعتن بقلبك وروحك جيدا لأنها تظهر على تقاسيم وجهك ولا تقلل من قدراتك, فاللهم أكفنا شر القلوب المليئة بالغل وأكفنا شر النفوس الخبيثة المريضة واحفظنا من مكرهم, أنت عظيم فلا تغفل عن مميزاتك لان السكينة موطنك.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here