سر شخصيتنا يكمن في لغتنا العربية !

سر شخصيتنا يكمن في لغتنا العربية ! * د. رضا العطار

ان اختراع اللغة – فيما يقول فلاسفة الحضارة – لهو اول الأعمال الكبرى في تاريخ البشرية – – – صحيح ان هذا الاختراع لم يكن عملا صاخبا ترتبت عليه اصداء هائلة، كمثل الذي حدث عندما اهتدى الانسان الى اكتشاف (النار) والسيطرة عليها، ولكنه كان مع ذلك حدثا حاسما في تاريخ الحضارة البشرية.

ولا غرو، فإن اللغة اقدم (تكنية) عرفتها البشرية ان لم تكن اكثرها اصالة واعرقها اصلا. وقد استطاع الانسان – عن طريق التكنية اللغوية – ان يضع لنفسه (نظاما اقتصاديا) يعينه على تداول الاشياء وتناول الموضوعات. وكثيرا ما يكون (القول) انجح وافعل – في مضمار امتلاك زمام الواقع – من كل (آلة) او (سلاح) وآية ذلك ان اللغة بناء Structure او هو على الاصح أداة من ادوات تقويم العالم الطبيعي، وكأن من شان الواقع المجهول ان يستحيل – من خلاله – الى (حقيقة بشرية عليا ٍSurrealite humaine فالعالم الطبيعي الذي لا يعرف (القيم) يستحيل الى عالم حضاري قوامه العلم والتكنولوجيا من خلال ذلك النظام اللغوي الذي يفرضه الفكر البشري على الاشياء والموجودات.

وقد استطاع الشاعر الاغريقي اورفيوس، اقدم شعراء البشرية قاطبة ان يسيطر على الحيوانات والنباتات بفعل تعاويذه السحرية حتى لقد قيل ان الاحجار نفسها كانت تسمع صوته وتلبي ندائه ! وهذه الاسطورة ان دلت على شئ فانما تدل على ان لغة الانسان لها سحرها وقوتها. وكأن من شان اللغة البشرية ان تجيء فتفرض سطوتها على الكون باسره.

ولو اننا عدنا الى تاريخ بعض الشعوب البدائية لوجدنا انها كانت تحاول عن طريق (السحر) السيطرة على الاشياء والتحكم على قوى الطبيعة. وكثيرا ما كان (السحر) عبارة عن مجموعة من (الكلمات) او (الاسماء) التي كان ينطق بها الكاهن او الساحر، فيتوهم انه استطاع بذلك ان يمتلك (الموضوعات) او (الاشياء).

فالطفل العربي الذي يمر بنفس المراحل التي مرت بها طفولته البشرية، فليس بدعا ان يكون لسحر اللغة دور كبير في النمو العقلي لديه. وقد لاحظ العلامة الكبير بياجيه ان الطفل يمر بمرحلة ( واقعية اسمية Realisme Nominal يخلع فيها على الاداة اللغوية وهذه لها قيمة عظمى) ومن هنا فاننا نراه يتوهم ان معرفته باللفظ تعينه على التأثير في الشئ والسيطرة عليه ! واذا كنا نلمح لدى الطفل اهتماما بالغا بالوقوف على اسماء الاشياء حتى انه لا يكاد يكف عن مواجهة والديه او مربيه بهذا السؤال (ما اسم هذا ؟ ) وما (اسم ذاك ؟ ) – – – وما ذلك الا لانه يتوهم ان في مجرد معرفته لاسماء الاشياء امتلاكا حقيقيا لتلك الاشياء. واذن فليس من الغرابة في شئ ان تكون العلاقة وثيقة بين (اللغة) و (الوجود) او بين (اللوغوس) و (الواقع) حتى لقد حاول بعض الفلاسفة المحدثين ان يستخلصوا (مقولات الفكر) من صميم (نسيج الوجود) وكأن لغة الانسان هي لسان حال الترجمان الناطق باسم الحقيقة المطلقة.

* مقتبس من كتاب فلسفة مشكلة الحياة لمؤلفه د. زكريا ابراهيم، جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here