العراق وأزمة المناخ “نقطة زرقاء باهتة”

جاسم الحلفي

يصعب تفهم الاحراجات التي تواجه الفاعلين الاجتماعيين العراقيين، الذين ينشطون في مساحات أوسع من الحدود الوطنية، في اطر اممية كالمنتدى الاجتماعي العالمي وحركات مناهضة الجشع الوحشي للنظام الامبريالي العالم، وفي ظل هيمنة تمركز المال والسلطة على المستوى العالمي، وما يترك من اثار وخيمة على حياة الانسان والطبيعة.
احراجات كبيرة تواجه الناشطين العراقيين الذي لهم نظرة خاصة الى الصراع في العالم، حينما تضعف اسهاماتهم على المستوى الخارجي في تعضيد نشاط زملائهم من مختلف بلدان العالم في مواجهة التصحر والجوع والحروب والامراض وفقدان العدالة، وفي توزيع لقاحات كورونا، والهوة التي تتسع باضطراد بين بلدان الجنوب من جهة وبلدان الشمال من جهة أخرى، وتمركز الرأسمال المالي العالمي بيد حفنة من المرابين العالميين، الذين يدفعون العولمة الى التوحش، بدلا من ان تكون منتجا ثقافيا ومعرفيا وعلميا انسانيا.
لا شك في ان هذه القضايا وغيرها التي يواجهها الفاعلون الاجتماعيون من اغلب بلدان العالم، هي قضايا مصيرية تهم البشرية جمعاء، ويتطلب تحشيد الجهود والامكانيات لمعالجتها والكفاح من اجل العدالة والسلام وإتاحة العلم والمعرفة والصحة للجميع.
ويكاد ان يكون امر الكفاح على هذه المستويات بالنسبة للنشطاء في العالم طبيعيا الا في العراق المبتلي بمصائب وازمات تجعل الناشط الذي يتحدث عن القضايا الكونية وكأنه خارج الزمن، او انه (بطران). فقضايا الفساد، وازمة قبول نتائج الانتخابات، وصراع المتنفذين حول طبيعة تشكيل الحكومة، وشكل المعارضة الرسمية وطبيعتها، والمعارضة البرلمانية المتوقعة وعلاقتها بالمعارضة الشعبية، والتوتر في محافظة ديالى وتهديد الامن المجتمعي، هذه القضايا هي التي تفرض نفسها كأولويات في العراق، وكأن لا مكان في جدول الكفاح لازمة المناخ والتغير المناخي التي تشغل العالم اليوم.
هناك من يعتبر ان القضايا الكونية والقضايا الوطنية منفصلتان لا جامع بينهما! وهذا خطأ شائع، وقبل أيام أصدر برنامج الاغذية العالمي التابع للأمم المتحدة تقريرا، صنف العراق فيه واحدا من سبع دول في العالم هي الأشد جوعا. وقد نشر التقرير بهذا الشأن على موقعه الإلكتروني يوم 29 الشهر الماضي، وقال فيه ان 35 بالمائة من سكان الدول السبع المذكورة، التي بينها ايضا الصومال ومدغشقر والكونغو وكوريا الشمالية، يعانون من الجوع الشديد.
ولم تفلح ردود الحكومة العراقية في تغيير شيء من التقرير، حيث ان بيانات وزارة التخطيط تعترف بان “نسبة الفقر ارتفعت عام 2020 الى 31 بالمائة، ويدخل في إطار ذلك ما يعرف بالفقر متعدد الأبعاد، الذي يشمل الصحة، والتعليم، والسكن، والدخل”.
يخطئ من يتصور أننا نعيش في جزيرة منعزلة عن العالم، بل ان التدخل الخارجي في اوضاعنا الداخلية، سياسيا واقتصاديا، أصبح كارثيا، وإذ تستحيل علينا الإحاطة بكل جوانب ذلك، نكتفي بالإشارة الى دور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الضغط لخفض قيمة الدينار العراقي امام الدولار، وبشروط قاسية زادت من أعباء الطبقات الفقيرة والهامشية وأصحاب الدخل المحدود، وكانت سببا في ارتفاع معدلات الفقر في العراق. كما تجدر الإشارة الى اعتداءات تركيا وإيران على حصتنا المائية، وسياساتهما المائية العدوانية بتجفيف الأنهر الرافدة لنهر دجلة، هذه السياسات التي تطال عواقبها مساحات أوسع من العراق، في ما يعده الناشطون الامميون عاملا إضافيا يفاقم أزمة المناخ على مستوى العالم. وهذا مشهد آخر يوضح ارتباط الازمة الداخلية مع الازمة على المستوى العالمي. لذا فنحن جزء من الشعوب التي لا بد من وقفتها في وجه كل متسبب بأزمة المناخ، فكوكب الأرض هو بيتنا، وهو يصرخ اليوم طالباً العون.
من يقرأ كتاب” نقطة زرقاء باهتة” لعالم الفلك الدكتور كارل ساجان، يشعر كم ان امنا الأرض موجوعة من امراض التصحر والفقر وأزمة المناخ. يشعر كم هي ضئيلة، ويلونها لون ازرق باهت. ويرى كم هي صغيرة هذه الارض التي يتناهشها الجشع، بحيث لا تكاد الا بصعوبة بالغة ان تجد لنفسها مساحة في الفضاء اللانهائي.
يقول ساجان في كتابه (من تلك البقعة البعيدة لا تبدو لكوكب الأرض أية أهمية خاصة، ولكن بالنسبة لنا يختلف الأمر. انظر مرة أخرى إلى هذه النقطة، إنه هناك: الوطن، ها نحن عليه، حيث يوجد كل من تحبه، كل من تعرفه، كل من سمعت عنه، كل إنسان كان موجوداً في أي وقت، هي جملة أفراحنا ومعاناتنا).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الخميس 4/ 11/ 2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here