حياة العشق عند الشاعر الانكليزي الاكبر بيرون !

حياة العشق عند الشاعر الانكليزي الاكبر بيرون ! (*) د. رضا العطار

كان بيرون من اكبر شعراء انكلترى. كان ينظم الشعر عن سليقة عجيبة، تؤاتيه في التعبير والخيال عن جميع ما تناوله من الموضوعات. وكانت حياته ايضا اشبه شيء بقصيدة حافلة بمجازفات الحب والحرية. فقد كان وهو بعد صبي يشعر بدوافع الغريزة الجنسية قبل ان يتم نموها فيه. فكان وهو في الثامنة من عمره متعلقا بصبية تدعى ماري دف اشد تعلق. ولما بلغ العاشرة احب ابنة عمه. وعندما بلغ الخامسة عشرة احب فتاة حبا اعمى. يقفو اثرها اينما ذهبت لا يسمع لنصيحة ولا يرعوي الى كلام ذوي قرباه.

ولد بيرون في اواخر القرن الثامن عشر من اصل نبيل، هوى الشعر واحترفه وما بلغ الرابعة والعشرين ونشر على الجمهور علياءته المشهورة )تشايلد هارولد ) ربح جائزته الكبرى و صار شاعر انكلترى الأول. ولم يكن له من شغل شاغل سواه، مارسه الى نهاية عمره. فكانت النساء يشغفن به لأول مرة يشاهدنه. وكن يتصدين ويستهدفن له حتى ينلن منه كلمة مديح او اشارة حب. وعندما زار احد ادباء الألمان انكلترى قال عنه:

ان النساء يحاصرن شاعرهم بيرون اينما ذهب لأفتتانهن به.

وكانت لذلك حوادث حب عديدة، كان هو فيها المطلوب لا الطالب. وعندما رأته السيدة كارولين زوجة رئيس الوزراء البريطاني اول مرة، صاحت قائلة: ( هذا الوجه الشاحب هو ما قدرته لي المقادير ) فهامت به اشد هيام، وكانت تلح عليه في حبها حتى سئمها وصار يتهرب منها. فالتجأت الى اساليب غريبة كي تنال منه مبتغاها، كان منها ان دخلت عليه مرة متنكرة في هيئة غلام. وبعد طول استأناس، تركته و قالت عنه:

( كله سوء، وكله جنون، وكله خطر )

واخيرا عقد زواجه على آنسة انجليزية، ولم يكن الدافع الى هذا الزواج حبا صادقا وانما اعتزم ان ينتهي من نزعات الهوى والحب المحرم ويدخل في حظيرة المتزوجين الهادئين، لكنه لم يحسن الفراسة في هوى نفسه. فقد كان يجيب على اسئلة الكاهن وقت الاكليل في الكنيسة اجابات غريبة، وتفلت من لسانه عبارات اعتبرها الناس نذير شؤم للحياة الزوجية، تنم على عدم تطابق ما في عقله الباطن مع ما في عقله الواعي من اغراض ورغبات.

وافترق الزوجان بعد ولادة اول طفلة فراق الابد. واخذ الناس بالتشهير ببيرون لسوء معاملته زوجته، حتى هجر انكلترا الى القارة الاوربية، حيث قضى فيها معظم حياته.

وقد كان بيرون في سبيل تحقيق شهواته لا يعير الاخلاق السائدة قيمة، ومما يعزى اليه انه عشق اخته. وقد يظن البعض ان ذلك محض اشاعة، لكن بعد موته والاطلاع على رسائله اثبتت التهمة عليه لا وجه لنقضها. وفي اشعاره ما يوهم القارئ انه يسوغ هذا الصنف الشاذ من العشق. كانت اخته مديدة القامة كأنها علم ووجهها منير كالمصباح وذكاء يلتقي بذكائه، مما جعل الاخوان يأنس احدهما بالاخر. لا بل اشتعل العشق بينهما وانجبا بطفل، ويقال ان هذه العلاقة الغريبة المحرمة هي السبب لفراق زوجته التي بقيت سنين وهي تكتم في نفسها حب هذين الاخوين.

وفي عام 1815 كان بيرون في مدينة البندقية فالتقى بسيدة متزوجة تدعى تيريزا، كان زوجها في الستين. وكانت بشرتها شديد البياض وشعرها اصفرا ذهبيا. وسرعان ما تعرفت على الشاعر وجالسته حتى رأت نفسها قد وقعت في عشقه ولم تعد تقدر على فراقه. فقد كانت في البداية تمزح بالعشق اما الان فقد بدأت تشعر انها غدت اسيرة هذا العشق، فقد استرقها حب بيرون. فإذا نظرت اليه وتملّت من طلعته، احست كأن جسمها يتوهج بالرغبة اليه. وكان بيرون في ذلك الوقت قد جاوز الثلاثين وكان قد اعتاد الخمر والترف فظهرت عليه اعراض السمن والترهل وبدت عليه دلائل الفتور والخمول وذهبت عن وجهه مسحة العبقرية التي كان يفخر بها.

وفرت تيريزا من زوجها وعاشت مع بيرون في بيت واحد ولم يفترقا بعد ذلك الا عندما اراد بيرون ان يشترك في حرب تحرير اليونان المسيحية من الاتراك المسلمين.

وكان زوجها يحاول طوال الوقت ان يقتل بيرون. فكان مستأجرا بعض الاوغاد لهذا الغرض. فكان بيرون لا يسير الا وهو مدجج بالسلاح.

واستفاد بيرون من عشرة تيريزا التي قطعته عن ادمان الخمر واصلحت عاداته التي كان قد افسده الترف. ولم يكن بيرون يحبها في البداية ولكنه عندما راى اخلاصها في حبها له وتعلقها به. تفتح لها قلبه وعشقها ابد الدهر.

لقد كانت تيريزا تؤثر عشيقها على نفسها، تحثه على اتباع النظم وتعمل لأذاعة شهرته وتتفانى في خدمته وتطيعه ولا تعصيه وتمنعه من متابعة عاداته في الانغماس والاستهتار وربما كانت هي الوحيدة بين النساء التي عشقت الشاعر ولم تهدف من وراء عشقها مجرد اللذة والتمتع انما كانت تنظر في كل ما يتعلق بمصلحته دون مصلحتها.

وقد قال احد المؤرخين عن هذه العلاقة ( انها قد اصلحته ورفعته وانتشلته من الهاوية ووضعت على راسه تاج الطهارة، ثم لم تعمد الى احتكاره لشخصها وانما سخت وجادت به للأنسانية )

وعاشت بعده 27 سنة ونشرت عنه كتابا، ضمنته ذكرياتها عن حياة العشق التي قضتها معه في ايطاليا وبلغ من ولائها له، ان زارت بيت بيرون في انكلترا وهي عجوز هرمة واذرفت الدموع، شوقا لذكراه.

* مقتبس من كتاب الحب في التاريخ للموسوعي سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here