الشعوب نتاج الحكومات

الشعوب نتاج الحكومات
علاء كرم الله

يلقي العراقيين باللوم على بعضهم البعض بأنهم السبب الرئيسي فيما وصل أليه العراق من حال لا يحسد عليه! ، لأنهم هم من جاءوا بالحكام وهم من أنتخبوهم وهتفوا وصفقوا لهم وهم من يرقصون ويلقون بالشعر أمامهم ، وهم من يجعلون من الحاكم آلهة وبالتالي يعبدونه! ، حتى نقل عن الرئيس الروسي (فلاديمير بونين) تعليقا عن الأوضاع السياسية والفوضى التي تسود العراق قائلا ((بأنهم يقصد العراقيين لا يستحقون المساعدة لأنهم هم من أنتخبوا هذه الطبقة السياسية التي يتظاهرون ضدها!)) 0 في حقيقة الأمر ومن وجهة نظري أرى عكس ذلك! فالشعب العراقي رغم سلبياته ووجود المنافقين والوصوليين والأنتهازيين فيه ومثل هذه النماذج نجدها في كل عصر وزمان وفي كل شعوب العالم وتحديدا الشعوب العربية والأسلامية! ، ومع كل هذا الوصف ألا انهم ليسوا السبب الرئيسي والكبير في خراب ودمار العراق!؟ ، فاللوم كل اللوم يقع على الحكومات التي توالت على حكم الشعب العراقي وتحديدا في تاريخه الحديث منذ تأسيس دولة العراق عام 1921 ولحد الآن! ، فسياسة الحكام هي من أوصلت العراق الى هذا السوء والخراب والدمار في كل شيء بما فيهم الأنسان الذي هو رأس المال الأثمن ! بسبب قصر نظرتهم وأنشغالهم بالصراعات السياسية والأنقلابات ، فبالوقت الذي لايمكننا ان ننكر فيه بأن كل الحكومات التي توالت على حكم العراق من ملكية الى جمهورية أستطاعت ان تبني وتشّيد العراق الحديث يكل مؤسساته المدنية والعسكرية والعلمية والثقافية والتربوية والصحية و و و ألخ ، فأنهم بالوقت نفسه فشلوا ومع الأسف في بناء الأنسان بناء صحيحا!؟ وتلك هي كارثتنا وعقدتنا المزمنة ، فحكام العراق على مر تاريخه الحديث رغم ما امتلكوا من حنكة سياسية وقيادية وحرص وما أبدوه من تفان في خدمة الوطن والشعب ، ألا أنهم لم ينجحوا بتربية الشعب وبنائه البناء الصحيح فعلى سبيل المثال (( بقدر ما نجحوا قادة وزعامات الحكم الملكي في البناء والأعمار وأرساء أسس الدولة الحديثة وفق النظم والقوانين ، وبقدر ما عرف عنهم بالحنكة السياسية والقيادية التي يشهد لها القاصي والداني ألا أنهم لم يستطيعوا بناء الأنسان العراقي وتعديل سلوكيته! وتشذيبه وتخليصه من روح العنف والقسوة والأنتقام التي يتصف بها! ، وما جبل عليه من أخلاقية الرضوخ للحاكم والتملق أليه والنفاق له! ، فصورة الفرهود عام 1948 والتي يطلق عليها ( فرهود اليهود) ، وما عمله العراقيين باليهود من قتل وتهجير وحرق وسرقة ممتلكاتهم وهم الذين كانوا يعيشون معهم بكل مودة وسلام ومحبة وتفان للوطن)) ، دليل على عدم بناء الأنسان العراقي بناء صالحا توعويا وفكريا وثقافيا وانسانيا ، وظلت أخلاقية العنف والفرهود هذه تسكن نفوس العراقيين يتوارثونها جيلا عن جيل حتى جاء فرهود دولة الكويت عام 1991! ، ثم فرهود الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 المخزي والمعيب!، ومن يدري لربما نحن بأنتظار فرهود آخر أكبر وأقوى وأقسى ممن عرفناه وسمعنا به!! ، حيث لا زالت روح الفرهود والأنتقام كامنة في نفوس الكثيرين! ولكنهم ينتظرون لحظة الأنفجار! التي قد تحدث وتقع بسبب الفوضى العارمة التي يعيشها العراق وسوء الأوضاع السياسية والأقتصادية ، وعمق التدخلات الخارجية بالشأن العراقي0 مثال آخر بسيط يدل على فشل كل من حكموا وقادوا العراق وبلا أستثناء في تربية العراقيين وبنائهم بناء صحيحا هو أننا وفي الألفية الثانية ( القرن الواحد والعشرين) لا نعرف ثقافة الوقوف ( بالسرة )! فلا زلنا نتدافع ونتزاحم عند مراجعتنا للدوائر والأسواق وفي كل مكان يحتاج شيئا من النظام والوقوف ( (بالسرة)!! 0 أن صورة ومشهد الوقوف ( بالسرة ) من قبل المواطنين لها دلالات كبيرة جدا قد لا يفهمها الكثيرين ولا يعيرون لها أهتماما وبالا! ، في حين أنها تعتبر في نظر العالم مقياس لرقي الشعوب والمجتمعات ولرقي الأنسان ووعيه وثقافته وبناء منظومته الأخلاقية والتربوية والفكرية والعكس صحيح طبعا! 0 أرى أن السبب الرئيسي في كل ذلك هو فشل حكام العراق قاطبة في أقامة العدل بين الناس!! ، وأذا قيل (بأن العدل أساس الملك) ، فأنا أقول بأن العدل أيضا هو (أساس بناء الأنسان بناء صحيحا!) فعندما يكون هناك عدل فلا يحتاج الأنسان الى (الواسطة والمحسوبية والرشى والنفاق و و و في تمشية أمور حياته وفي الحصول على الوظيفة أو على حقه في أي شيء) ، وهذا هو الفرق الجوهري بين الحاكم في الغرب وبين الحاكم في الشرق!؟ الأول يحرص على أقامة الحق والعدل حتى على نفسه والثاني يرى نفسه آلها يعبد!!! ، لا يأتيه الباطل والخطأ من يمين أو شمال وبالتالي أنعكست أخلاقية هذا التعامل على شعوبهم! والرعية بالراعي كما يقال فأن أقامة العدل وأحقاق الحق بين الناس هو الذي يقضي على كل الأمراض الأجتماعية ويبني المنظومة الأخلاقية للأنسان!!0 وقد جسد الشعب العراقي بعد الأحتلال الأمريكي البغيض للعراق وبشكل واضح ومع الأسف نتاج فشل الحكام الذين تولوا حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في كيفية تربية الشعب وبناءه ( وهذا ما فطن عليه الملك فيصل الأول رحمه الله منذ تولية الحكم للعراق عام 1921 وأشار أليه في وصيته التاريخية والمهمة لأبنه غازي ، حيث كان شديد الحرص على تربية وبناء العراقيين وتشذيبهم وتخليصهم من الكثير من عاداتهم التاريخية السيئة! ، ولكن ومع الأسف لم تمهله الظروف والأحداث فمات وهو يحمل تلك الأمنية في نفسه!) 0 فلم يكن زرع الحكام العراقيين زرعا طيبا ، فأستغل المحتل الأمريكي الخبيث بعد 2003 حصاد ذلك الزرع السيء ووضفه لصالحه وأحسن أستغلاله بما يخدم مصالحه وليزيد العراق خرابا ودمارا!!0 أعود لأؤكد بالقول بأن السبب الرئيسي في أعوجاج الشعوب! ، هم الحكام فهم من يخلقون الشعوب ويربونهم ويزرعون فيهم القيم الأنسانية والوطنية النبيلة وذلك من خلال منظور بسيط جدا ولكنه بالغ الأثر وهو(أعطاء الفرد كل حقوقه وضماناته التي يستحقها والأهم وكما ذكرنا آنفا هو أقامة العدل بين الناس ، لا سيما أن كل الرسالات السماوية أكدت على ضرورة أن يؤمن الحاكم لرعيته المأكل والملبس والمشرب والمسكن) ، وهذه مشكلة الحكام العرب عموما والعراقيين خصوصا مع شعوبهم! ، دائما هناك ظلم وحقوق ضائعة ومنسوبية ومحسوبية وميل للطائفية والقومية والعشائرية حتى عند أكبر مثقفيهم ومن يدعي الوطنية!!0 فيمكننا أن نشبه الحاكم بالمعلم والشعب بالتلاميذ فكلما كان المعلم مخلصا في أداء واجبه بكل حرص وتفان في تعليم ااتلاميذ وتنشئتهم النشأة الصالحة والطيبة كلما أنعكس ذلك على مجموع التلاميذ الذين ينظرون الى المعلم بأنه هو قدوتهم في كل شيء (والعكس صحيح كما هو واقعنا التعليمي الآن، ففساد التعليم أنعكس بشكل كبير على جموع التلاميذ والطلاب وبالتالي أدى الى تدمير أجيال كاملة !) ، وحتى لا نبخس الناس حقوقهم ، لا بد من الأشارة بأته هناك بعض الحكام عبر تاريخ العراق الحديث قد نجحوا وأرادوا أقامة العدل وأحقاق الحق بين الناس وفرض سلطة (القانون والقضاء والعدل) على الجميع ، لا فرق بين أبن حاكم وأي مواطن عادي بسيط ، ولمسنا بعضا من ذلك في العهد الملكي وبعض العهود الجمهورية ، ولكن تغير الحكام والأنظمة قد أفشل مثل تلك الخطوات البناءة لبناء الأنسان 0 لذا ما نراه اليوم من سلوكيات وتصرفات غريبة في المجتمع هي في الحقيقة نتاج طبيعي لما زرعه حكام الأمس واليوم وتحديدا حكام ما بعد الأحتلال الأمريكي للعراق ولا دخل للشعب فيه أبدا فالشعوب هم نتاج حكامهم وحكوماتهم!! 0 وأخيرا نقول ، لا أدري كم سنحتاج من الوقت والأجيال لكي نعيد بناء وترميم البنية الأخلاقية والتربوية والأجتماعية والدينية والمذهبية والقومية للمجتمع العراقي التي دمرها الأحتلال الأمريكي والتدخل الأقليمي بالعراق والتي وصلت الى نهايات وأوضاع خطيرة جدا! ، والمرهونة بتغير الظروف السياسية الدولية والأقليمية ومجيء الحاكم الوطني الشريف والغيور على العراق وشعبه 0 ولا يغير الله ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم وبحكامهم أولا!0

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here