أين الخلل

كامل سلمان

السيئون قليلون لكنهم عدوانيون وشرورهم كثيرة والطيبون كثيرون ولكن ليست لهم فعالية في نشاطات المجتمع وليست لهم مواقف امام الأشرار فإذا شاءت الأقدار أن تخلى السيئون عن سيئاتهم وتابوا عن كل ذنب ، زحفت مجاميع من الطيبين لتسد الفراغ الذي تركه السيئون ويصبحوا فيما بعد أسوأ من السيئين السابقين وكأن حياتنا لا تكتمل الا بوجود هذا الصنف من البشر .
أين الخلل ، يفرحون أو يحزنون وبالحالتين هم يؤذون الآخرين بقطع الطرقات ومكبرات الصوت واستعراض للقوة والعشيرة دون الاكتراث لمعانات الناس وآلامهم .
أين الخلل ، يتصدقون بالذبائح لوجه الله ، ويدعون اليها الأغنياء والوجهاء ، وأما المساكين والفقراء فينتظرون طوابير لعلهم ينالون ما تتركه لهم السباع الجائعة .
أين الخلل ، يستنفرون أفراد القبيلة مستصحبين معهم انواع الأسلحة المتوسطة والخفيفة لإعلان الهجوم أثر نزاع طفلين في المدرسة . أين الخلل ، يرى السارق يسرق ، لا يتدخل ، ويرى المعتدي يعتدي ، لا يتدخل ، ويرى الناس تتقاتل ولا يتدخل ، ولكنه إذا رأى إثنان يتحاوران يتدخل بسرعة ليبطل رأي أحدهما .
أين الخلل ، ينام ممتلىء البطن وفي الصباح يشتكي من الكوابيس .
هل كل هذه الأمور طبيعية في مجتمع يحمل في كفة ثانية الطيبة والأخلاق والتآخي ، لا بد ان يكون هناك خلل عصي عن الحل وهذا الخلل هو السر وراء التردي الحضاري الذي أصاب مفاصل الحياة برمتها في هذا المجتمع . كيف اختلطت كل هذه المرارة مع الطبائع الحسنة . ان القوانين العشائرية الموروثة قد تكون أحد الأسباب الرئيسية إضافة الى الجهل والفقر الذي يأتي بسبب الحكومات الجائرة ، سببان لا ينفصلان عن بعضهما البعض ، فأحدهما يأخذ دور المطرقة والأخر يأخذ دور السندان في الوقت الذي يمتلك إنسان هذا المجتمع كل مؤهلات النهوض الحضاري ، العشيرة تستفيد من القوانين الدينية لتعزز صلابتها مع حضور واضح لرجال الدين والحكومات تستفيد من التنوع العرقي وجذور الانتماء العقائدي المتناقض للمجتمع لفرض قوتها ، ويبقى المواطن المغلوب على امره هو الضحية في مسلسل يتكرر من جيل الى جيل دون ان تكون هناك قفزة للتغيير
. العلاجات الموضعية هي تعقيد للحالة وتثبيت لأصل العلة ، فالحالة تستوجب نهوض ثقافي جديد تأخذ على عاتقها وجوب التغيير الجذري وهذه مهمة عسيرة يقوم بها المجتمع نفسه لإنه هو المتضرر الأكثر وهو من يدفع الثمن وهذا التغيير يبدأ من تغيير المفاهيم والأفكار ويكون ذلك عندما يبدأ كل فرد بالتساؤل لماذا أنا الضحية وهذا التساؤل يجب ان تغذيه النخب الثقافية الواعية وهناك الف طريقة وطريقة يستطيع المثقف ايصال صوته الى الناس المتضررة خاصة ونحن نعيش عصر التواصل الاجتماعي عصر الأنترنيت الذي يمكن كل افراد المجتمع من التواصل مع الآخرين بوجود الانفتاح الاعلامي والثقافي . لا يوجد إنسان لا يريد لنفسه الخير ولكن أختيار الطريق الصحيح لولوج الخير هو المشكلة وهذا مالا يستطيع ابناء المجتمع معرفته وهنا يأتي دور النخب الخيرة الحريصة على مستقبل ابناءها وأبناء المجتمع لتقول كلمتها وتتخلى عن الاعتكاف . الكراهية المبطنة للآخر هي أحدى العقد التي يعاني منها المثقف وهذه العقدة لا بد التخلص منها قبل البدء بأي خطوة ولا بد ان يحل الحب محل الكراهية عندها ستكون الطرق معبدة لمن سعى الى زرع بذور التغيير . ولا ننسى هناك بعض المجتمعات قد تم تغييرها ولم تكن أحسن حالا من مجتمعنا ولكن بفضل من سعى الى تغييرها فقد تغيرت ، فلم يكن غاندي او نيلسون مانديلا او السيسي او غيرهم ملائكة منزلين من السماء ولكنهم كانوا أناس يتحسسون هموم الناس وآلامهم وسلكوا الطريق الصحيح وعرفوا كيف ومن أين يبدأوا فاستطاعوا من صناعة حياة كريمة لمجتمعاتهم وهاهي نتاجات جهودهم أصبحت دروس للتأريخ فهل نحن عاجزون . أم مازلنا نبحث عن عصا موسى او معجزة من السماء او اننا هكذا ورثناها وسنحافظ عليها لإننا تعودنا دائما ان يكون البديل أسوأ .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here