الطغيان في القرآن الكريم

ان المؤمن لا يكتمل ايمانه الا ان يكفر بالطاغوت وقد قدمه الله تعالى قبل الايمان به “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (البقرة 256). والله لا يهلك الاقوام الظالمة الا بعد ان يرسل اليهم الانبياء والمصلحين والاولياء “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” (هود 117).

وعلى المؤمن ان لا يطيع الطاغية والا سيتحول الى فاسق “فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ” (الزخرف 54). وبالعكس ان تقوى و مخافة الله فان البركات تنزل على الاقوام المؤمنة “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ” (الاعراف 96). بينما ال فرعون نزلت عليهم النقمة “وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ” (الاعراف 130).

وعاد قوم طغوا وبغوا وكذبوا رسلهم “وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ” (الاعراف 65) وقالوا “مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً” (فصلت 15) وكان الرد الموجع “فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ” (فصلت 16).

وثمود “وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا” (هود 61) قوم طغوا “كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا” (الشمس 11) ولكن الله تعالى هلكهم “فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ” (الحاقة 5) بعد ان كانوا خلفاء لهم قصور “وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا” (الاعراف 74). ومدين “وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا” (هود 84) طغوا والنتيجة “فاخذتهم الرجفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ” (هود 94).

كان فرعون متجبرا وطاغيا هو وجنوده كما قال الله تعالى “وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ” (القصص 39)) فما كانت نتيجة هؤلاء الطغاة الظلمة “فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ” (الذاريات 40). وانتقل الحكم الى المظلومين من قوم موسى عليه السلام “كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ” (الشعراء 59). والله تعالى لا يظلم احدا فهذه زوجة فرعون الصالحة نجت من غضب الله على قوم فرعون “وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” (التحريم 11).

ويتميز الطاغية بالاسراف “وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ” (يونس 83). ويتصور الطاغية ان حياة الدنيا باقية لا تزول “َاوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ” (ابراهيم 44). ومن افعال الطغاة القتل واستباحة الاعراض والفوقية على الاخرين “قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ” (الاعراف 127).

وعلى المصلح مثل موسى عليه السلام الاستعانة بالله والصبر “قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” (الاعراف 128). وقد يوجد مصلح والقوم ظلمة وطغاة كما في حالة موسى عليه السلام مع قومه بعد ان نجوا من ظلم فرعون “وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ” (الاعراف 141). هؤلاء القوم طغوا على موسى عليه السلام فقد رفضوا دخول الارض المقدسة “فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ” (المائدة 24) ونتيجة ذلك الله تعالى عاقب قوم موسى عليه السلام “فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ” (الاعراف 133).

ان اهلاك الاشخاص الطغاة والامم الظالمة سنة الله الجارية “وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا” (الاحزاب 62) و “وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا” (فاطر 43) و “لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ” (ال عمران 196-197) و “وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ” (الانعام 147). ولن يستفيد الظالم من دعواه يوم القيامة “قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ” (الانبياء 14-15). واهلاك الطغاة هي عبرة وبصيرة للاخرين “قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ” (الانعام 104). والطاغية عندما يحيطه الموت يطلب النجاة من الله ولكن هيهات “قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ” (يونس 90). والمؤمن المحتسب عليه ان يصبر على ظلم الطغاة عند مجابهته لهم “فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا” (مريم 84). والله تعالى يقصم ظهر الظالم وقومه “وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ” (الانبياء 11).

الدكتور فاضل حسن شريف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here