العراق قبل الاسلام في القرآن الكريم (الحلقة الثانية)

الدكتور فاضل حسن شريف
العراق قبل الاسلام في القرآن الكريم (الحلقة الثانية)
تعتبر الحضارة البابلية من اشهر الحضارات في البلاد واسم كربالا لها علاقة وثيقة مع بابل فكانت هذه الارض مقدسة عندهم وسميت ارض الآلهة اي حاجة ايلة واحتفظت بالاسم حتى وصول العرب وسميت بابل وتعني قرى بابل. و والدليل أن كربلاء من قرى بابل ان التنقيبات الأثرية عثرت على آثار لأبنية ومنحوتات وكنوز تعود إلى زمن بابل. وبهذا يرجع تاريخ كربلاء إلى عهد اشور و بابل ومن بعدهم التنوخيين واللخميين أمراء المناذرة وسكان الحيرة. بالنسبة لأولئك الذين يتابعون تاريخ كربالا ، نرى أن كربالا هي مدينة احتفظت باسمها منذ العصور القديمة. ومن هنا يعتبر اسم كربلاء اسم غير عربي ، ولكنه اسم يأتي من الشعوب السابقة التي سكنت ارض كربلاء وهو الاكثر رجاحة. وازدهرت في العهد الكلداني، وسكنها قوم من النصارى والدهاقين، وسميت بـ كور بابل ومعناه معبد الإله، وعلى أرضها أقيم معبد تقام فيه الصلاة، ومن حولها معابد أخرى، وقد عثر في القرى المجاورة لها على جثث للموتى داخل أوان خزفية يعود تاريخها إلى ما قبل عهد السيد المسيح عليه السلام. اختلف اللّغويون والمؤرّخون والجغرافيون في أصل كلمة كربلاء وفي اشتقاقها وفي معناها، فذهب بعضهم إلى أنّها: مشتقة من الكربلة. لفظ كربلاء محرّف من البابلية وهي مجموعة قرى بابلية. وبعضهم يزعم أنّها لفظة آرامية، جاءت من كرب إيلو وقد كانت معبداً، والاسم مركب من كلمتي كرب بمعنى معبد أو مصلى أو حرم وإيلو بمعنى إله باللغة الآرامية، فيكون معناها حرم الله أو مقدس الإله. ومن الاسماء الاكثر قربا من التأريخ القديم التي قيلت عن كربلاء نذكر أنها سميت بشط الفرات والغادرية والحائر والطف ومارية ومشهد الحسين عليه السلام.

جاء في رواية السيد سامي البدري كربلاء في التراث اللغوي الشرقي القديم: هناك ثلاثة احتمالات للأصل الذي تكونت منه لفظة (كربلاء) كتسمية للمنطقة قبل العهد الإسلامي: الاحتمال الأول: أنها متألفة من (كرب – ايل): اما لفظة (كرْب) فهي لهجة ثانية للفظة (قُرْب) العربية، وهي في اللغات العبرية والسريانية بالقاف مثل العربية، أما في الأكدية والبابلية فهي بالكاف. وفي ضوء ذلك: فان (كربلاء) تعني: التقرب للرب. ومدينة كربلاء تعني أيضاً: (مدينة التقرب للرب)، أو (مدينة حرم الرب). وهذا المعني ينسجم كل الانسجام مع الرواية عن الامام الصادق عليه‏السلام اذ يقول: ان اللّه‏ تعالي اتخذ بفضل قبر الحسين عليه‏السلام الي كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل ان يتخذ مكة حرماً. الاحتمال الثاني: هو ان تكون مؤلفة من كار ـ بلات، أما لفظة (كار فهي علامة مسمارية يقابلها بالأكدية ايطير (ايطيرتو) وتعني (انقاذ). أما لفظة بلات وهي قريبة من لفظة (باليتو) الأكدية وهي مؤنث للكلمة (بالطو) و(بالاطو) وتعني (الحياة) و(الأمان) وتكتب بالعلامة المسمارية وفي ضوء هذا الاحتمال: فان لفظة (كربلات) تعني (انقاذ الحياة) نظير لفظة (أورشليم) التي تتألف من (اور) لفظة سومرية و(شاليم) لفظة أكدية. وفي ضوء ذلك: فان مدينة كربلاء تعني مدينة انقاذ الحياة، وهذا المعني ينسجم كل الانسجام مع الرواية عن علي عليه‏السلام التي تقول: ان كربلاء هي البقعة التي نجا اللّه‏ تعالي عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح “سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (الصافات 79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (الصافات 80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (الصافات 81) “. الاحتمال الثالث: هو أن تكون مؤلفة من (كور ـ بلات): أما (كور) فهي علامة مسمارية تعني (هيكل العبادة)، (بيت العبادة الكبير)، أو (بلد)، أو (ربوة). وفي ضوئه تكون (كوربلات) معناها (بلد الأمان)، أو (معبد الأمان) أو (بيت السلام). وهذا المعني ينسجم مع الروايتين الآنفتي الذكر أيضاً. واقعية الاحتمالات الثلاثة: وليس من البعيد ارتباط هذه المعاني الثلاثة المحتملة باللفظة (كربلاء) في مراحل تاريخية مختلفة. فهي (كرب ـ ايل) من ناحية كونها بيتاً لعبادة اللّه‏ تعالي والتقرب إليه. وهي (كر ـ بلات) من ناحية كونها المكان الذي أنقذت فيه الحياة من الطوفان. وهي (كور ـ بلات) من ناحية كونها معبد الأمان وهو وصف لبيوت اللّه‏ كما في قول إبراهيم “واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلد آمناً وارزق اهله من الثمرات” (البقرة 126).

ذكر ياقوت الحموي في كتابه أن كربلاء يعني رخاوة القدمين ويدل على أن تراب أراضي كربلاء رخوة مما يعني سهولة وخصوبة ولو ان هذا الرأي ليس له دليل تأريخي. وهكذا قيل ان اسم كربلاء نبات حامضي ومن بينها وردة حمراء ربما كانت النباتات اهم ما يميز ارض كربلاء. تعمرها المزارع وتكثر فيها العيون، ويسقيها نهر الفرات، وتموّن المنطقة والقوافل المارة السيارة بالمنتوجات الزراعية من تمور وحبوب. وكانت تضم قرى عديدة تقع بين بادية الفرات وشاطئ الفرات . وإن بلدة عين التمر يجلب منها أنواع التمور، وهي محط رحال القوافل والمسافرين، واكتسبت أهمية في التجارة لموقعها المشرف على تلك الطرق المؤدية إلى الحيرة والأنبار وإلى الشام والحجاز، كان ذلك قبل الإسلام وفي العهد الإسلامي بالذات.

يقول مصطفى جواد: إن رجع الأعلام الأعجمية إلى أصول عربية كان ديدناً لعلماء اللغة العربية منذ القديم, فقلما اعترفوا بأن علماً من الأعلام أصله أعجمي, دون أسماء الجنس فإنهم اعترفوا بعجمتها وسمّوها (المعرّبات), لأن الذين يعرفون اللغة الفارسية كثير ولأنهم يدرون أصول المعربات على التحقيق والتأكيد, وكان الذي يُسهّل عليهم اجتيال الأعلام وغيرها إلى اللغة العربية كونها مشابهة وموازنة لكلمات عربية, كما في (كربلا) والكربلة والكربل فهم قالوا بعروبة تلك الأعلام الأعجمية ثم حاروا في تخريجها اللغوي فبعثهم ذلك على التكلف كما فعلوا في كربلا وغيرها من الأعلام الأعجمية. فهو يرى أن محاولة ياقوت الحموي وغيرها من المحاولات لتعريب (كربلا) غير مجدية ولا يصح الاعتماد عليها: (لأنها من باب الظن والتخمين, والرغبة الجامحة العارمة في إرادة جعل العربية مصدراً لسائر أسماء الأمكنة والبقاع, مع أن موقع كربلاء خارج عن جزيرة العرب, وإن في العراق كثيراً من البلدان ليست أسماؤها عربية كبغداد وصرورا وجوخا وبابل وبعقوبا, وإن التاريخ لم ينص على عروبة اسم (كربلاء) فقد كانت معروفة قبل الفتح العربي للعراق وقبل سكنى العرب هناك وقد ذكرها العرب الذين رافقوا خالد بن الوليد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here