العراق قبل الاسلام في القرآن الكريم (الحلقة الرابعة)

العراق قبل الاسلام في القرآن الكريم (الحلقة الرابعة)
الدكتور فاضل حسن شريف
ذكر الشيخ الطبرسي في كتابه مع الركب الحسيني: (وأنا أرى محاولة ياقوت الحموي ردّ كربلاء إلى الأُصول العربية غير مجدية، ولا يصحّ الاعتماد عليها؛ لأنّها من باب الظن والتخمين. وإنّ في العراق كثيراً من البلدان ليست أسماؤها عربية كبغداد، وحرورا، وجوخا، وبابل، وبعقوبا). والارجح أن تكون هذه التسمية قديمة، أطلقها البابليون أو مَن سبقهم من الأقوام التي سكنت هذه الأرض، لإشارات استفادوها من الأنبياء عليهم السلام الذين مرّوا بهذه البقعة المباركة، كما تذكر ذلك كتب التفاسير والتأريخ وغيرها، مثل ما يُروى عن النبي عيسى عليه السلام وأصحابه الحواريين “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّـهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ” (الصف 14)، أنّهم مرّوا بأرض كربلاء فرأى الظباء مجتمعة وتبكي، فجلس عيسى عليه السلام والحواريون معه وبكوا حيث قالوا له: (يا روح الله وكلمته، ما يبكيك؟ قال: أتعلمون أيّ أرض هذه؟ قالوا:لا. قال: هذه أرض يُقتل فيها فرخ الرسول أحمد صلى الله عليه وآله، وفرخ الحرّة الطاهرة البتول شبيهة أُمّي). وكذلك مرّ بها النبي إبراهيم وموسى عليهما السلام وغيرهما من الأنبياء، فلا يُستبعد أنّهم أو تلامذتهم أخذوا يتناقلون حرمة وقداسة هذه الأرض، حتى وصلت إلى عامّة الناس وصارت تسمية لها بعد ذلك، فاختلفت التسميات كلٌّ بحسب لغته، آرامية، أو بابلية، أو فارسية، ولكن الكلّ يُشير إلى معنى واحد، وهو قدسية المكان؛ وعلى هذا يمكن الجمع بين هذه التسميات.
ان إضافة الهمزة إلى كربلا لتصبح كربلاء فقد أضيفت للضرورة الشعرية كما يقول مصطفى جواد: (إن كربلا مقصور في الأصل وإن الهمزة أدخلت عليها لضرورة الشعر ويضرب لذلك مثالاً الشعر الذي قيل لأول مرة في كربلاء: لقد حُبستْ في كربلاء مطيتي، فلو قال كربلا لم يستقم وزن البيت ومد المقصور من ضرائر الشعر المعروفة).
ومن المواضع التي عرفها العرب قديما قرب كربلا هو الطف. قال ياقوت الحموي: (الطف بالفتح والفاء مشدده وهو في اللغة ما اشرف من ارض العرب على ريف العراق). وقال أبو سعيد: (سمي الطف لأنه مشرف على العراق من اطف على الشيء بمعنى اطل، والطف طف الفرات أي الشاطئ والطف ارض من ضاحية الكوفة في طريق البرية فيها كان مقتل الحسين بن علي رضي اللـه عنه . وهي ارض بادية قريبة من الريف فيها عدة عيون ماء جارية منها الصيد والقطقطانة والرهيمة وعين جمل وذواتها، وهي عيون كانت للموكلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم وذلك ان سابور اقطعهم أرضها يعتملونها من غير ان يلزمهم خراجا، فلما كان يوم ذي قار ونصر اللـه العرب بنبيه صلى اللـه عليه وآلـه وسلم غلبت العرب على طائفة من تلك العيون وبقي بعضها في أيدي الأعاجم ثم لما قدم المسلمون الحيرة هربت الأعاجم بعد ما طمت عامة ما كان في أيديها منها، وبقي ما في أيدي العرب فأسلموا عليه وصار ما عمروه من الأرض عشرا، ولما انقضى أمر القادسية والمدائن وقع ما جلا عنه الأعاجم من ارض تلك العيون إلى المسلمين واقطعوه فصارت عشرية أيضا)

من الأسماء التي سُمّيت بها كربلاء ما ذكره الدكتور رياض كاظم سلمان (يحتمل البحث في أصل تسمية كربلاء بُعدين: الأول لُغوي والآخر تأريخي يساعد على الوقوف ولو بشكلٍ عام على معرفة طبيعة العوامل التي تقف وراء التسمية المدنية، وبالرجوع إلى المعاني اللغوية للفظة يرجّح عودتها إلى الاسم الآرامي كاربيلا، الوارد ذكره في سِفر دانيال الثالث، ويحتمل كذلك تكون ترجمته تعني: كور بابل. فيما يرى آخرون بأنّ اللفظة تعود إلى كلمة كرب وأيل، التي تُترجم مجتمعة إلى: حرم قدسي… أمّا الرؤية التاريخية لأصل التسمية، فإنّها تستند إلى جميع الإشارات اللُّغوية التي نُعتت بها المنطقة ومنها: كاربيلا، كرب آيل، كاربالا، كور بابل. ذكر ديلك قايا الباحث التركي، وذكر أنّها مشتقّه من كلمة: قاربا لاتو الأكادية، التي تعني: القلنسوة الحادّة، والتي تحوَّلت إلى كلمة: كار باله الموجودة في اللغة الآرامية والعبرانية الوسطى، وقِيل: إنّ أصلها عربي مشتقّ من كلمة: كور بابل، التي تعني: أنحاء بابل، أو كلمة: كربله، التي تعني: غوص القدم في الأرض الناعمة. ذكر المجلسي كذلك في البحار أنّ الحسين عليه السلام، قال لأصحابه قبل أن يُقتل: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي: (يا بني، إنّك ستُساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيين، وهي أرض تُدعى عمورا، وإنّك تُستشهد بها، ويُستشهد بها جماعة من أصحابك). يظهر ذلك أيضاً من قول الإمام علي عليه السلام المتقدّم لابن عباس: (وإنّها لفي السماوات معروفة، وتُذكر: أرض كربٍ وبلاء). وأيضاً قد ذكر أكثر من واحد من المفسِّرين أنّ هذا الاسم كان معروفاً عند زكريا عليه السلام، حيث جاء في تفسير قوله تعالى: “كهيعص” (مريم 1) الرواية الواردة عن الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، والتي هي من أنباء الغيب التي علَّم الله بها نبيّه زكريا عليه السلام، حيث إنّ جبرئيل أخبره: إنّ الكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام، والعين عطشه، والصاد صبره)

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here