الكاشاني والغزالي.. المذاهب ليست إلهية

الكاشاني والغزالي.. المذاهب ليست إلهية

رشيد الخيّون

ليست خطيئة في التحول مِن مذهب إلى آخر، إذا كان ليس مِن باب الكسب والتنافس المذهبي، والذي يقود إلى مواجهات قد تصل إلى الدماء. فالأخطر على المجتمعات الكسب المذهبي، وتبجح المتحولين بذم مذاهبهم السابقة. مِن نماذج تبديل المذهب، بهدوء، تبديل محمد بن الحسن الطُّوسي(ت: 460 هجريَّة)، المشهور بشيخ الطائفة ومؤسس الحوزة الدينية بالنجف، لمذهبه مِن الشّافعي إلى الإماميّ(السبكي، طبقات الشافعيَّة الكبرى)، وبالعكس بدل محمد بن عليّ الشَّوكاني(1250هجريَّة) مذهبه مِن الزيديّ إلى السلفي(الشَّرجي، الإمام الشَّوكاني حياته وفكره).
غير أنّ تبديل أبي حامد الغزالي(ت: 505هجرية) مِن الشَّافعي والعقيدة الأشعريَّة، إلى العقيدة الإماميَّة، أمر يصعب تصديقه. هذا ما ادعاه الملا محمد بن مرتضى الفيض الكاشاني(ت: 1019هجريَّة)، أحد أئمة الحديث، المحمدين السِّتة، عند الإمامية، وبعد وفاته بنحو خمسمائة عام؟! هذب الكاشاني كتاب الغزالي «إحياء علوم الدِّين»، بعنوان «المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء». لكنه لم يكن تهذيباً بل تحريفاً، فقد حوَّل أسانيده إلى إماميَّة.
يبدو أن الكاشاني كان معجباً بالغزالي أيما إعجاب، وعلى الخصوص بـ«إحياء علوم الدين»، ولأنه كان أحد أقطاب الإمامية في العهد الصفوي، فلا يستطيع تبرير هذا الإعجاب، إلا بما فعله في كتاب «المحجة البيضاء»! ولم يكتف بذلك، بل أوجد طريقاً إلى تشييع الغزالي نفسه، وهو بين أهل السُنّة مازال مِن الأكابر، ويُلقب بحجة الإسلام، بغض النظر عن فتوى حرق كتابه «كتابه الإحياء»، وكيف يكون شيعيّاً وكان مدرس النّظاميَّة(سبط بن الجوزي، مرآة الزَّمان)، المدرسة النّظاميَّة التي لا تقبل فيها غير الشَّافعي- الأشعري.
يبرر الكاشاني تلاعبه «الإحياء» قائلاً: «إلا أنَّ أبا حامد لما كان حين تصنيفه عاميّ المذهب(سُنّي) ولم يتشيع بعد، وإِنما رزقه الله هذه السعادة في أَواخر عمره، كما أظهر في كتابه المُسَمى بسرِّ العالمين»(المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء)، غير أن كتاب «سر العالمين» كان منسوباً للغزالي.
ثم يعطي الكاشاني الحقّ لنفسه في إدخال أسانيد، لم تكن موجودة في الإحياء، في ما أعتبره نقصاً، قال: «فرأيت أن أهذبه تهذيباً يُزيل عنه ما فيه مِن الوصمة والعيب، وأبني مطالبه كُلها، على أصول أصلية مُحكمة لا يتطرق إليها الشك ولا ريب، وأُضِيف إليها في بعض الأبواب ما ورد عن أَهل البيت عليهم السَّلام، وشيعتهم في ذلك الباب مِن الأسرار، والحكم المختصة بهم»(المحجة البيضاء).
غير أن الفيض الكاشاني على الرغم مِن منزلته العليا بين فقهاء الإمامية، إلا أنه كان متهماً لدى العديد منهم، بالقول بوحدة الوجود، وبأفكار فلسفيَّة محرمة دينياً، واعتبروا تهذيبه لكتاب الإحياء مِن الأهواء والبدع، فصار مشربه مِن مشرب الغزالي(الخوانساري، روضات الجَنَّات).
لا ندري، هل كان الكاشاني متمنياً التشيع للغزالي، فملء تهذيبه للإحياء بأسانيد إماميَّة تغطية لشغفه به، وفي الحالتين يُحسب تجاوزاً، قل حدوثه.
يعطينا ما تقدم تصوراً على أنَّ المذاهب صناعة الرجال، تحولت، عبر تراكم الخلافات، إلى غيتوات طائفيَّة، وتنافس في الكسب المذهبي، حتى أن اعتبار خروج الغزالي مِن مذهبه، وإن كان ملفقاً، «سعادةً» و«رزق» حسب الكاشاني. وفي الوقت الحاضر يعبر عنه بـ«الاستبصار»! بينما هذا التّضحول لو حدث بالفعل لعد خسارةً وانحرافاً عند الخارج عنهم! ولكم النظر، كيف تحولت المذهبية إلى إلهية مقدسة، تغزو النفوس بالكراهية والعقول بالتعصب إلى حد سفك الدماء!

كاتب عراقي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here