“حتى أَنتِ … يا محكمة”!

أ. د. جواد كاظم لفته الكعبي

على مدى عقدين من الزمن تقريبا، خَذلت وزارتي النفط والمالية المالك الدستوري للثروة النفطية (الشعب العراقي) ومُنتجيها (المحافظات المنتجة) في إدارتها والتصرف بمخرجاتها، وعندما حاول البرلمان مُتأخرا الانتصار لحقوقهما الدستورية في قانون موازنة 2021، طعنت الحكومة بمواد القانون ذات الصلة بهذه الثروة، وتم خُذلان المالك والمُنتج حينما أبطلت المحكمة الاتحادية العليا تلك المواد لصالح الوزارتين.

أولا. خللي ياكلون أهل النفط بصاية خالتهم الوزارة … وعمتهم المحكمة الاتحادية:

“كشفت وزارة النفط عن تحقيقها إيرادات إضافية بلغت أكثر من 16 مليار دولار ستضاف إلى موازنة 2021” (“صوت العراق”، 28/10/2021):

· لا فضل لكفاءة عمل خالتهم بذلك، إذ أن الإيراد المُضاف تحقق بنتيجة ارتفاع أسعار النفط!

· لا يُشم من هذا كرم لخالتهم على الموازنة بحساب فرق سعر النفط فيها وسعر تصديره!

· لا يمكن قانونا رفد الموازنة بالإيراد المُضاف وسيكون مالا سائبا لخالتهم الثانية وزارة المالية!

· قايض المُشرّعون أهل النفط بالإيراد المُضاف لصالحهم مقابل خفض قيمة عملتهم الوطنية!

· رفضت خالاتهم للنفط والمالية تخصيص الموازنة الإيراد المُضاف لصالح مُنتجي النفط!

· قامت العمة بإلغاء تخصيص الموازنة الإيراد المُضاف لحساب أهل المحافظات المنتجة!

· غمطت العمة الحقوق الدستورية لأهل النفط بالإيراد المُضاف وأبقته لهوى خالتهم المالية!

· كسرت عمتهم إرادة المُشرّعين المُنتخبين وأعلت إرادة خالاتهم التنفيذيتين النفطية والمالية!

· وخسر غالبية المُشرّعين مقاعدهم النيابية و(شهادات بعضهم العلمية المكتسبة في الخارج)!

· وخسر أهل النفط إيراد الموازنة والإيراد المُضاف وربحوا بيئة عيش ظالمة وملوثة وقاتلة!

… حَرم توافق خالاتهم وعمتهم أهل النفط من عنب سلتهم النفطية، ولا أظن أنهم سيقبلون بحرمانهم من السلة نفسها ببيعها من قبل المُزوقين والمُسوقين … لأكاذيب إيرادهم المُضاف!

ثانيا. هيه المحكمة ويامن … ويه الشعب مالك الثروة … يو ويه اللي يتصرفون بيها:

ليس غرضي الدخول في جدل مع المحكمة الاتحادية العليا الموقرة بشأن قراراتها ذات الصلة بالثروة النفطية الوطنية الواردة في قانون موازنة 2021، ولكني كمواطن من شعب يؤكد دستور بلاده على أنه مصدر السلطات والمالك الحصري للثروة النفطية، ومن منظور حماية مبادئ وقيّم الدستور نفسه في الإنصاف والعدالة والكفاءة والفاعلية والمنفعة الأعلى من إدارتها والتصرف بمخرجاتها، أتساءل عن المغزى السياسي والاجتماعي لقرارات المحكمة الآتية:

1) قرار المحكمة بعدم دستورية تأسيس صندوق البترودولار في المحافظات المنتجة للنفط:

· يتوافق تأسيس الصندوق مع أحكام المادتين (111، و112) من الدستور!

· جاء تأسيس الصندوق كخيار تشريعي لمُمثلي الشعب المُنتخبين!

· قايضت الحكومة البرلمان سياسيا بالصندوق مقابل تمرير موازنة مُلتبسة الدوافع والغايات!

· ستُفرط الحكومة بفرق السعر بإنفاقه على أبواب صرف غير مُنتجة!

· سيُقوي قرار المحكمة من نزعات الأقلمة في المحافظات المنتجة لشعورها بالغُبن!

2) قرار المحكمة بعدم دستورية تدخل الحكومة بعمل شركات عقود جولات التراخيص النفطية:

· جرى إبرام العقود من دون موافقة مجلس الوزراء ومصادقة مجلس النواب!

· تتضمن العقود بنودا تسمح بتعديلها في ضوء التشريعات النافذة أو التي ستُشَرّع بعد إبرامها!

· يجري حل الخلافات بين طرفي العقد إما بالتوافق أو باللجوء إلى التحكيم الدولي!

· سيُزيد قرار المحكمة من شدة الصراع السياسي على قيادة القطاع النفطي الكبير الإغراء!

… لا أستطيع سياسيا ووجدانيا تَفَهُّم وقبول أن تكون دوافع ورغبات وزيري المالية والنفط لها الولاية العِلوية على ولاية مبادئ وقيّم ومنافع عامة واردة في أحكام … أبو قوانين بلادي!

ثالثا. المحكمة تُبطل قانون بسبب … قناعات ونوايا:

قررت المحكمة الاتحادية إبطال تأسيس صندوق البترودولار في المحافظات المنتجة للنفط، الوارد في قانون موازنة 2021، استنادا إلى قناعات الحكومة ونوايا البرلمان وليس إلى أحكام الدستور (الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا، رقم القرار 35/اتحادية/2021):

1) “يشير وكيل المدعي (رئيس مجلس الوزراء) إلى أن تخصيصات البترودولار أضيفت ضمن إيرادات الموازنة، ومن ثم أن تطبيقها يؤدي إلى عجز في الموازنة خلافا لإرادة مجلس النواب في تقليص فجوة العجز”: لا يجري الحديث في القانون عن تخصيصات البترودولار، وإنما عن تأسيس صندوق لها يتم تمويله من زيادة فرق سعر النفط في الموازنة وسعر تصديره، ولا يُسبب هذا الفرق

عجزا فيها لأنه عجز مُخططا له لا يتأثر بزيادة أو خفض فرق السعر، ثم ما هي علاقة نوايا مجلس النواب تجاه فجوة العجز بقناعات الحكومة الذاتية؟

2) “هذا الإجراء يعد تدخلا في عمل السلطة التنفيذية بوصف أن إنشاء الصناديق المالية عمل تنفيذي وانه يمثل تجاوزا لاختصاص مجلس النواب.. وخرقا لمبدأ الفصل بين السلطات”: هذه قناعة الحكومة وليس حجة دستورية وهي قناعة خاطئة، لأن عمل الحكومة التنفيذي يجب أن يسبقه عمل تشريعي للبرلمان لتقوم بتنفيذه، وهذا هو معنى مبدأ الفصل بين السلطات!

3) “هذا بالإضافة إلى الآثار المالية الناتجة عن استحداث مثل هذه الصناديق مما يشكل تجاوزا لاختصاص مجلس النواب”: هذه قناعة الحكومة والتي لا تجد ما يُبررها من أحكام دستورية لتقتنع المحكمة بها، ثم أنها قناعة معطوبة من جانبين، الأول، لا يُرتب فرق السعر المذكور آثارا مالية على الموازنة؛ والثاني، لا يمكن للنوايا الطيبة للبرلمان التأثير في هذا الفرق!

… مخذول أنتَ يا شعب المحافظات المنتجة، وكأن لسان حالك يقول … “حتى أَنتِ يا محكمة”!

رابعا. المحكمة ماعدها نسخ من العقود … ونست قراراتها:

بقرار لها بشأن طعون الحكومة بقانون موازنة 2021، حَرَّمت المحكمة الاتحادية على الحكومة التدخل في إدارة تكاليف العمليات النفطية لعقود جولات التراخيص المُبرمة منذ عام 2009 كما شَرَّع ذلك البرلمان، إذ “أن ذلك يُعد إخلالا من الحكومة بالتزاماتها الناشئة عن عقود التراخيص التي لا يمكن مخالفتها إذ أن (العقد شريعة المتعاقدين).. قد يصل إلى فسخ العقود” (الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا، رقم القرار 35/اتحادية/2021). هل المحكمة الموقرة تعلم:

· جرت صياغة العقود على نحو يستبعد الحكومة (والبرلمان أيضا) من أية التزامات ستنشأ جراء إبرامها وتنفيذها!

· يجري تضخيم الكُلف في عقود التراخيص بشكل غير معقول: بعد خمس سنوات من نفاذ العقد، اشترت إحدى الشركات عام 2014 حاسبات بمبلغ (12) مليون دولار لتُضاف إلى ما اشترته سابقا منذ إبرام العقد عام 2009، وإنها أنفقت (65) مليون دولار على بند “الإطعام” مقابل (50) مليون دولار على بند “المعدات”، وأن أجور الكادر الأجنبي تزيد بعشر مرات عن أجور نظيره المحلي لتوصيف العمل نفسه!

· إن الكلف الاستثمارية والتشغيلية لبرميل النفط في العقود تزيد بمقدار (3-5) مرات عن مثيلاتها في دول الجوار (هل المحكمة استأنست بآراء وزراء النفط السابقين بهذا الصدد)!

· إن العقود تتبنى منهجية “استثنائية” لاحتساب التكاليف مُغايرة لما هو مألوف لاحتسابها!

· إن العقود تتضمن بنودا تسمح بتعديلها في ضوء التشريعات النافذة أو التي ستُشَرّع بعد إبرامها، ويجري حل الخلافات بين طرفي العقد إما بالتوافق أو باللجوء إلى التحكيم الدولي!

· مَنْ همس بإذن المحكمة إن تدخل الحكومة بإدارة التكاليف سيُفضي إلى فسخ هذه العقود؟

… يُتيح قرار المحكمة أعلاه لشركات وزارة النفط في عقود التراخيص الانفراد بمهمة رسم السياسة النفطية للدولة بما فيها إدارة التكاليف، ولا يوجد نص دستوري يُجيز لها سلطة وصلاحية فعل ذلك، وأن هذه المهمة “يلزم أن تكون من الحكومة الاتحادية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط”، كما نص على ذلك قرار سابق للمحكمة (الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا، العدد 66 وموحداتها 71 و157 و224/اتحادية/اعلام/2018)!

……………………………………………………………..

د. جواد الكعبي، 81 تشرين الثاني 2021 [email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here