خرائط رخامية

خرائط رخامية

القاص محمد سمارة

حين امسك موس الحلاقة لاجتث الاعشاب البيض من لحيتي , يخطر لي ذلك الصبي وهو يتمعن – من خلال المراة – بلحيته الزغبية الطرية . “ويقول بلغة الكبار : ان لحيتي بحاجة الى حلاق !” فأضحك الان من ذلك الصبي -الذي هو انا-

واقول : لو كنت املك مخ الكبار لتمنيت ان تصاب الساعات الزمنية بالعطب فلا ارى لحيتي وقد صارت نديفا من القطن .

تبدو الحقائق في لحظتها الراهنة شيئا مجردا نمسكه باليد المجردة كنا حين ننصرف الى تهويمات الفكر , نكتشف اننا لم نكن الا صبادين مبتدئين على ضفاف الانهار , نحاول اصطياد حوت بصنارة غبية .

الفلسفة كلمات رخوة , وتهويمات , تتمدد كجسم مطاطي لتصبح فيما بعد مجلدا ضخما . نفهم نصفه , اما النصف الاخر فأننا ندونه في ” صكوكنا” الفكرية , ونودعه في بنوك ليس لها ارصدة .

يرى البعض ان في ارثنا الحضاري غبارا بحاجة الى منفضة لاعطائه مسحة من الحداثة و العصرنة ومواكبة جنون العولمة . الا يرى هذا البعض ان هذا الغبار هو الجذر الراسخ , وان ازالته تعني انسلاخ الجلد عن الجسد .

لا غبار عليك ان تكتب نفسك , لكن ان تبحث في صناديق عما يشبه نفسك , ثم تخلطه في ” قدورك” لنزعم في النهاية ان الطبيخ طبيخك فهذا هو المسخ بعينه قبل مسخ الاخرين

ليس الفكر ان تحمل رأسا على كتفيك , الفكر ان تمد اصابعك الى مائدة الحياة , وتقوم بتغيير ما لا تراه منسجما , وتغادر الخارطة على رؤوس اصابعك .

الافكار هي البذور التي تشق الارض بجذورها ( المعولية) وهي النطفة الاولى لنص الانتصار , واذا كان ثمة تجاور وانصهار بين الفكرة والتربة , يكون يكون لهما حق اكتشاف براءة اختراع الانسان النظيف .

كنت ابحث عن رجل قديم ضيعته ذات يوم , وكان بيننا ما يسلخ جلد الذاكرة , وشعرت ان حبل المودة لابد ان يظل موصولا , فهو الرمز للاشياء العظيمة , لكنني وحين رأيت صديقي مكبلا بقوانين الحياة , وكنت انا الطليق قررت ان اعيد محاكمة الذاكرة على وفق المستجدات التي لا يعلم بها سوى الله .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here