مع استمرار أزمة الانتخابات .. هل تفي واشنطن بتعهدها وتسحب قواتها من العراق نهاية العام؟

مع اقتراب موعد الانسحاب الأميركي من العراق الذي يصادف نهاية ديسمبر/كانون الأول القادم بعد جولات حوار إستراتيجي جرت بين واشنطن وبغداد، يتساءل كثيرون عن الالتزام بهذا الموعد في ظل ظروف متأزمة يعيشها العراق بعد انتخابات تشريعية جرت قبل أكثر من شهر وتشكيك العديد من القوى بصحة نتائجها الأولية.

يمتد تاريخ وجود القوات الأميركية في العراق منذ الغزو عام 2003 وحتى انسحابها من البلاد عام 2011، ومن ثم عودتها بناء على طلب بغداد منتصف عام 2014 عندما اكتسح مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية مساحات واسعة من البلاد.

يؤكد العديد من المسؤولين العراقيين والأميركيين أن انسحاب القوات الأميركية من العراق سيكون وفق الموعد المحدد نهاية العام الحالي، إذ أكد اللواء يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية أن القوات الأميركية المكلفة بمهام قتالية باشرت الانسحاب، وهناك جهد مستمر من أجل استكمال عملية الانسحاب بموعد أقصاه 31 ديسمبر/كانون الأول القادم.

وأكد رسول في وقت سابق أن عمليات الانسحاب جارية على قدم وساق بعد مخرجات الحوار الإستراتيجي واللجان الفنية التي عملت مع الجانب الأميركي في جولات الحوار الأربع.

وفي وقت اسبق (الجمعة)، نفت قيادة العمليات المشتركة في الجيش العراقي صحة مزاعم تمديد موعد انسحاب القوات القتالية الأميركية. وقال المتحدث باسم القيادة اللواء تحسين الخفاجي في تصريح صحفي الحديث عن تمديد موعد انسحاب القوات الأميركية غير دقيق، وأضاف أن موعد خروج القوات القتالية يوم 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل ثابت ولا تغيير فيه.

وقال الخفاجي إن العلاقة بين الطرفين بعد خروج القوات القتالية ستكون علاقة استشارية في مجالات التدريب، والتسليح، والمعلومات الاستخبارية، والأمنية ضد تنظيم الدولة.

ويأتي هذا النفي بعد إعلان فصيل كتائب سيد الشهداء، فتح باب التطوع في صفوفه لمحاربة القوات الأميركية بعد نهاية العام الجاري.

وقال الأمين العام للكتائب أبو آلاء الولائي -في بيان له- إنه مع اقتراب ساعة الحسم والمنازلة الكبرى، تعلن المقاومة الإسلامية كتائب سيد الشهداء فتح باب الانتماء والتطوع لصفوفها.

التدريب والاستشارة

وتعليقا على الموضوع، يرى الخبير الأمني والإستراتيجي سرمد البياتي أن تفاهمات العراق مع أميركا ضمن جولات الحوار الأربع ستؤدي نهاية العام الحالي إلى تحويل مهام القوات الأميركية القتالية في البلاد إلى قوات استشارية ولأغراض التدريب.

وأضاف البياتي -المقرب من دوائر صنع القرار الأمني بالعراق- أنه لم يطرأ أي تغيير على التفاهمات، وبالتالي سيسير الانسحاب وفق ما هو مخطط له.

ولفت إلى أن هناك معضلة قانونية تتمثل في مطالبة الحكومة العراقية لهذه القوات بالانسحاب بعد أن كانت قد أتت للعراق عام 2014 بطلب عراقي رسمي.

ويرى الباحث في معهد الدراسات الإستراتيجية بواشنطن منقذ داغر أن الاتفاق بين بغداد وواشنطن لا يزال قائما، وأن القوات الأميركية ستنسحب بكل تأكيد.

وبيّن داغر أن هذا الانسحاب لن يكون شاملا، إذ سيكون هناك وجود في بعض القواعد مع تغيير صفتها، وأن القوات المنسحبة ستنضم لقوات التحالف الدولي وبعثة حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) العاملة في بغداد.

البنتاغون

ورغم التصريحات العراقية التي تؤكد رحيل القوات الأميركية في الموعد، فإن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لها رأي آخر، إذ -في مقابلة مع قناة الجزيرة- قالت دانا ستراول نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي الثلاثاء الماضي إن الحكومة العراقية دعت القوات الأميركية إلى تمديد بقائها في البلاد.

وبالعودة إلى البياتي فإنه نفى صحة هذه المعلومات، مبينا أن الحكومة العراقية لم تتقدم بطلب كهذا، مضيفا أن التصريحات الأميركية قد تكون مبنية على المعضلة القانونية في عدم تقديم الحكومة طلبا لهذه القوات بالانسحاب.

إمكانية البقاء

ويتزامن موعد الانسحاب الأميركي مع المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد، إذ بعد 5 أسابيع على إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة، لم تعلن النتائج النهائية للانتخابات وسط أزمة سياسية بين مختلف الأحزاب حول الشكل الذي ستكون عليه الحكومة القادمة.

ليس هذا فحسب، إذ يقترب موعد الانسحاب متزامنا مع تدهور أمني في البلاد بتصاعد هجمات تنظيم الدولة ومحاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بداية الشهر الجاري، حيث لم تعلن لجنة التحقيق المكلفة عن الجهة التي قد تقف وراء محاولة الاغتيال حتى الآن.

من جانبه، يقول الخبير الأمني العراقي أحمد الشريفي إن كل التوقعات تشير إلى أنه لن يكون هناك انسحاب أميركي في الموعد المحدد، بل ترشيق لوجود القطعات الأميركية، بما يعني ضمنا بقاء هذه القوات في قاعدتي عين الأسد في محافظة الأنبار غربا، وقاعدة حرير في مدينة أربيل في إقليم كردستان.

وعن موقف الجهات المسلحة بالعراق الرافضة للوجود الأميركي، يعلق الشريفي “الحكومة العراقية القادمة ستكون بلا شك حكومة أغلبية سياسية، ستؤسس وفق التوازنات الإقليمية والدولية، وأن المرحلة القادمة ستشهد أفول نجم الفصائل المسلحة وانحسارها إما باتجاه المعارضة السياسية أو بتفكيكها نهائيا”، معتبرا أن المرحلة المقبلة في العراق ستختلف كليا عمّا سبق منذ عام 2003، بحسب تعبيره.

وبالتوجه إلى مدير مركز اليرموك للدراسات الإستراتيجية عمار العزاوي، فإنه يرى أن أطرافا سياسية عراقية عدة ترغب في بقاء القوات الأميركية بالبلاد ومن مختلف المكونات والقوميات، لافتا إلى أنه -وفق المعطيات الحالية- من المستبعد أن تنسحب الولايات المتحدة بقواتها القتالية من العراق.

ويضيف العزاوي أن الخلافات السياسية قد تنعكس على الوضع الأمني مستقبلا بما قد يغير من خطط الانسحاب الأميركي، مبينا أن الانسحاب يعني خروج جميع القوات من العراق من دون أن يكون لها أي قواعد، وهو ما يتناقض مع الواقع الحالي الذي توجد فيه القوات الأميركية في قاعدتي عين الأسد وحرير.

وبعيدا عن تأكيدات انسحاب القوات الأميركية أو بقائها في العراق، فإن الولايات المتحدة دولة براغماتية تتعامل مع المستجدات وقت حصولها بما يضمن أمنها الإستراتيجي وأمن حلفائها، وذلك بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل محمود عزو.

ويتابع أن التخوف يتمثل في حصول تطور إستراتيجي يؤثر في بنية الدولة العراقية، ويضيف أن الولايات المتحدة لديها ثقل سياسي كبير في البلاد متمثل في السفارة التي تعد الأكبر على مستوى العالم، فضلا عن وجودها الإستراتيجي في قاعدتي عين الأسد وحرير بما سيمكنها من حماية مصالحها القومية على المدى الطويل بغض النظر عن انسحاب القوات القتالية من عدمه.

عن “الجزيرة نت”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here