أنقذوا ليلى قبل فوات الأوان !!

احمد الحاج
وهكذا مضى قول قيس بن الملوح في ليلاه يوما مثلاوشاهدا بين الناس على عذابات النساء في العراق وكلهنَّ ليلى”يقولون ليلى بالعراق مريضة ..فيا ليتني كنت الطبيب المداويا” ..فهذه ليلى عراقية تنتحر بإلقاء نفسها من الطابق الثالث بمنطقة الكرادة وسط بغداد…وتلكم ليلى متزوجة من مواليد ٢٠٠١ تتهي حياتها بشنق نفسها في منزل أهلها بمنطقة زيونة شرقي العاصمة بغداد.. وهاتيك ليلى شابة تبلغ من العمر 20 عاما تنتحر بشنق نفسها في محافظة صلاح الدين .. وهذا العراق يسجل ما يقرب من 600 حالة انتحار عام 2019 .. أكثر من 80 % بالمئة منها لنساء وبطرق مختلفة تراوحت بين الشنق وإطلاق النار على الرأس والسقوط من شاهق وتناول السم والحبوب المنومة والحرق والغرق …منظمات معنية بحقوق الانسان تسجل 14 الف حالة عنف ضد المرأة العراقية لأسباب ودوافع وبطرق شتى ..إمام وخطيب أقلية التتار البولنديين علي الكسندر، يدفن جنينا عراقيا من أبناء المهاجرين العراقيين العالقين على الحدود البولندية-البيلا روسية في المقبرة الاسلامية واسمه هليكاري داكر ، وذلك بغياب أمه – وهب ليلى عراقية – بعد رقودها في المستشفى وهي بحالة صحية حرجة للغاية،وبغياب الأب القابع داخل الكامب الخاص بالمهاجرين مع بقية ابنائها الخمسة … !
وماذا بوسعنا أن نقول في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرآة الموافق للـ 25 من تشرين الثاني من كل عام ، غير واصرختاه، واحسرتاه ، واكرباه ولن نقول وامعتصمام اذ لامعتصم للنساء المظلومات والمسحوقات في أزمنة الشح الهالع والجبن الخالع ، عصور الانبطاح والانحطاط ، فنساؤك ياعراق تشردُُ ونزوحُُ ويُتمُُ وفراق…ألم ومرض وفقر وجوع وحزن لايطاق، ودعونا هاهنا نمتطي صهوة أقلامنا لنشق غبار الكلمات ونتحدث عن المأساة – مأساة المرأة العراقية – لأن مصاب ليلى جلل ،علما بأن ليلى العراقية ليست واحدة ، بل بضعة ملايين ، ما يتطلب منا لو أردنا الاستغراق تأليف مجلدات تتبعها مجلدات بما يملأ رفوف المكتبات ، وبما لايمكننا اختزاله ولو بالحد الأدنى في عجالات ولا كلمات ولا مؤتمرات ولا ندوات ولا مهرجانات ولا اجتماعات ،ذاك أن ما تعانيه المرأة العراقية من أعباء هائلة، وما تقاسيه من جراحات غائرة ، وما تكابده من تساؤلات حائرة يفوق الوصف ويتخطى حدود المنطق والخيال، إنها ياسادة ياكرام أزمة مجتمع وقضية وطن وقد تستعصي علينا جميعا عند تناولها المقدمات، وقد تنحبس خلف حناجرنا عند نكأ الجراح الكلمات ، وقد تخنقنا حين نسردها العبرات ، وقد تخوننا عند المرور ببعض تفاصيلها المقلقة العبارات،وقد تنهمر على الخدين لشديد وقعها الدمعات،وقد نتوه سوية لوطأتها وسط ركام هائل من التداعيات والفواجع والكوارث والترسبات ونحن في طريقنا لصياغة بعض التوصيات، بل وحتى قبل أن نشرع بطرح النافع من الحلول والمقترحات ، والتي غالبا ما تذهب أدراج الرياح كسابقاتها ولاتجد آذانا صاغية وكأن شيئا مما طرحناه وناقشناه واقترحناه ما كان يوما ولم يكن ، كيف لا وجحيم المرأة العراقية يتجاوز فضاء المعقول وحدود المقبول ، فمن أزمة الترمل وهناك في العراق 3 ملايين أرملة ..الى فاجعة العنوسة وفي العراق هناك ما لايقل عن 4 ملايين عانس بما يعرف بظاهرة الأيامى …الى كارثة الطلاق بواقع 274 طلاقاً في اليوم الواحد، وبما يعادل 11 طلاقاً كلّ ساعة ..الى مصيبة النساء الأميات ، بعضهنَّ يعانين من الأمية الأبجدية ، وبعضهنَّ من الأمية التقنية ، ففي ميزبوتاميا – بلاد ما بين النهرين – التي علمت البشرية القراءة والكتابة منذ فجر التأريخ هناك اليوم ما لايقل عن سبعة ملايين أمي ، معظمهم من النساء ..الى النساء المُعنفات ..الى النساء اللائي يفترشن الأرض ويلتحفنَّ السماء من المشردات ..الى النساء اللائي يعشنَّ في الخيام والكامبات من أخواتنا النازحات …الى النساء المُهجَّرات بعيدا عن مناطق سكناهنَّ الاصلية في عموم المدن والاقضية والنواحي والمحافظات …الى النساء المَهجورات من غير رعاية ولا كفاية ولا نفقة، لتعيش احداهنَّ كالمعلقة فلاهي بزوجة في بيت زوجها الغائب او المختفي”بسفر، برحيل ،بسجن ،بحبس ،بفقدان ،بخطف” ولا هي بمطلقة ..الى النساء المُهاجرات ومئات منهنَّ اليوم على الحدود البولندية – البيلاروسية ينتظرن إما الترحيل القسري والعودة الى العراق ، أو الصبر تحت وطأة البرد القارس ، وشبح الجوع القاتل ، لعل أمرا ما يأتي من لامكان يسمح لهنَّ ولأولادهنَّ وبناتهنَّ بالعبور الى المانيا أو النمسا ليعيشنَّ هذه المرة في الكامبات على الصدقات والمعونات والمساعدات ..الى النساء من ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقات …الى النساء الكفيفات …الى النساء المسنات ..الى النساء المتوحدات …الى النساء من ضحايا متلازمة داون ..الى النساء اليتيمات وفي العراق اليوم هناك خمسة ملايين يتيم نصفهن من الاناث …الى النساء من ضحايا الابتزاز الالكتروني …الى النساء من ضحايا التحرش والاغتصاب والبغاء والتسول وعصابات الجريمة المنظمة ..الى النساء المنتحرات ..الى النساء ممن تورطن َّوصرنَّ من مدمنات الخمور والمخدرات …الى النساء المعدمات والبائسات والفقيرات …وعددوا ما شئتم من مآس تعجز عن كابتها الاقلام وعن سردها الكلمات ، ولله در القائل :
يَقولونَ لَيلى بِالعِراقِ مَريضَةٌ …فَما لَكَ لا تَضنى وَأَنتَ صَديقُ
شفى اللَهُ مَرضى بِالعِراقِ فَإِنَّني …عَلى كُلِّ مَرضى بِالعِراقِ شَفيقُ
وهكذا تستمر المأساة وتتعقد المعاناة ، فهذا جاهل يريد أن يتزوج أستاذة جامعية ، وذاك فقير معدم يطمح بأن يقترن بإمرأة فاحشة الثراء ،ذميم يتمنى خطبة إمرأة صارخة الجمال ، عاطل يريد الاقتران بسيدة أعمال ، متسكع يود أن يقترن بإمرأة ذات عفة ودين ، صعلوك يحلم بفتاة ذات حسب ونسب ، هرم – يكح ويعطس- وسلال اﻷدوية الى جانبه تلال يريد أن يتزوج بفتاة في العشرين، رجل لم يعط زوجته اﻷولى حقوقها ولو بالحد اﻷدنى ينوي الزواج عليها بثانية .
وتستمر الفاجعة اكثر فأكثر لتحشرنا في حيز زواج الشغار – الكصة بكصة – ، ومأساة النساء الفصلية ، ومعضلة النهوة العشائرية ، والجلوة القبلية ، وبنت العم لابن العم ، وجرائم غسل العار ، وحرمانها من الميراث ، والزواج القسري ، وماشاكل من ركام ينوء بحمله المجتمع برمته ما يستدعي وقفة جادة ومثمرة لتصحيح المفاهيم الخاطئة وتقويم الاعراف والتقاليد البالية .
ورب سائل يسأل هاهنا ، ولكن ماهو الحل برأيكم لإنقاذ نصف المجتمع من مغبة ما يعانيه من أهوال وفيه الام والجدة والاخت والعمة والخالة والزوجة والبت والجارة والزميلة..واقول ” يتوجب علاج كل ما ذكرت آنفا بتظافر الجهود الخيرة ، وعدم التغافل عن أي منها اطلاقا ، اذا ان حصر مأساة المرأة العراقية في جانب من دون الاخر انما هو بمثابة عبث وتضييع جهد ووقت ، وجعجعة من غير طحن ، وزوبعة في فنجان ، وهواء في شبك ، وقصور في الفهم ، وتصحر في الوعي ، وجمود في الفكر ، وجفاف في الضمير ، لأن مأساتها كل لايتجزأ ، بمعنى أن التركيز على قضايا معينة فقط من دون المرور على بقية القضائا الشائكة والمؤرقة يعد مضيعة للجهود اذا ان مشاكل المرأة لاينفك بعضها عن بعض ، وليست القضية محصورة بحرية المرأة في الملبس و بممارسة الرياضة والرشاقة وعالم الأزياء والجمال والمكياج والاختلاط والموضة والسفر والترحال كما درجنا عليه في معظم مؤتمراتنا عن حقوق المرأة على حساب فواجعها الحقيقة التي لاتحصى والتي لايعد ما نطرحه ونناقشه سوى قطرة في بحر لجي ماله من قرار ،وعلينا الأخذ بنظر الاعتبار مأساتها ككل ومعالجتها بهدوء وروية وبعقل راجح ومن غير تغريب ولاتخريب، ومن غير افراط ولا تفريط ، ومن دون ان نذهل عن كل نساء المجتمع العراقي بكل فئاته واطيافه وطوائفه وأديانه وقومياته آخذين بنظر الاعتبار خصوصيات كل منهم وتقاليدهم وعاداتهم من دون تجاوز ولاتنمر ولاحط ولا استعداء انما هدفنا ورؤيتنا ورسالتنا هو انقاذ النساء،لا تحييدهن ولا اقصائهن ولاتهميشهن . اودعناكم اغاتي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here