من وثائق المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي: قُدُما.. نحو التغيير الشامل

تعاني البلاد من تداعيات الازمة العامة وحالة الاستعصاء ومن عجز القوى المتنفذة عن إيجاد الحلول والمخارج لها. وتتكاثر كل يوم المشاكل مستعصية الحل في إطار منظومة الحكم الفاشلة، القائمة على منهج المحاصصة الطائفية – الاثنية والبناء المكوناتي للدولة.
وتدفع الأوضاع المتردية وانسداد آفاق تحسنها على يد منظومة المحاصصة والفساد الحاكمة، بمجاميع كبيرة من أبناء شعبنا، خصوصا من الشباب المهمش الباحث عن أبسط مقومات العيش الكريم، إلى رفض هذا الواقع بأشكال ووسائل متعددة، والى التحرك في اتجاه احداث التغيير المنشود، والتوجه نحو ساحات الفعل الاجتماعي والسياسي والاحتجاحي، وهو ما يدلل على تحول ملحوظ في المزاج الشعبي والجماهيري، وإصرار على رفض الواقع القائم والمجيء بالبديل الذي يوفر الحياة الكريمة الآمنة للمواطنين، من دون تمييز لاي إعتبار كان.
ورغم ما قدمه الحراك الجماهيري الاحتجاجي وانتفاضة تشرين من معطيات جديدة، وما كشفا من عورات النهج المعتمد الفاشل في إدارة شؤون الدولة، فان ذلك لم يدفع القوى المتنفذة الحاكمة إلى اجراء مراجعة جدية. حيث لم تُقدِم على إجراء جوهري لتغيير المنهج والسلوك، وانما وبدلا من ذلك قام بعضها بمحاولات للتكيف لا أكثر.
ولا شك في ان الأمور لم تعد كما كانت قبل الأول من تشرين 2019، ولا قبل ما افرزته مخرجات انتخابات 2021. فقد تدفقت مياه جديدة وحملت معها الكثير من المعطيات والمتغيرات والطاقات، وساهمت الانتفاضة والحراك الشعبي والتظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات الواسعة متعددة العناوين، في تشديد الضغط لإدراج عملية مراجعة جدية لمنظومة الحكم، ولأسس إعادة بناء الدولة ونهجها وفي العملية السياسية، على جدول العمل.
فالمنظومة السياسية الحاكمة بمكوناتها المختلفة، التي تحاصصت مؤسسات الدولة وتقاسمت النفوذ والمغانم فيها وزرعت في مفاصلها عناصر الدولة العميقة أو الموازية، غير الخاضعة للرقابة والمساءلة، الى جانب شبكات الفساد، تمادت من دون رادع في الاستحواذ على المال العام، وفي تبديد موارد البلاد وثرواتها، وفي إفساد مؤسسات الدولة وتضخيم أعداد منتسبيها وفق معايير الولاء السياسي والانتماء الهوياتي، بعيدا عن معايير المواطنة والعدالة والنزاهة والكفاءة وقواعد الإدارة الرشيدة. وهذا ما أدى الى تعمق الفرز الطبقي والاجتماعي وعناصر الاستقطاب في المجتمع، لصالح أقلية تحتكر السلطة والمال والاعلام والسلاح، وتتناقض مصالحها مع تعمق فجوة الفقر والحرمان والتهميش، مع مصالح غالبية فئات وشرائح المجتمع التي تشتد معاناتها، لا سيما منها الأقسام الواسعة من الشباب المهمشين الذين يفتقدون ابسط مقومات العيش الكريم، كذلك جماهير العمال والفلاحين والمزارعين والكسبة والكادحين، وصولا الى بعض الفئات الوسطى من موظفين ومهنيين وتجار صغار.
وأوصلت المنظومة الحاكمة البلاد في نهاية المطاف إلى شفير الهاوية إن لم تكن تنزلق فيها بالفعل، جراء عجزها وفشل منهجها التدميري، حتى لم يعد هناك مع بقاء هذه المنظومة في الحكم، أفق حقيقي لوقف التداعي والانهيار.
في الوقت نفسه لابد من الإشارة الى ان انتشار السلاح المنفلت خارج اطار الدولة، وتشكيل فصائل ومليشيات مسلحة مرتبطة بقوى داخلية او كامتداد لاجندات خارجية، يلعب دورا معرقلا لاعادة بناء الدولة على أسس سليمة، فيما تثير ممارساتها المرفوضة قلق بنات وأبناء الشعب لما فيها من تضييق على الحريات وتخريب للاقتصاد الوطني وتهديد للسلم الأهلي.
لهذا كله غدا التغيير الشامل مطلبا جماهيريا واسعا، وضرورة يفرضها تطور الأوضاع في البلاد، والحاجة إلى ضمان تطوره اللاحق والحفاظ عليه ككيان وطني موحد. وهو تغيير لابد أن يقوم على مشروع يهدف إلى بناء دولة المواطنة، دولة القانون والمؤسسات الضامنة للحريات والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية. مشروع يستهدف كذلك إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي، والسير به على طريق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. كما انه مشروع وطني ديمقراطي يستجيب لحاجات الوطن والمواطن، ولعملية تعزيز البناء الاتحادي وتوزيع الصلاحيات بين الحكومة الاتحادية والاقليم والحكومات المحلية، ويتصدى للتحديات التي تواجه البلد والمنطقة، ويفتح الآفاق نحو بناء وحدة وطنية حقيقية، ويحفظ سيادة البلد ويجنبه التدخلات الخارجية ومحاولات ثلم القرار الوطني العراقي المستقل.
ولا شك أن هذا التغيير المطلوب لن يتحقق إلا بتغيير موازين القوى السياسية لصالح أصحاب المشروع ومناصريه وداعميه، وأن الوصول إليه يحتاج إلى حشد طيف واسع من القوى الداعمة، السياسية والمجتمعية، كما يحتاج الى برنامج وخطوات جريئة وارادة كافية لوضع العراق على سكة التغيير الشامل.
إزاء ذلك فان المطلوب بإلحاح من الشيوعيين والديمقراطيين وأنصار الدولة المدنية الديمقراطية ، ومن سائر أنصار الديمقراطية، ومن تنسيقيات الحراك المدني والشعبي والانتفاضة المجيدة، وقوى التغيير كافة، العمل على جمع وتوحيد الصفوف، والمزيد من المبادرات والتحركات والفعاليات الجماهيرية، لايجاد أوسع اصطفاف سياسي وشعبي ضاغط في اتجاه تحقيق التغيير في موازين القوى لمصلحة الغالبية الساحقة من الشعب، ولإقامة دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية الخالية من الفساد، ومن السلاح المنفلت.

ان امامنا وكل قوى التغيير مهام عديدة تتجسد في :

1. الضغط في اتجاه تشكيل الحكومة انطلاقا من مبدأ الاغلبية السياسية، وعلى اساس برنامج يلبي اهداف شعبنا وانتفاضة تشرين، الى جانب القدرة على اتخاذ خطوات عملية في اتجاه التغيير، ومراعاة الكفاءة والمهنية والنزاهة بعيدا عن المحاصصة الطائفية والاثنية، واعتماد هذه المعايير في اسناد الوظيفة العامة في المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية.
2. الكشف عن قتلة المتظاهرين والنشطاء، ومن يقف وراء القتلة، في انتفاضة تشرين 2019 وبعدها، وتقديمهم إلى القضاء لمحاكمتهم عن عمليات القتل والخطف والتغييب القسري، وإعادة الاعتبار لشهداء الانتفاضة وتعويض أسرهم واسر الجرحى.
3. تعزيز البناء الاتحادي وحل القضايا العالقة بين الحكومة الاتحادية والاقليم عبر حوارات جادة، مع الالتزام بالدستور نصا وروحا، وعبر اتفاقات رسمية معلنة وليس سياسية – حزبية، لا سيما بشأن الموازنة والنفط وعائداته والكمارك.
4. اتخاذ خطوات عملية لإصلاح جهاز الدولة وترسيخ بنائه المؤسسي، بإعتماد مبدأ المواطنة ومعايير الكفاءة والنزاهة، ونبذ المحاصصة والتمييز، وتطوير آليات العمل الإداري، وإشاعة الحوكمة الألكترونية للحد من الروتين والبيروقراطية، ومحاربة الفساد والترهل ورفع مستوى الأداء، وتوفير كل أشكال الدعم الضرورية لضمان سيادة القانون والمؤسسات الدستورية، والفصل بين السلطات وتأمين استقلال السلطة القضائية، وتفعيل مبدأ المواطنة ومساواة المواطنين أمام القانون، وضمان تمتعهم بحقوقهم وحرياتهم العامة والشخصية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتصدي لمحاولات التدخل الخارجي في شؤون بلدنا على حساب سيادته واستقلاله وقراره الوطني المستقل.
5. التخلص من نهج المحاصصة الطائفية والاثنية في العملية السياسية، وفي بناء الدولة ونهجها وسياستها القائمة على تقاسم السلطة والثروة عبر تسييس الهويات الاجتماعية وتفتيتها دينيا ومذهبيا وقوميا ومناطقيا، وإنهاء مظاهر الاستقطاب الطائفي والاثني، وتكريس الوحدة الوطنية.
6. محاربة منظومة الفساد ومحاسبة الفاسدين سارقي المال العام، واسترجاع الأموال المنهوبة من قبلهم وإجراء محاكمات عادلة لهم، وتفعيل دور الادعاء العام، وتطبيق قانون الكسب غير المشروع ومبدأ عدم الإفلات من العقاب.
7. ضمان الأمن والاستقرار وعودة الحياة الطبيعية في البلاد والتصدي للارهاب، وبناء مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية وسائر المؤسسات الأخرى على أسس ديمقراطية، وعلى وفق قواعد الولاء للوطن، وتحديد واجباتها كما جاءت في الدستور، وبعيداً عن نزعة التحزب الضيق والمحاصصة.
8. احترام حقوق الإنسان، وضمان الحريات الشخصية والعامة، وتكريس مفهوم المواطنة ومبدأ المساواة بين المواطنين من دون التمييز بينهم.
9. الدفع نحو تبني استراتيجية تنمية مستدامة وخطط تنموية متوسطة وقصيرة الأجل، بالاشتراك مع حكومة الاقليم والحكومات المحلية، تهدف إلى توسيع وتنويع وتحديث قاعدة الاقتصاد الوطني، وتنمية قطاعاته الإنتاجية وتغيير طابعه الريعي الأحادي الجانب، وتنمية القدرات البشرية والمادية، وتطوير البنى التحتية والخدمات الأساسية، والاستخدام العقلاني والكفؤ لموارد البلاد، بما يحقق مستوى ونوعية حياة أفضل لجميع المواطنين. كذلك اعتماد سياسة استثمارية رصينة من خلال تشجيع الاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية، بما يسهم في عملية التنمية والإعمار، الى جانب إعادة نظر شاملة بالوصفات الجاهزة للمؤسسات المالية الدولية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة، لدرء آثارها الكارثية على حاضر ومستقبل البلد.
10. إنشاء صناديق سيادية استثمارية وتنموية بإدارة مهنية مستقلة، تعتمد الكفاءة والنزاهة، وتحت إشراف ورقابة مجلس النواب.
11. التحول في إعداد الموازنة العامة نحو موازنة البرامج، وإعادة هيكلتها باتجاه تقليص الانفاق غير الضروري وإلغاء الامتيازات غير المبررة، وترتيب أولوياتها لصالح قطاعات الخدمات العامة وتوفير إمكانات التنمية

.12 وسعيا لتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية يتوجب:

أ. الضغط للحيلولة دون إلقاء تبعات الأزمة المالية والاقتصادية على الطبقات والفئات والشرائح الفقيرة والمعدمة، وذوي الدخل المحدود والكادحين عموما، مع توفير المزيد من الدعم والاسناد لهم، وتلبية احتياجاتهم المعيشية، وتقديم الخدمات الأساسية لهم، وضمان حقوق ومصالح العاملين في مختلف القطاعات، وشمولهم بقانوني العمل والتقاعد والضمان الاجتماعي والصحي.
ب. مكافحة البطالة، خصوصا في أوساط الشباب، وجعلها احد الاهداف الرئيسية للسياسة الاقتصادية.
ت. تحسين الخدمات العامة، واعتبار ذلك من أولويات السياسة الاقتصادية للدولة.
ث. بناء منظومة صحية حديثة ومتكاملة، وضمان تقديم خدمات الرعاية الصحية المجانية، العلاجية والوقائية.
ج. وضع قطاع التربية والتعليم ضمن الأولويات المهمة، وتخصيص الموارد المالية والمادية والبشرية اللازمة له، بما يؤمن إصلاح المنظومة التربوية والتعليمية والنهوض بها في مختلف مراحلها.
ح. معالجة أزمة السكن عبر استراتيجية اسكانية متكاملة، تقوم على سياسة تجمع بين مشاريع إسكان تمولها الدولة للفئات والشرائح ضعيفة الدخل، وتيسير الإقراض العقاري للفئات متوسطة الدخل.
خ. توفير خدمات النقل العام والشحن، وتطوير شبكات الطرق السريعة التي تربط محافظات ومدن العراق ببعضها، وبالطرق الدولية.

13- الدفاع عن حقوق المرأة ومكتسباتها، وضمان مساواتها واستبعاد التمييز ضدها، وتمكينها، وتوسيع دورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
14- إيلاء اهتمام خاص بالشباب، وضمان تمتعهم الكامل بالحقوق والحريات المكفولة دستورياً في التنظيم والتعبير، الى جانب تهيئة متطلبات مشاركتهم في الحياة السياسية، وتمكينهم من تبوء مواقع قيادية في الدولة والمجتمع.
15- ضمان حرية الثقافة والابداع، واحترام التعددية الفكرية والسياسية في ثقافتنا الوطنية، والعمل على ازدهارها، ورعاية الثقافة والمثقفين ومنظماتهم واتحاداتهم.
16- اعتماد الإدارة اللامركزية وتوزيع الصلاحيات بين المركز والمحافظات، وتحديد صلاحيات المؤسسات الاتحادية والتابعة لإقليم كردستان، وفي الحالين على وفق الدستور والقوانين النافذة.
17- حصر السلاح بيد الدولة وبمؤسساتها الشرعية، ونزعه عن الفصائل والجهات الخارجة عن القانون على اختلاف مسمياتها، وتطبيق قانون الأحزاب السياسية الذي يحظر الاحزاب ذات الاجنحة المسلحة.
18- إصلاح المنظومة الانتخابية بما يضمن اجراء مفوضية الانتخابات العليا المستقلة انتخابات حرة ونزيهة ومتكافئة، وفي ظل قانون انتخابي عادل، وابعاد العملية الانتخابية عن سطوة المال السياسي، وعن توظيف مواقع السلطة والنفوذ، وتفعيل قانون الأحزاب السياسية، وخلق بيئة آمنة تؤمن مشاركة واسعة.
19- تحقيق المصالحة المجتمعية والسلم الأهلي، وتأمين عودة المهجرين والنازحين والكشف عن مصير المغيبين والمخطوفين ، وإعادة النظر في مؤسسات العدالة الانتقالية مثل هيأة المساءلة والعدالة، وإحالة جميع القضايا ذات العلاقة إلى الوزارات المختصة والقضاء.
20- وضع استراتيجية بيئية تتناسب مع حجم المخاطر المرتبطة بتدهور الوضع البيئي محليا وعالميا، وتحدد اسهام العراق في الخطط الدولية لمواجهة التغيرات المناخية في العالم وعواقبها الكارثية، مع زيادة قيمة وحجم الموارد المادية والمالية المخصصة للبيئة، وإطلاق حملة شاملة لحمايتها .
21- اعتماد سياسة خارجية متوازنة وبعيدة عن سياسة المحاور، مبنية على مبادئ وقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، سياسة تؤكد وتحفظ وحدة وسلامة الأراضي العراقية والقرار الوطني المستقل، وتعمل على استكمال استقلال العراق وسيادته الوطنية وحرمة أجوائه ومياهه وثرواته، واستكمال اجراءات إخراجه من الفصل السابع.
إن الحزب الشيوعي العراقي يسعى بمثابرة، عبر مساهمته الفاعلة في الحراك الشعبي والجماهيري متعدد الأشكال، وعبر علاقاته مع مختلف الأوساط والقوى الاجتماعية والسياسية، إلى دفع عملية التغيير الى الأمام حتى الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والطائفية السياسية، وتحقيق الوحدة الوطنية وتدشين بناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.

المؤتمر الوطني الحادي عشر
للحزب الشيوعي العراقي
تشرين الثاني 2021

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص3
السبت 4/ 12/ 2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here