طَبَق التونة !!… قصة قصيرة.

بهزاد بامرني

٧ / ١٢ / ٢٠٢١

طَبَق التونة !!…

قصة قصيرة.

==========

بينما كان الشاب يُحَدِّقُ النظر في طبق التونة الموضوع أمامه، وكأنه يتحدث إليه.

كان الأب المليونير، صاحب أكبر الأسهم في قطاع صناعة الأسلحة في العالم، الجالس أمامه على الطرف الآخر من مائدة الطعام، يُراقبه عن كَثَبْ.

دعاه الفضول أولاً لأن يطلب من إبنه بأن يأكل طعامه قبل أن يَبرد.

لكن قسمات وَجْهِ الأخيرِ، وكأنه يُصغي إلى شخص آخر يحاوره بِجِدِّيةٍ.

دَفعت بالأب الى التريث قليلاً، وتركِه وشأنِه بعض الوقت.

بَعد مُضيّ ما يُقارب العشر دقائق، إتّكأ الإبن على الكرسيّ وكَأنه يتنفس الصعداء.

مما يوحي للأب، بأن الحوار بين ابنه وبين طَبق التونة قد إنتهى كما يبدو.

لِيبادره بالقول : لماذا لا تأكل يا بني ؟

الإبن : لا أعرف، لكن فقط لا أريد أن آكل.

الأب : بإمكانك أن تطلب نوعاً آخر من الطعام.

الإبن : شكراً، المشكلة ليست في نوعية الطعام يا أبي، بل في إحساسٍ كئيب يَتملّكُني كُلما جَلستُ على مائدة الطعام.

الأب : أيّ إحساس غريب هذا يا عزيزي، منذ متى وأنت على هذه الحال ولم تخبرني بذلك ؟!!…

الإبن : لا أعرف بالضبط لماذا ومتى أصبحتُ هكذا يا أبي ؟

لِيواصل الإبن كلامه بشيء من عدم الارتياح :

كل الذي أعرفه، هو هذا الإحساس بالضيق، وكأن طبق التونة اللعين هذا يُحدّثني، ويقول :

هل فَكّرتَ يوما أيها الشاب الوسيم بالثمن الباهظ لهذه الأطعمة التي تتلذذ بها يومياً، مُحاطاً بالخَدم والحَشَم ؟

إن كنتَ تظن أن أباك هو الذي يدفع الثمن !!…

دعني أقول لك، أنك مخطئ تماماً.

نعم، والِدُكَ رجل ثريٌّ يمتلك الملايين، هذا ما لا يمكن إنكاره.

لكن السؤال : من أين أتتْ هذه الملايين ؟!!…

هل فكرت يوماً بمصدرها ؟

ملايين أبيك يا صديقي، لم تأتِ من عمل شريف يُقدّمهُ والدك للبشرية.

بل جاءت على حساب دموع ودماء وأوجاع اُناس أبرياء، لا حول لهم ولا قوة.

أناسٍ قد يَبعُدون عنك آلاف الكيلومترات، ولم يسبق لك أن إلتقَيت بهم في حياتك كلها.

لم يُلحقوا الأذى بك ولا بأبيك يوماً، ولا بأي إنسان على وجه الأرض.

كل ذنبهم، أنهم أُناس طيبون مسالِمون وبُسَطاء، لا يعرفون ذلك الخبث والجشع الذي يتميز به أصحاب الثروة والنفوذ.

أقصى أمنياتهم أن يعيشوا على أرضهم بسلام كما الآخرين.

ببساطة أقول :

مَلايين أبيك تأتي من صفقات الأسلحة التي تستهلكها تلك الحروب التي يتفنن هو بِرسمها بريشة مُجرِمٍ فوق لوحة حياة البُسَطاء.

وأفضل مكان لِإشعال فتيلها حسب سماسرة السلاح، هو تلك البلدان الفقيرة التي يفتك بها الجوع والجهل والمرض.

وذلك بتحويلها إلى ساحة صراع دموي بين مكونات الشعب الواحد، بإثارة القلاقل والفتن والاضطرابات هنا وهناك، بل وحتى التخطيط للانقلابات و …

بل وأكثر من ذلك، وهو السّعي لاِدخال تلك البلدان في حُروب طاحنة فيما بينها.

هذه هي باختصار، حِرفةُ أصحاب رَبطات العُنق الانيقة والسيارات المُصَفَّحة الفارِهة من المسؤولين رفيعي المستوى في هذا العالم الهَمَجِيّْ.

اُولئك الذين يُصَدِّعون رؤوسنا طول الوقت بسيمفونية الديمقراطية وحقوق الإنسان.

فبعد أن تمتلئ حساباتهم بملايين الدولارات من عائدات صفقات الأسلحة القذرة تلك.

يقومون بعقد المؤتمرات الصحفية، ويعزفون على وتر الأمن والسلم والسلام العالميَّيْن ومكافحة الإرهاب و …

أما الأعلام التي ترفرف من خَلفهم، فهي بدورها تثبت حضورها أيضاً، حيث تتقاطر منها دماء ضحايا تلك الحروب العَبَثيّة المصطنعة.

لِتتلوَّن القاعة بِمَنْ فيها في خاتمة المطاف بِلَوْنِ الدَّمْ.

وهكذا، يتم ذبح الإنسان بإسم القانون وحقوق الإنسان.

وبالمقابل، يزداد الطلب على السلاح، وتزدهر سوقه وتَنتعش.

هذا ببساطة كل ما في الأمر.

ولا تَنْسَ هنا، أن أباك لم يَكنْ أوَّلُ مَنْ أجْرَمَ بِحَقِّ الإنسانية، ولن يكون الأخير بطبيعة الحال.

فمنذ القرن الخامس عشر، وذلك تزامناً مع ما باتَ يُعرف بعصر الاستكشاف بقيادة البرتغاليين ثم الإسبان، يليهم البريطانيون والفرنسيون والهولنديُون والايطاليون و … وإلى يومنا هذا.

والإنسان يَتَلَذَّذُ بشرب دم أخيه الإنسان ليل نهار، وهو يرقص فوق جِِراحِه الدامية على أنغام صرخات الوجع والألم.

إلى هنا إنتهى كلام طَبَق التونة على لسان صديقه المُحاوِر الشاب.

::::::::::::

هكذا، وبعد أن انتهى الابن من الحديث مع والده عن حِواره الإفتراضي مع صديقه الجديد، طَبَق التونة.

خَيَّمَ صَمتٌ مُطبقٌ على المكان بأسْره.

لِيَظهر السكرتير بعد ذلك فُجأةً ويكسر حاجز الصمت هذا، ويقول :

سيدي، الشركاء بانتظار قدومك للتوقيع على صفقة الأسلحة التي تم الإتفاق عليها مؤخراً.

نهاية القصة.

########

معلومة بسيطة تتعلق بالعنوان أعلاه.

سمكة التونة البحرية ذات الزعانف الزرقاء، هي من أغلى أنواع الأسماك في العالم بحسب بعض التقارير.

=================================

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here