قصة عشق نابليون بماري فالفسكا

قصة عشق نابليون بماري فالفسكا (*) د. رضا العطار

كانت هموم نابليون مقتصرة على الفتوحات والحروب، وذهنه منشغل في مكايدات امراء اوربا وملوكها. حتى صرفت اهتمامه عن حياة العشق وغرامياته. فكان لا ينظر الى المرأة الاّ بمقدار ما فيها من المحاسن التي تلبي شهواته الذاتية. فكان يشتهي دون ان يحب. ولكن المرأة التي كان يشتهيها كانت تجد فيه من صفات الرجولة وسمات العظمة والتفوق النادر والطموح الدائم الى السيادة ما كان يجعلها تتعلق به وتعشقه وتحبه حب التضحية. وقد عرف نابليون جملة نساء، اغلبهن اخلصن له وعشن على ولائه.

ومن هؤلاء النساء مدام ماري فالفسكا. كانت فتاة بولندية في الثامنة عشرة من عمرها. وكانت في غاية الجمال. كأنها دمية اغريقية. وكان في عينها حور. وفي اهدابها طول يزيد من قوة هذا الحور، واثره في نفس الناظر. وكانت تنتمي الى اسرة فقيرة. رآها احد اشراف بولندا فأحبها وتزوج منها.

حدث ان دخل نابليون بولندا عام 1807 . وهو على راس حملته الى روسيا. وكان البولنديون يتوسمون اليه بأن يخلصهم من الاحتلال الثلاثي ( روسيا والنمسا والمانيا ) لبلادهم. ليعيد اليهم استقلالهم. فكانت عربته لا تدخل الى بلدة من بلادهم حتى كانت طاقات الورد تغمرها وتنثر تحت ارجل خيولها. ولهذا الهدف تطوع في الجيش الفرنسي آلاف من البولنديين الذين كانوا يرجون ان يحققوا استقلال بلادهم على ايدي نابليون. وكان نابليون يعرف قيمة هذا الامل في تقوية جيشه. فكان يمنّي البولنديين بالوعود الخلابة والتي كان يعرف هو نفسه كذبها وعدم امكان تحقيقها.

فبينما كان نابليون في مدينة برونية سائرا في عربته والهتاف يتعالى والنساء يزاحمن الرجال، وعطر الزهور يعبق في الهواء واذا بصوت فتّان يقول للجماهير: دعوني امر حتى اراه ولو لحظة واحدة. وكان هذا صوت ماري فالفسكا، التي شقت طريقها اليه وصارت امام العربة حتى قالت: ارحب بك ثلاثا يا مولاي. اننا مهما قلنا او فعلنا فلسنا نقدر على ان نترجم مشاعرنا بالفرح لمقدمك وعن رجائنا بان تخلص بلادنا من الظلمة.

فتأثر الامبراطور من جمالها الأخاذ وانحنى امامها واخذ باقة من الورد وقدمها اليها قائلا: خذي هذه برهانا على اعجابي. واني ارجو ان التقي بك في فارصوفيا لكي اسمع من هاتين الشفتين كلمات الشكر … ولم يكن نابليون ممن ينسون شيئا يسر او يضر. فما هو ان وصل هناك حتى سأل عن الفتاة وطلب قدومها اليه … ولم تمضي ساعات حتى كان امير بولندا نفسه يرافقه آخرون من النبلاء، قد وصل الى منزل الفتاة يسألها التوجه الى الامبراطور. وتعجبت الفتاة من هذه الدعوة فغمرها الحياء. ثم قال الاميرـ

( هذا ما امر به جلالته ان تحضري حفلة العشاء هذه الليلة، عسى ان يكون الله قد قدر تحرير بلادنا على يديك )

كانت ماري تغالي في وطنيتها وتتوق الى استقلال بلادها، فكانت هذه المشاعر تغريها للذهاب الى نابليون، ولكن شيئا وسوس في صدرها بان نابليون لا يبغي خيرا من هذه الزيارة، فترددت واحجمت. وفي الصباح التالي سلمتها الخادمة خطابا آخر فاخذته ورفضت ان تفتحه. ثم توافد جمع الاهالي الذين عرفوا بخبر هذه الدعوة الى بيتها وصاروا يلحون عليها في تلبية دعوة الامبراطور حتى زوجها نفسه لم يحجم عن التضحية بعرضه الشخصي وشرفه الاجتماعي لاجل منفعة وطنه، فاخذ هو الاخر يلح عليها بالذهاب.

فلما التأمت الوليمة مرّ نابليون على المدعويين ووقف عندها وقال : سمعت ان المدام كانت متوكعة، فعسى ان تكون قد شفيت. وعندما انتهت السهرة طلب الى ماري ان تبقى. فما كادت تستريح حتى جائها نابليون وجلس قريبا منها دون ان يلاصقها واخذ معها في الحديث حتى اطمأنت وانست به، وانقضى الوقت بسرعة و اوشك النهار ان يطلع، قال لها: ( والان يا حمامتي … اذهبي الى دارك واستريحي ولاتخشي النسر، وسيأتي وقت تحبينه، فينفّذ لك جميع امنياتك ) ثم ارسل اليها مجموعة من الجواهر.

وعندما استقبلها في اليوم التالي ولم يجد قطع الالماس على جسمها عنفها قوله: لِم لم تلبسي الالماس الذي ارسلته لك ؟ هذه مسبة لا اطيقها. يجب ان تعرفي اني منتصر عليك وانه يجب ان تحبيني. يجب ان تحبيني فاني قد رددت الى بلادك اسمها وحظها، انها الان في كفي … ثم اخرج ساعته وقبض عليها وقال: ( انظري الى هذه الساعة ! ان بلادك في يدي الان مثل هذه الساعة، واني اقدر على ان امزقها شذر مذر اذا لم تجيبي طلبي. واتركها شظايا كما افعل بهذه الساعة، )

ثم رمى الساعة بكل قوته الى الحائط، فذهبت شظاياها في كل جانب من الغرفة. فإرتاعت ماري لهذا المنظر فاغمي عليها وافاقت وهي بين ذراعي نابليون.

وبعد ذلك صارت ماري عشيقته، لا يفارقها في حروبه قي الخارج او زمن السلم في باريس.

واحبته هي حب العبادة. فكانت تضحي بكل شيء من اجله. ولم تكن تطمع في شيء سوى حبه. حتى انه عندما انهزم واستأسر عام 1815 ونفي الى جزيرة هيلانة، طلبت ان تذهب معه، ولكن حيل بينه وبينها وعاشت مدة قصيرة بعده. وكانت آخر كلمة لفظتها وهي في نزع الموت هي: نابليون !

وقد ولدت ماري لنابليون ولدا، عاش الى سن الشيخوخة، وقد عينه نابليون الثالث في المناصب العليا في الدولة، فأداها بذمة وأمانة.

* مقتبس من كتاب )الحب في التاريخ( للعلامة سلامه موسى .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here