العمران في القرآن الكريم (الحلقة الاولى) (مصطلح العمران)

الدكتور فاضل حسن شريف

لم ترد كلمة عمران حرفيا في القرآن، ولكن توجد مشتقات منها الآية الكريمة ” وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا” (الروم 9) أي عمروا الارض. قال احد الحكماء (وما العمران في الخراب الا كفسطاط في الصحراء). وابن خلدون سمى علم الاجتماع بالعمران لان العمران هو الذي يولد المجتمع. ومن هنا جاءت كلمة المستعمرات او المستوطنات ” هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا” (هود 61). وامر الله الانسان ان يستعمر الارض لانه خليفته على الارض “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً” (البقرة 30) وليس كما يأمر الظالم من اتباع الشيطان الذي يريد عمارة ممتلكاته وحاشيته. وعندما تأتي الأمة الصالحة بعد ان تسقط الأمة الظالمة فعليها ان تعمر الأرض التي أتلفها الظالم “وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ” (يونس 13-14). ولهذا يستنتج من ايات الاستعمار والاستخلاف ان العمران يعد من الأمور المطلوبة شرعا والتهاون به يعتبر أحد أنواع الفساد في الأرض “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” (الأعراف 56).

والعمران يعني التحضر عكس البداوة في الأماكن المتباعدة. والمدينة العامرة يسميها القرآن أم القرى “وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا” (الشورى 7)، و ” وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا” (الأنعام 92)، بينما العكس هي القرى المشتتة غير العامرة كما هو حال الأرياف في الوقت الحالي “مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى” (الحشر 7) وهي مجموعات سكنية صغيرة يؤخذ منها الفيأ، و “لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ” (الحشر 14) وهي مواقع صغيرة متفرقة يسهل تحصينها.

استخلف الله سبحانه الانسان لخلافتها وعمارتها “وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ” (الأنعام 165). وحتى يتمتع الانسان بالارض عليه عمارتها ” وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ” (الأعراف 24). والله تعالى مهد للانسان الأرض ليسهل تعميرها “أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا” (النبأ 6) فالسهول تسهل فيها العمارة افضل مما في الجبال. لهذا تنشأ المدن والمجمعات السكنية في السهول مثل وادي الرافدين ووادي النيل وهذه رحمة من الله “أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا” (الزخرف 32). والرحمة تنزل على الذين لا يخربون العمران ولا يفسدون في الأرض “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” (الأعراف 56). والعمران ضد الخراب فهذا المسجد الحرام ” وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ” (التوبة 19) وذاك البيت المعمور “وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ” (الطور 4).

والعمران بدون إيمان بالله يصبح وبال كما حصل لقوم عاد “أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ” (الشعراء 128). فمتاع الدنيا يجب ان يتبعه شكر وطاعة لله لان ذلك المتاع والعمران سببه الله تعالى الذي سهل كل ذلك “وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ” (الزخرف 33). فكثير من الناس ينزل عليهم الله من بركاته ومنها العمران ولكنهم ينسون ذكر الله فيأتي عليهم البلاء من حيث لا يشعرون كما حصل في التأريخ القديم والحديث بأن يسلط عليهم ظالم لا يرحمهم او يستشري فيهم الفساد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here