كيلو شِعر بربع ! : قصة قصيرة

كيلو شِعر بربع ! : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

انتبه إلى صوت اجش و حاد اشبه بصراخ متوجع ، يصيح دافعا عربته العتيقة ذات عجلات مزنجرة تصر صريرا عاليا عند محاذاة الشارع ، فيصيح بين وقت وآخر :
-ـــ كيلو شِعر بربع ! ..كيلو شِعر بربع !..
في البداية تصوّر ان صاحب الصوت يقصد الشعير و ليس شِعرا أو قصيدة .. غير أن الصوت الجش ارتفع ثانية وهو يصيح مخاطبا مشترين افتراضيين من ببن زحام مارة مستعجلين إلى شأنهم :
– كيلو شِعر بربع و ليس، كيلو شعير !.. يعني كيلوا قصيدة بربع دينار .. يعيش هالرخص ..ما احلاك يا رخص ..ربع دينار واحد وبس..يعني بلاش تقريبا … شوفوا اغلفة حلوة ملونة و صقيلة …كأنها الآن خرجت من المطبعة حارة و برائحة حبر فواحة وطيبة ! ..

فاقترب هو بدافع الفضول من عربة الكتب ، فوجد فيها أكواما متراكمة من مجموعات و دواوين شعرية ، و بعضها كان عبارة عن أعمال شعرية كاملة ! وذات أغلفة انيقة و جميلة حقا ! ..
ففكر أنه كم كانت غالية جدا نفقات الطبع على عاتق المؤلف الطامح إلى شهرة ومجد و خلود !..
غير إن قليلا من مارة كانوا يتوقفون لبرهة ليلقوا ا نظرة حب استطلا ع عابرة ومستعجلة على أكداس الكتب تلك ، ثم يواصلون سيرهم قُدما نحو غايتهم المبتغاة دون أدنى رغبة في الشراء …
و ابتعد هو الآخر بعدما اقتنى اربع مجاميع شعرية دون تعيين أو تركيز على مؤلفين أو مؤلفات .. فقط لكي يشجع البائع فحسب مقدّرا جهده و تعبه و سعيه إلى عمل شريف و نزيه ، ثم انصرف مندهشا هو الأخر من هذا الكم الشعري الهائل ومن قلة قراء أيضا ..
فخطر على باله ما كتبه ذات مرة ما معناه : نحن قوم أكثرنا يكتب و أقلنا يقرأ !..
في أثناء ذلك استمر الصوت الأجش ، الصوت المرير من أجل لقمة خبز عصية ، بإطلاق صيحاته المشجعّة للمارة و من أجل إغوائهم نحو الشراء ، وهي ــ أي تلك الصيحات ــ لا زالت تأتيه بنفس النبرة المرتفعة و ذات شكوى مريرة من قلة المشترين :
— شعر بربع يا أحباب يا حلوين … ــ وكأنه يغني ــ .. يا محلاك يا رخص يا محلاك .. و الله شبه بلاش تقريبا يا حبابين …أغلفة حلوة و مصقولة بياضها الشفاف و………
و بينما هو توغل بعيدا ، غابت عنه تلك الصيحات المريرة ، شيئا فشيئا ثم تلاشت نهائيا ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here