خطوات العبودية منذ الولادة

خطوات العبودية منذ الولادة :
بقلم ( كامل سلمان )
الكل يعتقد بإننا نولد أحرارا في هذه الدنيا ، احرار في كل شيء ثم بتأثيرات العائلة والمجتمع والبيئة نفقد تدريجيا هذه الحرية ثم بمرور الايام والسنين ننخرط من حيث لا نعلم تحت سقف العبودية أو نصبح أحرارا حسب مفهوم الحرية التي تعلمناها خطئا لإن عبودية الفكر عندنا معفية من هذا التصنيف ، ومفهوم ولادة الإنسان حرا أكدت عليه آراء الشخصيات التأريخية و العظماء وحتى بعض الفلاسفة . ولكني أرى العكس تماما ، فالإنسان يولد ومستوى الحرية عنده صفر ، وكلما تقدم بالعمر يبدأ عنده الشعور بالحاجة الى الحرية ، فمنهم من يستمر بالتحرر ولا يتوقف ومنهم من يتوقف عند إرث الأباء والأجداد ليحافظ على العبودية الموروثة ويبدأ تدريجيا بالإستسلام ومن ثم الدفاع عن تلك العبودية بل وتصبح جزء من ثقافته وتركيبته ثم يعتبرها إرثا إنسانيا وهي أقذر انواع العبودية ، وهو بالحقيقة أخفق في نيل الحرية فأستسلم وأراح نفسه لعدم قدرته النهوض بنفسه وهو حر . وهذا الكلام يشمل كل أنواع العبودية ( الإجتماعية ، الدينية، القومية ، الفكرية وحتى المادية ) ، إذا نحن بالحقيقة ولدنا عبيد والحرية كانت حاجة ملحة لتطوير أنفسنا ، فكل عظماء التأريخ قد تحرروا بنسب متفاوته وهذا ما جعل لهم بصمة واضحة في تأريخ الإنسان .
الخوف والضعف من داخل الذات والمجتمع المفروض من خارج الذات والسلطة والموروثات ، كلها تقف حواجز ضد زحف الإنسان نحو الحرية التي يولد من أجلها الإنسان وبها يستطيع تحقيق المكاسب الصعبة ، وهذا يعني ان طريق الحرية مليء بالأشواك طريق محفوف بالمخاطر و لكن بنفس الوقت لا حياة للإنسان بدونها ، هذا قبل ان تصل الى مرحلة التحرر من الظالمين او الجبابرة او التحرر من الشبكة العنكبوتية التي تولد معك وهي تحيط بك من كل مكان . بمعنى أخر على الإنسان ان يقاتل نفسه قبل ان يبدأ بغيره لكي يستمر في حصاد الحرية ومتى ما توقف توقفت عنده فعاليات وجوده على الأرض .
الجبريون ( الذين يؤمنون بإن الإنسان مجبر بأفعاله وغير مخير منذ لحظة الولادة وحتى الممات ) يضعون الإنسان في صندوق مقفل لإنه لا حول له ولا قوة ويقتلون حرية العقل عنده في مهدها ، وأما الأختياريون او المخيرون ( الذين يؤمنون بإن الإنسان مخير بأفعاله وغير مجبر منذ لحظة الولادة و حتى الممات ) يضعون الإنسان في حرية تامة بكل سلوكياته وأفعاله فقط في الكلام لأنهم لم يستوعبوا المعنى الحقيقي لحرية العقل المسلوبة أصلا منذ الولادة ، بينما لو رجعنا الى التطورات الهائلة التي صاحبت حياة الإنسان وخاصة في القرنين الأخيرين هي بالحقيقة تحرر الإنسان من هذه المفاهيم الصلبة المقيتة التي تقيد عقلية الإنسان وهذا التحرر أعطى ثقة كبيرة للإنسان بنفسه وأعطته سبل الوصول الى جوهر الحرية ليقول كلمته و ليبين المعنى الحقيقي لحرية العقل ، فبدأت الحياة تتغير والقوانين تتغير والمفاهيم تتغير وأساليب التربية والتعليم تتغير وأصبح كل شيء خاضع للرأي العلمي ، ولم يولد هذا الشيء أعتباطا بل بسبب واحد هو إجتياز الإنسان للخطوط الحمر التي وضعتها نفسه والمجتمع امامه وداس عليها ليقفز الى الأعلى بعد ان عرف ان للعبودية حيل وخدع هي نفسها تتكرر بوجوه مختلفة ( مرة بأسم الأخلاق ومرة بأسم الدين ومرة بأسم القومية والعادات وغيرها ) وفي جميع الحالات يقف وراءها مجاميع من قساة القلوب والضمائر الذين تكتمل سعادتهم بحرمان الأخرين من السعادة ، واحيانا هؤلاء قادرون ان يجعلوا الناس تصارع من اجل لقمة العيش لكي لا يعرفوا لأنفسهم قيمة تذكر ، ويضعون امام الناس اقوال السابقين التي يضفون عليها القدسية فتصبح هذه الاقوال هي المساحة المسموحة للتحرك . ولكن يبقى لكل إنسان فرص مع الأيام للتخلص من هذه الشبكات العنكبوتية التي جاءت معه منذ الولادة وفي كل لحظة يذعن لها تستعصي عليه بشكل كبير الحلول حتى تشل قواه وتدفعه الى الرضا والتوقف فيعود الى المربع الأول وهو مربع الولادة كلعبة ( الحية والدرج ) عندما تبتلعك الحية وانت في مراحل متقدمة من الصعود فتعيدك مخذولا الى الصفر . الإنسان بمجرد ان يدرك هذه الحقائق يبدأ بتنشيط قواه ليتحرك في إزاحة كل ما من شأنه تقييده وشل إرادته لكي يأخذ من الدنيا حقه وليعطي للدنيا حقها فبذلك يكون قد أثبت عظمة هذا الكائن وتفوقه على باقي الكائنات . منظومة الحرية في عقل الإنسان لا تقف عند حد معين ولا يمكن تحديدها من قبل اكبر قوة في الأرض اذا ما سارت بالطريق الصحيح فإنها ستخلق حياة من نوع أخر ليس في حسابات العقل ولا حتى في حسابات الخيال ، ستكون سببا لتفجير طاقات لم يحسب لها الإنسان حساب ، هذا هو الإنسان وهذه حقيقته وما أصابنا من خمول جيل يعد جيل لم يكن الا بسبب القيود التي وضعت على العقول وأستحالة تجاوزها وحتى هذه اللحظة تتعرض لأقسى انواع التعنيف بمجرد ان تحاول خلع هذه القيود او ازالتها . فمشكلتنا ليست العبودية نفسها بل المدافعين عن العبودية ولا يعرفون إنهم يدافعون عن العبودية ، هذه هي العقبة الأصعب . كنت أتصور بإن العقول لها القدرة على التمدد لتدخل حدود المستحيل وهذا ما يحصل فعلا في اماكن عديدة من الارض ولكني لم أكن أتصور على قدرة عقول أخرى على التيبس والتحجر الى درجة إنها تتجرأ لقتل العقول المتحررة مع العلم إنها قادرة ان تكون مثل أختها متحررة لكنها ترفض. ورفضها نابع من عمق كبير بل وأستخفافا بالعقول المتحررة وهذا التشعب في المشكلة تصعب الطريق وتزيد من فرص الحية التي تبتلع الصاعد في لعبة الحية والدرج . وأخيرا على الجميع ان يتيقنوا بأن الحرية ( تسونامي ) عندما تقترب ستقتلع كل جذور العبودية منذ ان خلق الإنسان الى يومنا هذا ، وهي قادمة لا محالة وان كانت قد تأخرت قليلا عنا ، وعند قدومها يجب ان يكون المتطلعين الى الحرية من اوائل المستقبلين لها ، فقد انطوى الزمان الذي يتلذذ به الإنسان بقيم العبودية المغلفة بالعناوين الكبيرة كالدين والوطن والقوم والعادات والشرف والاخلاق وغيرها .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here