رئيسة تشيلي ورؤوسائنا؟

رئيسة تشيلي ورؤوسائنا؟
علاء كرم الله

قلة من الرؤوساء من تركوا ويتركوا أثرا طيبا في نفوس شعوبهم وتبقى ذكراهم عطرة في حياتهم وبعد رحيلهم ، وأتكلم هنا عن الرؤوساء في أوربا والغرب وليس عن القادة والرؤوساء والملوك العرب الذين لم يحظى غالبيتهم بأحترام ورضا شعوبهم!0 لقد أثار منظر توديع رئيسة تشيلي ( ميشال باشليت) لشعبها بعد أنتهاء ولايتها لرئاسة الحكومة ، والذي تناقلته قبل فترة كل وسائل الأعلام العالمية وكل مواقع التواصل الأجتماعي أثار ضجة كبيرة لدى كل شعوب العالم وليس الشعب التشيلي فحسب ، فالمشهد يدل على عمق الحب والتقدير الصادق بينهم ، لاسيما وأن الشعوب في أوربا والعرب لا يعرفون النفاق والتملق لرؤوسائهم كما في الشعوب العربية!0 أن مثل هذه الصور والمشاهد قليلة الحدوث ، فالكثير من الرؤوساء يأتون ويذهبون بصمت في عموم أوربا وأمريكا اللاتينية والجنوبية ويندر أن يودع الشعب رئيسه بهذا الحب وبهذه الحفاوة ، وهنا لابد من أن نؤكد أن هذا لا يعني أن الرؤوساء والقادة والزعماء الباقين هم سيئين! ، ولم يعملوا لشعوبهم بأخلاص وبتفاني ، بل بالعكس فكل القادة والرؤوساء أتسم حكمهم بالأخلاص والوطنية والمصداقية والنزاهة ولكن هناك المتميزون بينهم من أمثال الرئيسة ( باشليت) موضوع مقالنا 0 ومن الطبيعي أن الشعوب العربية تتأثر بمثل هذه المشاهد أكثر بكثير من بقية شعوب العالم! ، ويصحب تأثرها حسرة كبيرة فيها الكثير من التمني بأن لو كانوا الرؤوساء والقادة والزعماء والملوك العرب ، يحضون بهذا المستوى من الحب والتقدير والأحترام في علاقتهم مع شعوبهم! ، هذا أذا أستثنينا بعض الرؤوساء والقادة والزعماء العرب الذين لا يعدون على أصابع اليد قد تركوا أثرا طيبا لدى شعوبهم!0 نعود الى مشهد توديع الرئيسة ( باشليت) حيث أصطف الشعب التشيلي يحيي رئيسته ويلوح ويصفق لها ويودعها بكل نظرات الحب العفوي والصادق ، حيث أختلطت مشاعر الفرح والألم بوقت واحد على صورة المشهد ، وكان ذلك واضحا في عيون الشعب وعيون رئيستهم التي كانوا يرونها كأم حنون ورؤوم للشعب التشيلي ، وهي كانت كذلك فعلا0وللتعريف أكثر بالرئيسة ( باشليت) وبتاريخها السياسي والنضالي ، فهي عضوة في حزب تشيلي الأشتراكي ، كما أنها صاحبة تاريخ عريق بالنضال ضد الحكم الديكتاتوري لرئيس تشيلي الراحل الجنرال ( بينوشيت) الذي ساعده الأمريكان للقيام بأنقلاب عسكري ضد الرئيس التشيلي الوطني والمناضل اليساري ( سلفادور أليندي) عام 1973 ، فقد أودعت السجن مع عائلتها وتوفي والدها وهو جنرال بسلاح الجو من شدة التعذيب بالسجن ، وقد صدر عليها وعلى والدتها حكم بالأعدام ولكن تم أستبدالها وطردها الى خارج تشيلي!0 والرئيسة (باشليت) هي طبيبة وسبق لها أن شغلت منصب وزيرة الصحة وبعد ان درست الأستراتيجية العسكرية شغلت منصب وزيرة الدفاع ، في حكومة الرئيس التشيلي السابق قبل أن تنجح بالفوز بالأنتخابات لتصبح رئيسة وزراء تشيلي، وهي تجيد أضافة الى لغة الأم الأسبانية ، اللغة الأنكليزية والألمانية والبرتغالية والفرنسية والأيطالية!! ، ورغم ذلك الكبرياء والحضور السياسي والأجتماعي اللافت والذي يليق بها شكلا ومضمونا! ، ألا ان العالم شاهد تواضعها وبساطتها وهي تحي ونودع شعبها الذي عاملتهم معاملة الأم لأبنائها! 0 أن حب الشعب التشيلي للرئيسة ( باشليت) لم يأتي من فراغ بل لأن هذه الرئيسة أستطاعت وخلال فترة رئاستها لتشيلي أن تجعل من تشيلي من أكثر دول أمريكا الجنوبية تقدما وأزدهارا ، حيث حققت لتشيلي أعلى درجات النمو الأقتصادي بالمقارنة مع الأرجنتين والبرازيل وبقية دول أمريكا الجنوبية 0 فقد قامت الرئيسة (باشليت)، بأصلاح النظام الأجتماعي والصحي والتعليمي وأصلاح البنى التحتية والطاقة ، وأستطاعت أن تحرز تقدما كبيرا في مجال العدالة الأجتماعية والرعاية الصحية المجانية لكبار السن وأيضا حققت الكثير من المكاسب للمتقاعدين بزيادة معاشاتهم من خلال القرارات التي أصدرتها ، وغيرها الكثير الكثير من الأعمال مما جعل الشعب التشيلي يخرج لها بهذه العفوية وبكل المشاعر الصادقة ليودعها0 العراقيين تحديدا بعد كل الذي مر بهم ويمر من مآسي وآلام على مدى 40 سنة ولحد الآن، تعودوا على عقد المقارنات مع بقية شعوب العالم حتى وصل بهم الأمر الى عقد المقارنات بينهم وبين موريتانيا الدولة الأفرقية الفقيرة! بسبب من حرمانهم لأبسط حقوقهم بالعيش الكريم رغم انهم يعيشون في اغنى دول العالم!0 ومن الطبيعي انه لا مجال للمقارنة بين الرئيسة (باشليت) وبين من حكموا العراق وتحديدا من بعد الأحتلال الأمريكي الغاشم للعراق، فالرئيسة (باشليت) ، لم تتسلم الرواتب والأمتيازات العالية لها ولأبنائها ولأصهارها بسبب من نضالها ضد الدكتاتورية ، ولم تسجل عليها أية شبهة فساد في كل المناصب التي عملت بها قبل وبعد رئاستها للحكومة ، ولم تطالب بصرف راتب تقاعدي لوالدها الجنرال في سلاح الجو والذي مات تحت التعذيب في سجون النظام الدكتاتوري ، ولم تتجاوز على الدستور، ولم تغريها السلطة وبريقها وأمتيازاتها بأي شيء ، ولم تحاول أن تتمسك بالسلطة بالتحايل والتلاعب بفقرات الدستور من أجل الفوز برئاسة أخرى!، ولم تسرق دولارا واحدا من المال العام ولم يعرف عنها بأن لها رصيد في البنوك الأمريكية أو الغربية ، ولم يسمع عنها أنها أشترت القصور والفلل خارج تشيلي! ، فقد أتسم حكمها بالعدل وسيادة القانون وبالنزاهة ، وتشغل (باشليت) الآن منصب المفوض السامي لحقوق الأنسان في تشيلي 0 أخيرا نقول : يبقى السؤال المحيرهو لماذا يحب العرب السلطة والجاه الى حد الموت!؟ ، فرغم نجاح العظيم محمد عليه أفضل السلام بنشر رسالة الأسلام السمحاء وبكل ما تضمنته من أصلاحات وتغيير في كل جوانب الحياة الأنسانية والأجتماعية والأخلاقية والتربوية والسياسية، وبعد أن وضع الرسول العظيم محمد (ص) ، أسس الدولة الأسلامية ودعائمها ، ألا انه مع ذلك لم يستطع تخليص العقل العربي من موضوع السلطة والجاه والتمسك بالمنصب والأقتتال في سبيل الحصول عليه!!؟ ، وقد جاء في (( التمهيد لأبن عبد البر// أن الرسول العظيم محمد ص قال : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون أمرة وملكا جبروتا ))0 ويبدواأن هذا المرض المزمن وما يرافقه من سلبيات كثيرة مدمرة للأنسان وبالتالي للمجتمع لا شفاء منه ولا علاج له!! ، ولا حول ولا قوة ألا بالله العلي العظيم0

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here