في التفتيش : اللمس مسموح والعتب مرفوع

في التفتيش : اللمس مسموح والعتب مرفوع
من الممارسات التي انتشرت منذ سنوات ، إخضاع الأفراد للتفتيش عند دخولهم الدوائر الحكومية وأحيانا منشات القطاع الخاص ، والعذر في ذلك الحفاظ على الوضع الأمني واعتقاد من يعنيهم الأمر بان هناك احتمالات بان يتغلغل الإرهابيون وسط الجمهور لتنفيذ عمليات تطال الأبرياء ، فيما لو تمكنوا من إدخال الأسلحة او المتفجرات او أدوات التسليح او غيرها من المواد والمعدات المضرة بالأرواح والأموال ، وبقي هذا العذر مقبولا حين كان المحتلون يتولون زمام الأمور الأمنية للبلاد ، وتوقعنا زواله بعد انتقال السلطة والملف الأمني للعراقيين ، ولكن ذلك لم يتم لحد اليوم رغم إن الإدارة الأمريكية تعلن بين الحين والحين عن انسحابها العسكري والأمني الكامل من العراق وآخرها الانسحاب المزعوم في نهاية هذه الشهر ، والحق يقال إن من حق الأجهزة الأمنية أن تتخذ كل ما تراه مناسبا لحفظ الأمن والاستقرار ، ولكن من غير المقبول أن تبقى الإجراءات على حالها ومن دون تغيير رغم مرور 18 سنة على الاحتلال ، فالسائد كان ولا يزال يتم بإخضاع المراجعين والزائرين للتفتيش الجسدي بقيام أفراد الأمن ( او المخولين ) بفحصنا لمسا من خلال بوابة او مجموعة بوابات ، ويتم ذلك من خلال الوقوف بطوابير بمكان مرتفع بشبر او أكثر بقليل او الوقوف بحالة الاستعداد وقيام الفاحص بلمس الجسم من فروة الرأس إلى جوارب القدم ومن كل الجهات للتأكد من عدم حمل السلاح او المتفجرات ، وهي طريقة اقل ما يمكن وصفها بأنها بائسة وتحمل الكثير من علامات التخلف ، كما إنها تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان او كرامته لأنها تتم بكامل الإذعان ، ويعتقد البعض بأنها طريقة لا أخلاقية وتخالف الشرع وتنطوي عن قدر من الإذلال ، ففي لحظة التفتيش يخضع الفرد بالكامل لطريقة تصرف واجتهاد القائم ب( الواجب ) حتى وان تم التعبير عن الانزعاج باستخدام طريقته في التفتيش .
والأكثر غرابة في هذه الطريقة ، إنها تتبع حرفيا حتى وان كانت الدائرة تمتلك أجهزة السونار التي تستخدمها كوسيلة ثانية في مرحلة أولية او أخيرة في الدخول كما إنها تستخدم رغم إن الدوائر ملزمة بنصب وتشغيل كاميرات الرقابة في أماكن الاختراق المحتملة التي تحددها الأجهزة الأمنية المختصة ، بشكل يطرح العديد من التساؤلات حول جدوى الإصرار في الإبقاء على التفتيش الشخصي ، رغم كونه ظاهرة تجاوزتها اغلب دول العالم التي غالبا ما تستعين ( في بعض الظروف ) بالأجهزة الحرارية و التحسسية عن قرب او عن بعد فضلا عن تقنيات المواقع وأجهزة الكشف والتصنت بالأقمار الصناعية بأنواعها كافة ، ومن المستغرب إن هذا الموضوع بأنه ورغم أهميته ونفور الكثير منه إلا انه باق ولا يحظى بالاهتمام قياسا بالنقد الموجه إليه وكأننا دولة نعيش في القرون ما قبل ( الديمقراطية ) ، فهو مستمر رغم دخول التقنيات بشكل واسع في بيوتنا ومنظماتنا في مختلف مجالات الحياة ، والإصرار على استخدام ذات الأساليب في التفتيش يعطي الكثير من الدلالات السلبية بضمنها ، ضعف دور الأجهزة الأمنية في الابتكار والإبداع في إيجاد الوسائل البديلة او في الكشف المبكر عن الجرائم والإرهاب رغم خبراتها الواسعة في هذا المجال بسبب ما أصاب البلد من إحداث ، وقد يشير أيضا إلى ضعف الثقة بين المواطن والأمن والتضخم في التكاليف لان ولوج هذا الأسلوب يتطلب توظيف جيوش للقيام بمهام التفتيش ، ويتم كل ذلك في ظل إمكانية إلغاء هذه الطريقة والعمل ببدائلها من خلال الاستخبارات او التقانات التي لا تكلف الكثير من الأموال ، وللبلد تجربة بهذا الخصوص حيث ألغت القيادات المعنية الآلاف من السيطرات عندما ثبت عدم جدواها وإنها طريقة مكلفة وغير فاعلة في تحقيق الأمن .
ولان الأمر لايزال قائما ويتسبب بإزعاج وإحراج للكثير ، فمن المفيد بحثه بشكل جدي لإيجاد بدائله التي تحقق مصلحة كل الأطراف ، فمن المعيب أن تمس كرامة وحقوق الإنسان في بلد يسعى ليكون أنموذجا ايجابيا للآخرين في مجال الحريات والشفافية والحقوق ، فالإصرار على تفتيش الإفراد بطريقة اللمس الناعم او الثقيل عند دخولهم الوزارات والدوائر والأسواق والمحلات وكأننا الإخوة الأعداء أمر غير مقبول وقد حان الوقت لتجاوزه بوعي ، سيما وان لا أحدا له الخيار في معارضة هذه الطريقة او الامتناع عنها في التفتيش ، لان ما يواجه به عند الرفض أما منعه من الدخول او إخضاعه للريبة والشك ، وفي بعض الاحيان إسماعه الكلام الجارح لأسباب تعود لدرجات وعي وثقافة ( المفتشين ) التي قد تقل بكثير عن متطلبات ما اسند اليهم من مهام .
باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here