المرأة في القرآن الكريم (الحلقة التاسعة) (هاجر وحيدة الميدان)
الدكتور فاضل حسن شريف
ان هاجر عليها السلام ضربت مثلا رائعا على تحمل المسؤولية ليكون ذلك برهان قاطع على ان الله سبحانه يبين ان المرأة قادرة على قيادة بلد بمفردها بدون مساعدة احد سوى عقلها الثاقب. فهاجر عليها السلام صارعت الحياة وحيدة مع ابنها الصغير إسماعيل عليه السلام. وجعلها الله تعالى آية يسعى كل حاج او معتمر بين الصفا والمروة للتذكير بها “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ” (البقرة 158).
ومن الوثائق التاريخية فإن هاجر المصرية صحبتها سارة زوجة ابراهيم عليه السلام من مصر الى بيت المقدس وطلبت سارة من ابراهيم عليه السلام ان يتزوج هاجر ليرزقه ولد فأنجبت اسماعيل عليه السلام الذي ولدته في مدينة الخليل في الشام مكان اقامة ابراهيم عليه السلام. وبعدها اوحى الله تعالى الى ابراهيم عليه السلام ان يهاجر الى بيت الله الحرام في مكة مع هاجر وابنها وتركها في اعلى المسجد بامر الله. وهذه اية ان جعل هاجر تمثل المرأة القادرة على التحمل عكس ما يتصوره البعض ان المرأة خلقت ضعيفة والرجل خلق قويا ولم يعلموا ان كليهما خلقا ضعيفين “وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا” (النساء 28). ودعا ابراهيم عليه السلام عند مغادرته مكة “رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” (ابراهيم 37). بعد فترة قصيرة نفذ الماء الذي تركه لهما ابراهيم عليه السلام فاخذت تبحث عن الماء بين الصفا والمروة فقد كانت تسرع في الوادي بين جبلي الصفا والمروة لأنها ترى سراب وتظنه ماء. لهذا يسرع او يهرول الحجاج والمعتمرين في مواقع من الوادي حاليا عند السعي سبع مرات كما فعلت هاجر، حتى بعث الله ملكا يفجر عين زمزم ويخرج الماء وترتوي هي وابنها الرضيع، وأخذت الطيور تحوم حول الماء المتدفق. وشاهد هذا المشهد بدو رحل من قبيلة جرهم فتجمعوا حول مكان الماء واستقروا فيه. وتعلم اسماعيل العربية من هذه القبيلة وأصبح افضل العرب نطقا وافصحهم وابلغهم وكما قال الامام علي عليه السلام عنه (أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل). وتزوج اسماعيل امرأة من قبيلة جرهم العربية.
وهي مثال للمرأة المهاجرة المطيعة لزوجها. ولم يذكر اسمها بحروفه في القرآن الكريم ولكن آيات فيها للسيدة هاجر قصة. وتعتبر هاجر القبطية الكنعانية الاصل تنتسب الى النبي هود عليه السلام في رواية، حيث حكم الكنعانيون مصر قبل الفراعنة في روايات وهي أم العرب وابنها اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام عراقي الاصل. وجاء في الحديث النبوي الشريف: استوصوا باهلها خيرا فان لهم ذمة ورحم، والمقصود بالاهل أهل مصر لهم ذم ورحم من هاجر القبطية. وان زوجة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم ايضا قبطية وهي مارية. والمحنة الثانية التي مرت السيدة هاجر بها بعد محنة تركها وحيدة مع ابنها الرضيع في صحراء جرداء هي عدم اعتراضها على ذبح ابنها إسماعيل عندما أمر الله إبراهيم بذبح ابنه اسماعيل عليهما السلام. وهي اولى الساكنين في مكة ولذلك تعتبر هاجر مؤسسة لام القرى. وكانت السيدة سارة مشهورة بلبس الحلي وثوبها الطويل.
وقد بشرها الملك الذي فجر بئر زمزم بان ابنها اسماعيل عليه السلام سيرفع قواعد البيت مع ابيه ابراهيم عليه السلام “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” (البقرة 127). وقصة هاجر اية وعبرة “لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ” (يوسف 111).
وتوفيت السيدة هاجر في مكة ودفنت في الحجر الذي كان موضع اغنام اسماعيل الذي يقع جنب مكان البيت “وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ” (الحج 26). وأصبح مكان دفنها منارة يقصدها ملايين الحجاج والمعتمرين عند طوافهم بالكعبة ويصلون أمام مقام زوجها إبراهيم عليه السلام.