الحجاب في الاسلام !

الحجاب في الاسلام ! (*) د. رضا العطار

كانت الشعوب القديمة تهتم بغطاء الراس بسبب الانكشاف للطبيعة، وتختلف اغطية الراس بين الشعوب كما بين الرجال والنساء. وكان رجال العرب يتعممون ونساؤهم يتخمرن. وكانت المرأة الجاهلية تسدل خمارها على كتفيها وتكون حرة في ترك صدرها وبعض ظهرها مكشوفين، مع الوجه.

وكانت تتزين بالحلى من الذهب والفضة واللؤلؤ والعقيق وغيرهما مما هو متوفر في الجزيرة العربية – – وليس لدينا ما يدل على انها كانت تلبس ثيابا قصيرة يظهر منها اعلى الساق او اعلى الذراع، والزي المشترك لنساء الشرق القديم يكون في العادة طويلا وفضفاضا. وكانت الاقدام تتحلى ب (الحجل) وقسم من الساعد بالمعاضد.

وقد استمرت المرأة العربية على هذا الزي بعد الاسلام حتى السنوات المبكرة من الهجرة الى المدينة.

ثم جاء الامر بالحجاب وفُرض بآيتين : الاولى هي الاية 31 سورة النور(وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن) – – وفي هذه الاية امر بستر الصدر. والزينة يدخل في عدادها الحلى والزواقة، وكانت الحلى هي الاساور والقلائد والخواتم والخلاخل – واما الزواقة فللوجه. والستر لا يختص بالحلى بل بمواضعها، ويمكن للقلادة ان تدلى فوق الثياب الساترة للصدر، لكن الاساور بالخلاخيل والخواتم انما تلبس فوق الاجزاء العارية. اورد الغزالي في كتاب (آداب النكاح) مأثورا يقول ان احب طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، واطيب طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه.

الاية الثانية 59 سورة الاحزاب (يا ايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين) ويتفق المفسرون على انها جاءت بعد حوادث تعرضت فيها النساء الحرائر لمضايقات الشباب في المدينة. وكان هؤلاء يلاحقون الجواري لعدم اختلافهن في الزي، عرّض الحرائر للتحرش، فاشتكت الحرائر الى اهلهن فجائت الاية تأمرهن بحجاب اضافي يميزهن عن الجواري.

ونشير هنا الى ان حجاب الوجه كان قد فرض على النساء في غضون العصر العباسي

بقدر ما يخص الحرائر، اما قبل ذلك فالروايات متضاربة – – وقد اشارت مصادر التفسير الى ان نساء المدينة حجبن وجوهن بعد الاية 59 وعليها اعتمد المتشددون من الفقهاء في حجاب الوجه. لكن الاخبار الواردة من صدر الاسلام تشير ان النساء كن سافرات الوجوه حتى في الطواف حول الكعبة، وهو ما صيّر الحج موسما للحب جعل عمر بن ابي ربيعة يقول :

ليت ذا الحج كان حتما علينا * * * كل شهرين حجة واعتمارا

يفهم مما تقدم ان الجواري كن يتطوعن للتحجب تشبها بالحرائر، مما يقع عادة لدى الفئات السفلى من المجتمع، تنزع لتقليد الفئات العليا – والعلة في التشدد هي ضبط سلوك الحرائر مع صيانتهن من الاعتداء، لان الجواري كن منفلتات لعدم انتسابهن الى عوائل.

كانت نساء بغداد الى الماضي القريب يتبرقعن بالبرقع الفارسي المسمى (بوشي) وكانت نساء ريف العاصمة المسمى كرادة، لا يتبرقعن على ديدن نساء الفلاحين والبدو. لكن الموسرات من نساء الكرادة كن يقلدن نساء بغداد فيلبسن البوشي – وهذا للاشعار بانهن قطعن خطوة نحو التحضر، يتقدمن بها على اقرانهن الفقيرات.

لقد الزم القانون الاشوري الحرائر بحجاب يشمل الراس عند الخروج من بيوتهن ومنع الجواري من ذلك. ولا تعرف العلة فيه. وما اذا كان قد اريد بها نفس الغاية التي توخاها المشرع السامي اللاحق. – – كذلك يمكن الاستنتاج من حكم الاية 59 احزاب ان الحجاب لم يفرض للتحرز من فتنة النساء للرجال، فمصدر الفتنة هو الجواري، لانهن في الغالب اجمل من الحرائر واقدر منهن على التلاعب بعقول الرجال.

وقد استثنيت الاية النساء اللواتي بلغن سن اليأس وما في حكمة مما يوقف حاجة المرأة الى الرجل، وهي من جهتها لم تكن مثيرة لشهوته. كونهن غير مستعدات للعلاقة الجنسية – – – كذلك لم يطبق حكم الاية 31 النور فيما يخص القواعد من النساء، فعاشت المرأة المسلمة تحت الحجاب من صباها حتى شيخوختها. ومن هنا نلاحظ ان المجتمعات المتأدلجة دينيا، تزداد انغلاقا من ترسخ سلطتها السياسية القائمة على العقيدة.

وفي هذا المقام يمكن ان نسجل بعض المفارقة في التعامل مع الشريعة والعقيدة حيث ان التطور يقضي اعادة النظر في الشريعة بهدف استبعاد ما لم يعد ملائما للظروف المستجدة.

* مقتبس من كتاب فصول عن المرأة للمفكر العربي هادي العلوي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here