مئويةُ العِراق.. في «إكسبو 2020»

مئويةُ العِراق.. في «إكسبو 2020»

رشيد الخيّون

بلغت الدَّولة العِراقيَّة الحديثة مئة عام (1921-2021)، وفي التّقليد الملكي البريطاني تصل رسالة تكريم لمَن بلغ المئة، وقياساً لو كرم ساسةُ هذه البلاد بلادهم، بعد العمر المديد، ونظروا في مصالحها قبل مصالح البعيدين، وعوضوا أهلها عَن الرَّواجف التي لثقلها لو نزلت على أوطان وشعوب لغاصت في الأرض، لذا أجد الحديث عَن الشَّعب العِراقي، بأنه المشكلة، دون حساب الثِّقال التي نزلت عليه، إجحافاً بحقّه، فحتى الماء ضنَّ به الجيران، ودجلة والفرات لم يؤسسا الحضارة إلا بعد أن سالا في واديه.
يُورق هذا الشَّعب الازدهار لو مُنح الفرصة، فخلال سنوات بعد (1921)، عاد الشّباب مِن البعثات الدِّراسية، وكلٌّ أبدع في مجاله، فكانت الطّرقُ والسّدودُ والمصانع والمزارع، وصار النِّفطُ لا يُصرف إيراده إلا على الإعمار، بوجود أسمى مؤسسة نهضوية «مجلس الإعمار» (1951 – 1958)، الذي ضيعته الانقلابات، ومِن إذاعة «صوت العرب» والإذاعات غير المنصفة، أخذ يُسمى بـ «مجلس الاستعمار».
كان المشهد مؤثراً في ساحة الاستقبالات وسط «إكسبو 2020» بدبي، وقد رُفع العَلم العراقي وعُزف النشيد، إيذاناً بختام مئوية وبداية أخرى، وبالتوقيت نفسه احتفلت الإمارات بنصف الفترة على تأسيسها، وكانت البداية مِن الرمل اليبيس، فلو عِتق العِراق مِن ساسةٍ فَجروا في دمائه وثرواته، لكانت الأبراج، التي تُحيط بـ«إكسبو» ببغداد والبصرة.
أعطت كلمة المفوض العام لـ«إكسبو» ووزير التسامح والتعايش الإماراتي، حقّ أهل العِراق بالعِلم والثَّقافة، مشيراً إلى أنَّ العِراق «يحمل إرثاً حضارياً عميقاً، ومستقبلاً مشرقاً بإذن الله، يستلهم من الماضي، ليبني المستقبل، كما فعل أبناء دجلة والفرات، الذين أسسوا على ضفافهما، حضارة ما بين النهرين العريقة، لتقدم للعالم، اختراعات العجلة، والكتابة، والقانون، وتُبدع في أقدم إنتاج أدبي بشري، ألا وهو: ملحمة جلجامِش». هذا ما ذَكَر به الجواهري، مَن ينكر ما تَقدم: «ويكاد يَجهل أنَّ بغداداً بها/كانت يد الدُّنيا تطولُ وتُقصرُ/أو أنَّ كوفاناً وبصرةَ منهما/كانت إلى الأُمم الحياةَ تُصدرُ» (الدِّيوان 1951).
وهناك مَن لا يُقدر ما مرَّ به العِراقيون مِن محن، ويسخر مِن الشَّبكة (السّلية، أداة صيد نهريَّة قديمة) التي اُستلهم تصميم الجناح العِراقي منها، على أنها مِن أدوات دجلة والفرات، وهما في طريقهما إلى الزَّوال بفضل حواجز الجوار، الشَّمالي يسد الماء على مَن يوافقه في المذهب حيث الموصل والأنبار، والشَّرقيّ يسده على شبيهه في المذهب، بالوسط والجنوب، وبهذا سقطت ورقة التوت عن استبدال المذهب بالوطن. لهذا التَّطبيق، ليس للمذهب صلة بالمصالح، والقول لمحمد عبد الباقي الأنصاريّ (ت: 535هج): «احفظ لسانك لا تبحْ بثلاثةٍ/ سنٌ ومالٌ ما استطعت ومذهبِ/ فعلى الثَّلاثة تُبتلى بثلاثةٍ/ بممُوَّهٍ ومُكفرٍ ومكذبِ» (ابن الجَوزي، المنتظم).
كذلك مَن سخرَ بالعرض الذي قدمه الوفد العراقي الفني، وهو بمثابة تقديم لتاريخ فرقة الفنون العِراقية، مع أن الدول التي احتفلت بأعيادها الوطنية، قدمت فنونها، ولو مرت تلك الدول بالمحن التي مرَّ بها العِراق، و(رُزقت) بالجماعات الدينية المسلحة، وبجوار لا يُريد الخير والاستقرار، لما وصلت قاعة «إكسبو». استمع الحضور متفائلاً بكلمة وزير الماليَّة، رئيس الوفد العِراقي، مِن بشائر في الاقتصاد والنهوض. لكنّ المعوقات قوية، وفي مقدمتها تعدد مراكز النُّفوذ، مراكز مسلحة مُوازِيَة للدولة. أقول: ومعَ ذلك، لا يفقد الآملون الأمل، ولا يندم على تفاؤلهم المتفائلون، بكلمتي الوزيرين الضَّيف والمُضَيف، فليس غير الأمل والتَّفاؤل حيلة.

كاتب عراقي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here