الإنحطاط الأخلاقي في المجتمع العراقي

الإنحطاط الأخلاقي في المجتمع العراقي
جميل حسين الساعدي
يمرّ المجتمع العراقي بأخطر مرحلة ، عرفها في تأريخه الطويل ، تتّسم بتصدّع كبير في منظومة القيم الأخلاقية والإجتماعية ، التي هي أساس تماسكه وترابطه ومصدر قوّته. نحن أمام ظاهرة مروّعة من التفكك الأسري والمجتمعي ، لم يشهدْ لها العراق مثيلا من قبل. كانت هذه الظاهرة في طور النشوء إبّان فترة الحصار ، الذي فُرِضَ على العراق تحت حكم النظام السابق ، ثمّ أخذت تكبر وتستفحل بعد الغزو الأمريكي للعراق ، والذي تسببَ في دمار بنيته التحتية والإتيان بطبقة سياسية أنهكت البلاد اقتصاديا عن طريق نهب ثروات البلاد واقتسامها فيما بينها ، بأساليب لا يمكن أن يتصورها العقل حتى أنّ النهب أصبح ظاهرة عامة ومشرعنة ، فالذي لا يسرق يغرّد خارج السرب وهكذا أصبح نهب ثروات البلاد والإستئثار بالإمتيازات شطارة وحذاقة بنظر الأحزاب ، في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من نصف المجتمع تحت خطّ الفقر، فلو قارنا الوضع الإقتصادي للعراق الحالي بعراق السبعينات من القرن المنصرم ، نجد أنّ العراق بالرغم من جرائم النظام السابق ومقابره الجماعية وسياسة القمع التي اتبعها والتي لا تميز بين المذنب والبرئ ، ، شهد ازدهارا اقتصاديا ، لكنّ ذلك الإزدهار لم يدم طويلا بسبب طيش النظام الذي أدّى إلى فرض عقوبات إقتصادية دولية على البلاد. والتي ألحقت الضرر بالشعب العراقي ،. فأضافت الى معاناته من النظام الدكتاتوري المستبد معاناة جديدة ، تمثّلت في نقص الغذاء والدواء ، أمّا النظام فإنه لم يتضرر وخرج منها سليما.
في عراق ما بعد الغزوالأمريكي لم يختصر النهب على الأحزاب الحاكمة ، بل انتقل من قمّة الهرم إلى وسطه ، ليصل أخيرا إلى قاعدته لتمارسه شرائح كبيرة من المجتمع كأمر مسلّم به . لا شكّ أنّ سقوط الطبقة السياسية أخلاقيا ، وتنصّلها عن واجباتها في توفير الخدمات الأساسية للمواطن ، وهي التي وضعتْ يدها على ثروات طائلة ، كفيلة بأن تجعل من العراق فردوسا ، ينعم أبناؤه بالرفاهية والغنى ، خلّف صدوعا كبيرة في كيان المجتمع وكذلك في كيان الأسرة العراقية ، المعروفة بأواصرها القويّة المتينة ، فانهارت بذلك القيم الأخلاقية ، ولمْ يعُدْ الوازع الديني رادعا ولا الأعراف الإجتماعية نافعة ، في مجتمعٍ تحكمه طبقةٌ سياسيّة فاسدة ، مؤلفة من أحزاب دينية تمثل ألأغلبية ، وأخرى غير دينية تلوّح بشعارات قومية ووطنية ، فلا الأحزاب الدينية ردعها الدين عن السرقة والنهب والفساد , ولا الأحزاب الأخرى بمسميّاتها العلمانية والقومية واليسارية ألزمتها المسؤولية الأخلاقية والوطنية بالإبتعاد وعدم الإنضواء تحت خيمة السراق والفاسدين.
من المعروف والمؤكّد أنّ الفساد الإقتصادي مرتبط بالفساد الأخلاقي . الفساد والأخلاق ضدان لا يجتمعان. ما حلّ في المجتمع العراقي من فساد أخلاقي سببه فساد الطبقة الحاكمة . فكل ما شهده العراق من خراب في البنى الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية كان يشير إلى أنّ هناك مخططا هدفه تدمير شخصيّة الإنسان العراقي. فقد أغرقت البلاد بالمخدرات وظهرت عصابات متخصصة بالإتجار بالرقيق الأبيض ، تقوم باستدراج النساء إلى أغراض غير شريفة بحجة توفير عمل لهن ، وأخرى تتاجر بالأعضاء البشرية وانتشرت ظاهرة خطف الأطفال مقابل الحصول على فدية مالية ، هذا الوضع المأساوي المدمر لن ينتهي إلّا بالعودة إلى القيم الأخلاقية ومحاسبة الفاسدين وفرض هيبة القانون والدولة
وكما قال الشاعر:
وإنّما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here