احمد الصافي النجفي أكبر شعراء العربية في العصر الحديث

احمد الصافي النجفي أكبر شعراء العربية في العصر الحديث
جميل حسين الساعدي
عنوان المقال ورد على لسان عباس محمود العقاد في لقاءٍ إذاعيٍّ ، أجرته معه إذاعة القاهرة ، وهو برأيي شهادة موثوق بها من علم من أعلام الفكر والأدب الحديث .وقد عقّب عليه الأديب العلّامة الصديق كريم مرزة الأسدي في مقال ، نشره عن الشاعر في مجلة ديوان العرب الألكترونية بهذه العبارات:
(( قول العقاد له مدلول كبير ككبره وعظمته، لا يجوز أن نمرَّ عليه مرور الكرام، و لا أدري أقال العقاد ما قال إيماناً بشاعرية الصافي الفذة، وصدق عكس خوالج معاناته الذاتية، وأحاسيسه الوجدانية دون
تصنع أو تكلف، أم نكاية بشوقي، الذي بقى على خلاف معه حتى وفاة الأمير 1932 م.))
ولد الشاعر في العام 1897 في مدينة النجف الأشرف ، التي تميزت بخصوصية ميّزتها عن غيرها من مدن العراق ، كونها كانت وما زالت مركز إشعاع فكري ومهدا للنضال الوطني ، مما جعلها قبلة العالمين ، العربي والإسلامي ، يقصدها طلبة العلم والعلماء والأدباء من كلّ مكان.
ينتمي شاعرنا إلى أسرة كريمة هاجرت من الحجاز ، عُرفت بآل الصافي نسبىة الى أحد علمائها المرموقين ، وهو الحجة الصافي ، الذي ينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وقد أنجبت هذه الأسرة رجالا ، كان لهم تاثير في الحياة الإجتماعية ، فكان منهم العالم ، والأديب ، والمناضل ، وقد قال فيهم أالشاعر:
نمتهم إلى العليــــاء أكرمُ أســرةٍ
بهم تُكشفُ الجلّى ويستنزلُ القطْرُ
ومدحهم شاعر آخر قائلا:
إنّ عيشي غضٌّ ووردْي صــــــــافي
بجواري والقرب من آل صــــــــافي
نشأ الصافي في بيت علم ، وقد أظهر نبوغا وتميزا عن أقرانه وبدأ بقرض الشعر وهو في السنة العاشرة من عمره ، وحين بلغ الحادية عشرة من عمره توفيّ والده ، فكان لوفاته أثر كبير عليه ، فعانى كثيرا حتّى هزل ومرض ، فتكفّل برعايته أخوه الأكبر محمد رضا الصافي ، وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره توفيت والدته ، فزادته وفاتها أحزانا وغصّات وآهات رافقته حتى نهاية العمر.
فكّرالشاعر بوسيلة تساعده على نسيان آلامه وأحزانه بسبب فقدان الأب والأم فقرر السفر، فقصد البصرة أولا ثم غادرها إلى عبادان ثم الكويت طلبا للقمة العيش ، لكنّ صحته ساءت كثيرا فقفل عائدا إلى مسقط رأسه.
كان للشاعر دور ريادي في في الحركة ، التي قامت بها الطلائع التقدمية ضد الإنكليز في العام 1919 .كان عمره وقتها اثنين وعشرين عاما ، فأصبح بيته مكانا يعقد فيه الثوار اجتماعاتهم ، وقد كان يسمعهم باستمرار القصائد الحماسية ليشحذ عزائمهم ويبث في نفوسهم روح التحدي والإصرار.
بعد أربعين يوما من الحصار ، الذي فرضته القوات البريطانية على النجف ، تمّ احتلالها وتعرض أهلها
لشتى انواع القهر والإنتقام ، فنصبت المشانق في المدينة ، وتمّ إعدام ثلاثة عشر مناضلا.
أشعلت الأحداث الدامية ، التي شهدتها مدينة النجف الأشرف ، والجرائم التي ارتكبها الإنكليز ضد أبنائها نار الكراهية في قلب الشاعر ضد المستعمرين ، فهاجمهم بشدة منددا بهم وبأساليبهم الوحشية البربرية ، فنظم الكثير من القصائد الوطنية والقومية ، التي تدعو للدفاع عن شرف البلاد بالروح والدم وبكل الوسائل وطرد الإنكليز. وبعد أن علمت السلطات البريطانية بأنه يحرض على الثورة ضدها قررت الإنتقام منه ، فاصطر الشاعر للإختفاء من أجل النجاة من حبل المشنقة ، ثمّ ترك النجف مع صديق له يدعى محمد كمال الدين ميمما شطر البصرة ، وهناك ظلّ يبحث عن عمل ، لكنه لم يوفّق ، فنفــدَ ما كان معه من مال ، حتى أضطرّ الى بيع ساعته فقرر الذهاب الى المحمرة ومن ثمّ إلى عبادان الواقعة في ايران ، لكن الحظّ لم يحالفه هناك في العثور على عمل يعتاش منه ، فسافر بسفينة شراعية إلى الكويت ، وفي الكويت عمل بالبناء ، فكان يحمل الطابوق ويقوم بأعمال أنهكت جسمه النحيل ، فمرض من شدة التعب والإعياء ، وحين تحسّنت صحته بعض الشئ اتجه الى مرفأ أبي شهر الإيراني ، ومن هناك سار مشيا على الأقدام حتى وصل الى مدينة شيراز، لكنه لم يستقرّ في مدينة شيراز ، فواصل سيره مشيا على الأقدام باتجاه بلدة فيروز آباد ، وهناك تعرّف بالزعيم الديني الثائر ، السيدعبد الحسين اللاري الذي حارب الإنكليز مع أبناء مدينته لار ، إلا أنه لم يكسب المعركة ضد الانكليز فانكسرت قواته فقرر الإختفاء حتى لا يقع أسيرا في يد الإنكليز.
في العام 1930 وصل أحمد الصافي النجفي إلى دمشق فأعجب بها وقرر أن يقيم فيها ، وذكر عدد من الأدباء ممن دوّنوا سيرته الذاتية أنّه كان يتردد باستمرار على مقهى ( الهافانا) ، الذي تعرّف فيه على نخبة من الشعراء والأدباء والمثقفين السوريين ، الذين جعلوا منه مكانا للقاءاتهم وسجالاتهم الأدبية . طابت الإقامة للشاعر في ربوع دمشق ، التي قال فيها:
أتيتُ جلّقَ مجتازاً على عجـــلٍ
فأعجبتني حتى اخترتها وطنـــا
لكنّ بيروت هي الأخرى ، من المدن التي كان يحلم أن يراها ، فقد سمع الكثير عن جمالها وسحرها . كانت حاضرة على الدوام في ذهنه ، فقرر أن يشدّ الرحال إليها متذكرا قول الشاعر:
يا ابن الكرام ألا تدنو لتبصرَ مــا
قد حدّثوكَ فما راءٍ كمــنْ سمعـــا
غرم الشاعر ببيروت فأحبّها وكانت ملهمته في كتابة الكثير من قصائده ، فقد وجد فيها متنفسا لمشاعره وهو الشاعر ، الذي عُرفَ برومانسيته ، ولكن أيضا بثوريته ، فقد كتب وهو في مقتبل العمر قصائد صورت حياته الشاقة ، تلك الحياة التي جعلته يتحسس ما يعانيه الكادحون والفقراء ، فوقف إلى جانب المساكين ، وجسّد في شعره وسلوكه روح النضال والثورة ضد الواقع الفاسد ، داعيا إلى تغيير جذري في الواقع الإجتماعي من أجل أن ينال الشعب حقوقه ويحقق أهدافه ويصون وحدته الوطنية.
تتبع المستعمرون الإنكليز أخبار أحمد الصافي ، بعد أن أمطرهم بقصائده الوطنية ، التي أيقظت روح التمرد ضدهم ، فما كان منهم سوى أن يقتادوه أسيرا إلى السجن الفرنسي ببيروت ، وكان ذلك في العام 1941 ، حين دخلت قوات الحلفاء كلا من سوريا ولبنان وكانت الحرب وقتها على أشدّها بين دول الحلفاء والمحور ، ووجهت اليه تهمة نشرالمبادئ الوطنية. مكث الشاعر في سجن الأمن العام الفرنسي في بيروت ثلاثة وأربعين يوما بأمر من القيادة العسكرية الإنكليزية . وهناك في غياهب السجن تفتقت قريحته عن روائع الشعر ، وقد ضمّنها فيما بعد ديوانه الشعري ( حصاد السجن) ، الذي يعتبر من أجمل الدواوين في الشعر العربي ، التي تصف حياة السجناء وآلامهم ,وقد صدر في بيروت عن مكتبة ودار نشر المعارف، في 1/1/1983 ، وهي نفس الدار ، التي نشرت مجموعتي الشعرية ( رسائل من وراء الحدود في 1/1/ 1980 وقد قدّم الناشر ديوان ( حصاد السجن ) بهذه السطور : ((إنه أغزر مجموعة من شعر السجون لشاعر واحد في الأدب العربي قديمه وحديثه، بل أنفس مجموعة شعرية في هذا الموضوع سعة معنى، وغرابة خواطر وصور.. تشارك شعراء العرب في أفضل معانيهم في هذا الباب ثم نبذهم على الجملة سعة وإغراباً وعمقاً)).
وإنك لواجد في هذا الديوان قبساً من قوة النفس ووميضاً من تحدي الاضطهاد وعزفاً حمساً وحاراً في تمجيد التضحية على مذبح الحرية ولن تجد ذلك كله مجتمعاً لك.
وقد أشار الشاعر فيه إلى مرضه ، الذي ألمّ به وهو في السجن ، وعن امتناع الإنكليز عن نقله الى المستشفى والإكتفاء بتعليله بالإفراج عنه بعد أن يحصلوا على موافقة حكومة العراق ، التي زعموا أنّهم أبرقوا إليها بخصوص موافقتها على الإفراج عنه. كلّ ذلك ذكره الشاعرفي في قصيدة، نظمها بعد أن اشتدّت وطأة المرض عليه ، يقول فيها:
سجنتُ وقد أصبحت سلوتـــــــي
من السقمِ عدّيَ للأضلــــــــــــــعِ
أعالجُ بالصبرِ برْحَ السقـــــــــامِ
ولكــنْ علاجــيَ لمْ ينجـــــــــــعِ
أتاني الطبيبُ وولّى ســـــــــدى
وراحَ الشفيــعُ فلمْ يشفــــــــــــعِ
وكم قيلَ مدّد مدى الإصطبــــار
ومهمـــــا عراكَ فلا تجـــــــــزعِ
وكــمْ ذا أمــدُّ مدى الإصطبــارِ
فإنْ زدتُ في مــــــدّهِ يقطــــــــعِ
ولمّــا بكى ساجني رحمـــــــــة ً
أجابوا التشفّـــعَ للأدمــــــــــــعِ
ولكنّهم صادفــوا عقـــــــــــــدةَ
بأمـــريَ تعيي حجــى الألمعـي
حكومة ُ لبنـــــانَ قد راجعــــتْ
فرنســـا لفكّــــــي فلمْ تسطــــــعِ
وراحت فرنســا إلى الإنكليـــز
تراجعهم جلَّ مِــنْ مرجـــــــــعِ
وقد راجــعَ الإنكليزُ العـــــــراقَ
ولليومِ بالأمـــــرِ لمْ يُصْــــــدعِ
فقلتُ اعجبوا أيّهـــا السامعـــون
ويــا أيّها الخلقُ قولوا معـــــــي
أمِــنْ قوّتي صــرتُ أمْ ضعفهــم
خطيــــرا على دول ٍأربــــــــعِ
وحين أفرجَ عنه بمساعي الحكومة العراقية في زمن صالح جبر ، الذي كان وزيرا للداخلية آنذاك، لم يتخلَّ الشاعر عن رسالته ، واستمرّ في دفاعه عن الوطن ، فهاجم القوة المستعمرة بهذه الأبيات :
خســئت إنكلتــــــرا والله
أعمــــــى مقلتيـــــــــها
قبــرها فـــي كلِّ أرضٍ
حفــــــرتــهُ بيديـــــــها
سجنتنــــــي دونَ ذنــبٍ
غيــــرَ لعنــي أبويـــــها
أمّنــتْ حـــربي ، وسجني
يُعلــــنُ الحــربَ عليـــهـا
كان الصافي معتدا بنفسه وفخورا بشاعريته بل كان يعتقد ــ ومن حقّه ذلك ــ بأنه أشعر شعراءالعربية قاطبة ، فقد سأله بعض أصدقائه الشعراء من هو أمير الشعراء ، فأجاب بهذين البيتين :
سألتني الشعـــــراءُ أين أميـرها
فأجبتُ ( ايليا) بقــــــولٍ مُطلـقِ
قالوا وأنتَ ؟ قلت ، ذاكَ أميركم
وأنــا الأميــرُ لأمّـــــةٍ لمْ تُخلــقِ
كان يقصد بإيليا الشاعر المهجري إيليا أبو ماضي ، الذي كان معجبا بشعره إلى حدٍّ كبير. إنّ افتخار الصافي النجفي بشعره كان مبررا ومؤيدا من شعراء عصره ، فقد قال الشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي في تقديمه لقصيدة ( الليل والنجوم) وهي من ديوان ( الأمواج)
(( السيد أحمد الصافي شاعر كبير خليق بالإكبار ، فهو كوكب وقّاد قد طلع في سماء الأدب بازغا فملأ العيون نوراّ والقلب سرورأ. ولإنّي لمفتخرٌ بأني أول من اكتشف هذا النجم الجديد، ودلّ عليه هواة الأدب العصري ، وانك لتجد في قصيدته العصماء الآتية ( الليل والنجوم )شعورا تنزّه عن التقليد والمبالغة ، ووصفا ساحراً ، وتجدُ سبكا رصيناً ، وأسلوباً فاتناً ، وألفاظا سهلة ، ومعانيَ مبتكرة ، وسيكون لشاعرنا النجفي هذا شأن في العراق وغير العراق من البلاد العربية ، ويذيع صيته كما يذيع ضوء الصباح المسفر )) .
وقد كتب الشاعر إلياس أبو شبكة في مجلة الجمهور الجديد بمناسبة إصدار أحمد الصافي النجفي ديوانه ( أشعة ملونة) : (( ما عرفت قبل الآن شاعراً فقيراً استطاع أن يقنعني بأنّ فقراَ يشعّ في مثل هذه الهالة إنما هو إذلال وتحقير لكلّ غنيّ في الناس. فيا شعراء اليوم القابعين في مقصوراتكم الضيقة ( الخادعين أنفسكم)
( المصدقين دعوى غيركم) ( المكذبين أنفسكم) يا ضعفاء اليقين في ما تسمعون وترون ، أيّها الشعراء الهائمون بين المومياءات ، تعالوا إليّ لأدخلكم إلى الطبيعة في شعر الصافي. تعالوا لأهديكم الى طريق الخلود في شعر ساذج لا دعوى فيه ولا غرور ، تعالوا أسلك بكم طريق نفوسكم فأنتم ضالون ، ولن توجدوا إلّا اذا وجدتم الطبيعة التي شطرتم عنها لتنفقوا كنوزكم في مخادع الضلال وسراديب الوهم . عودوا الى الطبيعة أمكم فهي كريمة كما رأيتها في شعر الصافي . عودوا اليها فتذبح لكم العجل المسمن:
وكم زائرٍ ظـــامٍ أتى نحو منهلـــــــي
فلما ارتوى منــه ُ عـــراهُ صــــدودُ
فقلتُ لــهُ إذْ ملَّ صافـــيَ مـــوردي
ستظمــأُ يـــــا هذا غـــــداً وتعــــــودُ ))
يذكر الأستاذ خليل برهومي في كتابه الرائع (( أحمد الصافي النجفي شاعر الغربة والألم )) الصادر عن دار الكتب العلمية في بيروت ضمن سلسلة ــ الأعلام من الأدباء والشعراء ـ ما يلـــي :
((بقيت أتتلمذ على يدي الشاعر الكبير مدة خمس سنوات أو أكثر ، وقد كان صديقي علي حميدي صقر يصحبني أحيانا في زياراتي إليه ، وكان شاعرا مجيدا ً، وقد أجرى يوما مقابلة مع شاعرنا الكبير نظمها فيما بعد شعراً ، وانني أثبتها هنا بنصها الحرفي نظرا لفائدتها كونها توضح بعض الجوانب الهامة في شخصية الصافي النجفي :
يقول الشاعر علي حميدي صقر في قصيدته التي أسماها (( حوار مع شاعر العروبة الكبير )) :
قابلته
وبعد كلّ ما جرى وكلّ ما تقدمْ
سألتهُ :
يا شاعر العراقْ
يا شاعر العروبة الكبير
ما اسمُك (( الصغير)) ؟
أجاب شاعرُ العراقِ أحمدُ
سألتُ شاعر العروبةِ الكبيــرَ
أينَ كانَ المولدُ؟
فقال: في النجــفْ
في النجف الأشرفْ
وكلّـهُ ، في ثوبـهِ ، ارتجفْ
سألتــهُ: لمــاذا …
ارتجفت ضلوعك؟
وبلّلت خديك والجلبابْ
يا شاعر العروبة الكبير
دموعك؟..
وجاءني الجوابُ غائماً :
(( لأنني ..
لأنني منذ ثلاثين سنةْ
ما زلتُ خلفَ الباب هائماً..
والغلُّ في يديَّ غلٌّ قاتلٌ يهدّنــي
غلُّ السياساتِ .. والإغترابْ !!
سألتهُ عن سببِ الأسبابْ
فاهتاج..
ثمَّ ـ‘ فجأة ــ أجاب :
(( أنــــا سيّــارةٌ ٌتعبــتْ وشاخــتْ
تسيـــــرُ مراحــــلاً متقطّعـــــــاتِ
لهــا في كلِّ مرحلــــةٍ كــــــــراجٌ
يشــــدُّ ضلوعــــــها المسترخياتِ
فلو أمّنتُ مستشفـــــى لسيـــــــري
ملأتُ الدربَ بالمستشفيـــــــــــاتِ))
سألتــهُ لأيّ أبْ
يا سيّدي أراكَ تنتمـــي؟
لأي أم ؟
فقال شاعرُ العروبة الكبير
(( أبي عراقيٌّ ولكن أمــيَ الرؤومُ من لبنانْ
وهكذا أنا أتيتُ بعدَ أن تزاوجَ القطران))
***
سألتهُ:
آثاركَ الغرّاء هل تذكرها
أجابني (( الأغوار)) و (( الأمواج)) و (( الشلال )) و ((التيار )) ..
(( هواجسُ)) ..
(( أشعةٌ ملونة))..
((شررْ))
وكلّ ماذكرت شعرْ
سألتهُ
والنثر؟
ليس منه بد
فقال لي: (( هزل وجد))
سألتهُ ياشاعر العراق والتعريــبْ؟
فقال لي ــ ووجههُ كئيــبْ ــ
ندمتُ إذْ عرّبتُ للخيّــامْ
إذْ ــ يومها ــ ما كنتُ في الأنام
شاعراً
بل كنتُ بوقاً فاغراً فَمَهْ
وكنتُ (( عبدَ)) الترجمةْ
بلْ .. قل (( أمَـــهْ) !!
***
سألتهُ يا سيّدي العزيز
هل أحببت أو عشقْت
أجابني:
الكونُ في عينيّ غادةْ
أرشفُ من خديها ..
أبحــرُ في عينيــها ..
إلى جزائرِ الظلال والربيع
إلى مدائن الطقوسِ والعبادة
سألتُ شاعري الكبير:
والزواج؟
أجابَ: دونَ بابـــهِ الرتاج ..
(( المرأةُ الحسناء والقلمْ
(( ضدان في .. كرة الألم ))
((ضدان لا يجتمعانْ)) !!!
***
سألت شاعري الكبير:
والشعر:
فكانت الإجــابةْ
لؤلؤة تحــارُ في محـــارة
أجاب:
كلٌّ سائرٌ على خطى من قبلــهُ
وليسَ فيهم رائدٌ أو مبتدع
وكلّهم مقلّد …
أو ناثر غريرْ
وليس فيهم الفرزدقُ الخطيرُ
أو جــريرْ
وههنــا استوقفتُ شاعري الكبيـــر
سألتــهُ عن شاعرٍ يحبّـــهُ
عنْ شــاعرٍ يجلّــهُ
ما ذمّـهُ مظلــوم
إو جالَ في اشعــارهِ
مباضعُ الناقدِ والقاضي
فقالَ لي لتوّهِ:
إيلياأبو ماضي
فقلت : والـ …
والأخطلُ الصغير
فقال:
شاعر كبير
لكنهُ ما عاش إلا للغزلْ
وإنّه والحقّ ما أقــول …
لقدْ برعْ
في ما صنــعْ
***
وفي الختام
سألت شاعر العروبة الكبير
والشعر؟
فجاءني الجــواب:
(( إذا راقني شعرٌ ترانــي مـــــــرددا ً
لــهُ منعشـــاً روحي بـــــــهِ والنواديــا
أرى شعرَ غيري شعرَ نفسي متى يرقْ
وأبرأُ من شعــري متى لـمْ يرقْ ليـــــا ))
سألتهُ عن شعرنا الحديثِ ما تقــول:
فقال : (( هذاعَلْك))
و (( أنجــم ٌمفروطةٌ محتاجة لسلك)) !
***
حقا كان الصافي ظاهرة فريدة في الشعر العربي ، فشعره غزير بالمعاني، التي لم يتطرق إليها شاعر ممن سبقوه أو ممن عاصروه ، وهو يعتبر تلك المعاني من وحي الغيب أليس هو القائل:
تأتي مـــن الغيبِ أفكـــارٌ أسجّلهـــــــا
شعراً، لذلكَ تأتــــــي دونَ أشبـــــــــاهِ
ما لي سوى النظمِ منْ فضلٍ يُسجّــلُ لي
فالنظمُ منّيَ ، والمعنــــــى من اللــــــهِ
وقد أشارفي ديوانه ( الشلال) إلى ما يشبه هذاالمعنى بقوله :
إنْ جئتُ بالشعــرِكالآيــاتِ مبتكــــــراً
فلـــمْ أشأْ ذاكَ لكــــــنْ خالقـــي شاءا
لا أدعــي الخلقَ في مــــا قلتــهُ أبــداً
نقلتُ مــنْ عالـمِ المجهــولِ أشيــاءا
فلمْ أفكر بشعري كيفَ جــــــــاءَ اذا ً
كأنّمـــــا الله قد أوحــاهُ إيحـــــــــاءا
وأنا أكتب هذه السطور ، التي أوجزت بعضا من من سيرة حياة الشاعر الصافي وشاعريته ، لا بد من ذكر انجازه العظيم وهو ترجمته لرباعيات عمر الخيام الخالدة. تلك الترجمة الدقيقة ، التي تعتبر من أفضل الترجمات على الإطلاق في اللغة العربية ، بل بزّت جمالا ودقة كلّ الترجمات في اللغات الاخرى
وحسبنا أن نذكر هنا شهادة الشاعر الفارسي محمد حسين بهار ، الذي كان يُلقّب في بلاده بملك الشعراء ، والتي جاء فيها:
انّ بعض التعريب مع كونه مطابقا للأصل جدا فهو يفوقه من حيث البلاغة والأسلوب كهذه الرباعية:
لم يحظَ بالدهر في ورد الخدود فتى
إلا وكابد من أشواكـــهِ العطبــــا
انظر الى المشطِ لــمْ تبلغْ أناملـهُ
أصداغَ أغيــدَ مــا لمْ ينشعبْ شُعبــا
والرباعية الأخرى:
أيــا فلكـــــاً يربّــي كـــــلَّ نــذلٍ
وليسَ يدورُحســب رضا الكريمِ
كفى بك شيمــة ً إن رحت تهــوي
بذي شـــــرفٍ وتسمو باللئيــــــمِ
ومن الذين أرسلَ إليهم ترجمته لإبداء رأيهم فيها العلامة المتبحر الميرزا محمد خان القزويني ، الذي ردّ على الصافي بالرسالة التالية:
(( أشهدُ الله انني قلما رأيت بين التراجم التي لا تعدّ ولا تحصى للخيام في اللغات المختلفة ترجمة صحيحة ومطابقة للأصل كترجمة سيادتك. أحسن الترجمات لرباعيات الخيام في اللغات المختلفة هي ترجمة الشاعر الانجليزي (( فيتز جرالد )) وترجمته مع أنّها من حيث الشاعرية والفصاحة والبلاغة لفظاً ومعنىً في غاية الجودة. فمن حيث المطابقة للأصل وبيان الغرض الأصلي للشاعر فيها فراغ كثير يعني أنّ المشار إليه ترجمها ترجمة حرة للغاية ولم يتقيد باتباع الخيام وحفظ أغراضه وأداء معانيه في الترجمة بحيث أصبحت معرفة المعنى الأصلي ولو على سبيل الحدس في أغلب رباعيات (( فيتز جرالد)) متعسرة ، وكثيرا ما بعد عن الأصل بدرجة أصبح حدس الأصل معها محالاً . أما باقي تراجم الخيام الشعرية فقد أخذت في الأغلب عن ترجمة فيتز جرالد الانجليزية لا عن الأصل الفارسي ، لذلك أصبحت التراجم كترجمة فيتز جرالد بل أشدّ منها ، لأنّها ترجمة عن ترجمة ، في انها غير مطابقة للأصل وحرة للغاية . وفي هذه الاواخر ترجمت رباعيات الخيام بواسطة السباعي الى العربية وطبعت في مصر لكني الى الآن لم أرها حتى أبدي رأيي فيها. أمّا ترجمة سيادتك أعني 86 رباعية التي أرسلتها لي ، فهي وإن كانت من طراز جديد ومن جهة واحدة ، أعني جهة الوزن بعدت عن الأصل لأنّك لم تبق على وزن الرباعيات الأصلي ، اي بحر الدوبيت في اصطلاح المتأخرين من شعراء العرب ، ولم تقيّد نفسك في جميع الرباعيات بوزن وبحر واحد ، ولكن من حيث مطابقة الترجمة للأصل ، في الحدود التي يسيغها لك التقيد بالوزن والقافية في الترجمة الشعرية ، فالحق والإنصاف كما عرضت لك أجدت كثيرا ، ولعله يمكن ان يقال انّ هذه الترجمة أقرب جميع الترجمات الشعرية للخيام بلا استثناء. فشكر الله مساعيك الجميلة وجزاك الله عن الشعر والأدب أحسن الجزاء ، حيث عرّفتَ الى أدباء العرب شاعراً من أكبر شعرائنا له في جميع أقطار أوربا وأميركا شهرة واسعة ، ولم يكنْ يجهله إلّا اخواننا العرب ، وها أنت قد أدّيت هذه الخدمة اللائقة للآداب الفارسية والعربية معا )) ــ مقدمة تعريب رباعيات الخيام للصافي صفحة 14
واصل الصافي إبداعه الشعري بغزارة طارقا أبوابا جديدة ، فقد كان نسيجا وحده في مضامينه إلى أن اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية فأصيب برصاصة ، أطلقها قنّاص عليه ، عندما كان يبحث عن رغيف خبز يأكله بعد أن أمضى ثلاثة أيام لم يذق فيها الطعام ، فنقل الى مستشفى المقاصد في بيروت ، بعدها نقل الى بغداد لإتمام علاجه ، لكنه فارق الحياة فيها في السادس والعشرين من حزيران للعام 1977 .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here