حالة الانسان البدائي في مرحلة ما بعد الطوفان !

حالة الانسان البدائي في مرحلة ما بعد الطوفان ! * د. رضا العطار

لقد ادت ظاهرة التصحر الى عجز الانسان البدائي في الاستمرار في اسلوب حياة الجمع والالتقاط عن كفاية حاجاته. فكان ابتكاره للزراعة دليلا على وعيه للدورة النباتية. وتدل الابحاث الحديثة انه في الالف التاسع قبل الميلاد كان الانسان في شمال سورية قد صنف البذور الصالحة للزراعة وكان يميزها عن البذور غير الصالحة، وانه انشأ مستودعات صغيرة لحفظ هذا الانتاج – – – والنص السومري يظهر لنا اسطورة (زيوسدرا) اي (نوح) والذي جاء في ذكر الزراعة وبذرة البشرية.

وحيث ان ممارسة الزراعة تتطلب حياة الاستقرار لممارستها وانتظار محاصيلها، فكانت المرأة تتولى مهمة الزراعة، بينما يقوم الرجل بعمليات صيد الحيوان وجلب الحيوانات الصاحة للأستيناس، واتمام عملية رعيه، ولكن الاستقرار واستئناس الحيوان تطلبا منه اقامة الزرائب والمنازل، وغالبا ما كانت مشتركة. كما كان عامل الصدفة في اكتشاف النار واستعمالها اثر كبير في تطوره – – – فبدأ في عمل الفخار الذي ظهرت بوادره في الدولة السومرية، الحضارة الانسانية الاولى، بعد ما كان يستعمل الاواني الحجرية ويتجشم صعوبة تشكيلها.

وقد استفاد الانسان البدائي من صناعة الفخار فعمل منه مواقد، يقيمها داخل منزله للتدفئة او للطهو وخبز الرغيف. ولعله من خلال استعماله النار اكتشف مادة النحاس الذي يذوب في درجة حرارة منخفضة نسبيا، فاستعمل من النحاس ادوات الزينة لنسائه قبل ان يستعمله في اغراضه المنزلية.

ولعل ظهور ادوات الزينة يؤكد على طبع المرأة في اغراء الرجل لتحتفظ به بعد ان تحصل عليه – – – اما على صعيد الفكر، فقد تطور في عمله في مجال السببية وربطه بين الظواهر المختلفة وتشكيله للبنية الروحية الفوقية، ظهرت لديه تماثيل بدائية الصنع تشير الى الالهة، اهمها آلة الأم. كما اكتشفت رسوم منقوشة على جدران الكهوف، وهي ( مرحلة التعبير بالفن عن المدرك الحسي) واكثرها صور حيوانية تمثل حياة الصيد والقنص.

اما تماثيل الام التي وجدت بكميات كبيرة في مراكز مختلفة من مواقع الاستقرار في عصور ما قبل التاريخ، فقد لوحظ فيها المبالغة في اظهار الاعضاء الجنسية عند المرأة، تاكيدا لفكرة الخصوبة التجريدية والمشتركة بين الانسان والحيوان والطبيعة، في حين يرى العالم – H. bersted – انها اعتمدت بدوافع من عامل اقتصادي، اذ كانت الزراعة منوطة بالأم. وان التماثيل تعبر بالفن عن منظور عام تكوين – اجتماعي – اقتصادي. ذلك ان الرمز بالام وابراز عناصر الجنس فيها، يدلان بالدرجة الاولى على نضج الوعي ومستوى التجريد والتعميم الذي بلغه الفكر الانساني من حيث ترميزه عما وصل اليه فكره في تفسير الحياة وضرورة اعادة الخلق، اما على الصعيد الاجتماعي ففي مجتمع لم يستقر فيه وضع العائلة في زواج احادي، فان الانتساب للأم هو المؤكد . وبذلك تقوم الاسرة على الام والاولاد فقط وليس بالضرورة وجود الفرد الذكر كوسيط ومساعد على الاخصاب.

ولم تقتصر مكتشفات ذلك العصر الاثرية على رمز الخصوبة بل وجدت كذلك ايقونات وتمائم تتصل بلا شك بحماية الانسان من الاخطار المحيطة به والتي تشير الى تنوع تخيلات الانسان تجاه هذه المخاطر وطرق اتقائها، كما تشير اساليب دفنه الى هاجسه الاساسي، وخشيته من الموت.

مقتبس من كتاب حضارة الانسان للمؤلفه عبد المجيد عبد الملك.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here