الديمقراطية الحزبية الداخلية الأحزاب العراقية مثالاً

الديمقراطية الحزبية الداخلية الأحزاب العراقية مثالاً
د. ماجد احمد الزاملي
بعد فترة وجيزة من تغيير النظام في بغداد عام 2003 ، بدأت عشرات المنظمات والأحزاب السياسية والصحف والقنوات الإعلامية بالظهور على الملأ مما جعل الفضاء السياسي العراقي مزدحمًا للغاية تم إنشاء العديد من الأحزاب الجديدة بالتوازي مع أحزاب المعارضة العراقية السابقة ، بعضها لم يكن أكثر من فروع أو فصائل منشقة عن الأحزاب القديمة. ولكن القسم الآخر والاوسع هي تنظيمات واحزاب جديدة لم يكن قياداتها في المنفى خلال فترة حكم نظام صدام . ومن أهم هذه التنظيمات السياسية برز إسم التيار الصدري الذي خرج من عبائته تنظيمات سياسية أخرى. كما إنبثقت أحزاب كردية وتركمانية و عربية عديدة بما في ذلك الاحزاب التي تم تصنيفها على أنها ليبرالية, أو ديمقراطية, أو وطنية. فيما ركزت أحزاب اخرى على القضايا الاثنية, الدينية, أوالمحلية. لا تزال كثير من الاحزاب في بلدنا لم تترسخ فيها الديمقراطية والعمل على جعلها ثقافة مجتمعية .. ورغم صدور بعض القوانين في العراق كقانون الانتخابات البرلمانية وقانون انتخابات مجالس المحافظات وقانون الاحزاب .. الخ لكن لا زلنا نحبو ونتراجع عن الديمقراطية في بعض الاحيان وقد تشترك معظم الاحزاب بصفات معينة تعيق العمل الديمقراطي في بلادنا. وليعلم قادة اي حزب انه لا يمكن ان يحكم لوحده دون التآزر والائتلاف مع أحزاب أخرى وهذا يحتاج حكمة بالغة في التعامل بين أعضاء الحزب ومؤيديه من جهة وبين قادة الحزب والأحزاب الأخرى من جهة ثانية وكذلك كيفية وصول رسالة مطمئنة للمواطن او الناخب المؤيد لهذا الحزب او ذاك . وهذا يحتاج حنكة سياسية من القادة لإقناع المؤيدين لهم والمؤتلفين معهم. كذلك نشأت عشرات الأحزاب السياسية الجديدة في مصر وليبيا وتونس منذ بداية ما يسمى “بالربيع العربي”. وعلى الرغم من أنّ الكثير من هذه القوى لعبت دوراً نشطاً في إطاحة بالأنظمة القديمة، إلاّ أنّها واجهت صعوبة في تطوير هويّات متّسقة، وإنشاء قواعد دعم فاعلة، وبناء قواعد انتخابية مستدامة. وإذا ما أرادت المشاركة الفاعلة في العملية السياسية، ينبغي على هذه الأحزاب الجديدة، العلمانية إلى حدّ كبير، أن تتغلّب على تحدّياتها المؤسّساتية، وأن تحسّن قدرتها على توفير مايحتاج إليه الشعب على المدى الطويل. سيلعب مصير هذه الأحزاب الناشئة دوراً هائلاً في تحديد نجاح مراحل الانتقال السياسي التي تشهدها المنطقة العربية.
على المستوى الفكري فإن الاطار المرجعي والفكري لكثير من الاحزاب العراقية و مساحة عملها واهدافها غير منحصرة بالعراق, وتظهر البعد غير العراقي في الشعارات والاهداف , بما في ذلك الإسلاميين الشيعة والسنة والقوميين العرب والأكراد والتركمان وغيرهم, بإعتبارها عابرة للحدود. المفارقة هنا أن هذه الاحزاب غير عابرة للطوائف والطبقات والمناطق داخل العراق الواحد نفسه. كما أن غياب مشروع وطني للتحديث وبناء الدولة, أعطى سبباً لأحزاب كثيرة لتبرير انخراطهم ودورهم في الفساد, وتبني أنماط متغولة على الدولة ومضادة لأطرها الحديثة والدفاع عن ذلك بتبريرات مختلفة. من الاشكاليات التي حاول كاتبوا الدستور وضع خطوط دقيقة لها هي علاقة الدين ومؤسساته بالدولة. غير أن معظم الأحزاب السياسية كانت تحاول الاستفادة من الغطاء الديني بشكل مباشر او غير مباشر, لدرجة أن بعض الاحزاب السياسية هي مجرد واجهات مباشرة لرجال دين محددين, أو ممثلين لتوجهات دينية محددة. وزاد هذا التماهي بين الديني والسياسي من صعوبة عملية تقويم واصلاح الاخطاء السياسية, إذ خلق سبباً اضافياً للصراع بين هذه الاحزاب لتقاطع التوجهات المرجعية لها. كما أدى الى بروز ظاهرة لجوء القيادات السياسية والحزبية للجوء لرجال الدين لحسم الخلافات السياسية لفقدان او تغييب المؤسسات الحزبية التي يفترض انها مصممة لحسم مثل هذه الخلافات. وتحـول النظـام السياسـي في العـراق مـن نظـام ديكتـاتوري تسـلطي إلى نظـام ديمقراطـي أسـتوجب التغـيير في النظـام الحزبي المعتمد من نظـام الحـزب الواحـد إلى تعدديـة حزبيـة . لكـن مـا يؤخـذ علـى هـذه التعدديـة انهـا جـاءت مفرطـة وغـير محــددة وذلـك لغيـاب الإطـار القـانوني الـذي يحـدد وجود الأحزاب وينظم عملها. وعلى الرغم من انطلاق العملية الديمقراطية في العراق منذ عام ٢٠٠٥ وانجاز المفوضية العليا المستقلة للانتخابات اكثر من ١٣ عملية انتخابية بين برلمانية ومجالس محلية ، الاّ ان قانون الاحزاب الجديد الصادر من البرلمان نهاية عام ٢٠١٥ قد وضع أسسا مهمة لتسجيل الاحزاب ومنها ضرورة ان تتبنى هذه الاحزاب المبادئ الديمقراطية في اختيار القيادات الحزبية لها ، وضرورة اشراك المراة في الهيئة المؤسسة للحزب وكذلك في باقي مستويات المسؤوليات في الحزب ، كما ان القانون قد أوكل تسجيل الاحزاب ومنحها الإجازة بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق ، بالاضافة الى منح دائرة شؤون الاحزاب بمتابعة ومراقبة عمل الاحزاب ومدى مطابقتها للقانون ومبادئ الديمقراطية ، وجدير بالذكر ان عدد الطلبات المقدمة للتسجيل كحزب سياسي قد فاقت ٢٣٠ طلبا ، الا ان المفوضية لحد الان قد منحت اكثر من ثمانية احزاب اجازة التاسيس والعمل جاري على منح بقية الاحزاب التي تكتمل طلباتها باجازة التاسيس .
ويشـــــهد العـراق اليـــــوم انفتاحا ديمقراطيـا واتجاهـا واضــحا نحـــو التعدديـــة الحزبيـة جـاءت بعـد تجربـة طويلـة اسـتمرت 35 عاما من الحكم المركزي وهيمنة نظام الحزب الواحــد . لقــد أفــرزت تطــورات مابعــد ســقوط النظــام حراكــا سياســيا، وفــتح البــاب علـــى مصــراعيه لتأســـيس حركـــات وتنظيمـــات سياسية متنوعة. فمنذ عام 2003 ظهرت فـي الســـاحة السياســـية العراقيــة أحـــزاب وهياكـــل تنظيميـــة بمســـميات متعـــددة بعضــها إســلامي والأخـر علمـاني، بعـض الأحـزاب كبيـر وقـوي وبعضــها الآخــر صــغير وضــعيف لايحمــل مــن معنى الحزب سوى الاسم، بعضها لديه قاعدة شــعبية واســعة وبعضــها الآخــر يفتقــد لـــذلك، بعضــها معــروف لـــدى الشـــارع العراقــي ولهـــا تأريخ طويل وخبرة فـي مجـال العمـل السياسـي في صفوف المعارضة والبعض الاخر لم يظهـر الا بعــــد عـــــــام 2003 ان مايؤخـــــــذ علـــــى التعددية الحزبية في العراق انها لازالـت تعمـل وفـق قـانون الأحـزاب والهيئـات السياسـية رقـم 97 لســــنة 2004 الصــــــادر عــــن ســــــلطة الائــــتلاف المؤقــــت، فلـــم يصـــدر لحـــد ألان قانون أحزاب عراقي جديد.
والملاحظ أن أغلب أعضاء الطبقة السياسية في العراق لا يؤمنون بالديمقراطية كنظام وممارسة؛ فجماعات “الإسلام السياسي” التي تقود الدولة تتبنى فكراً إسلاموياً طائفياً، وهذا ما يتعارض مع التأسيس الصحيح للديمقراطية. أضف إلى ذلك، فإن تحليل السلوك الذي انتهجته القوى الإسلامية التي تولت البلاد بعد عام 2003 يكشف عن عدم إيمانها بدولة المؤسسات ومبدأ الفصل بين السلطات الذي يعد أساس النظام الديمقراطي، فضلاً عن صعود الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية والدولة ونظامها الذي رسخته القوى السياسية، مما غيّب مبدأ مساواة الجميع أمام القانون وفي الحقوق والواجبات. وبالإضافة إلى ما تقدم، شكلت الأحزاب، التي أمسكت بعملية صنع القرار، عبئاً كبيراً، بل وتسببت في نشوء الصراعات والأزمات واستشراء الفساد والصراع الداخلي وأسهمت في تأخر محاولات مراكمة العمل الديمقراطي في العراق.
الديمقراطية التي تعاني منها الأحزاب الحاكمة في العالم العربي، القيادة الشخصانية و ضعف البنية المؤسسية للحركة والموروث السري وغياب الانتخابات الداخلية وطغيان روح الهيمنة وضعف تقاليد المساءلة وشيخوخة أعضاء هذه الهيئات وعدم إطلاع القواعد على ما يجري داخل وخارج الحزب. ان البنية المجتمعية السياسية والاجتماعية والثقافية ما زالت تلعب دورا سلبيا معرقلا لتطور الاحزاب السياسية العربية وتوسيع نطاق ممارستها الداخلية للديمقراطية، وتوقفوا بشكل خاص أمام أثر التنوع الطائفي في العراق و لبنان على تشكيلة الاحزاب السياسية هناك والتي تأسست في الأصل، كأحزاب طائفية، كما أشاروا إلى أثر الثقافة المجتمعية الاردنية على انتشار الاحزاب السياسية الاردنية و قبول المجتمع الاردني بها . بالنظر إلى عدم الانسجام المذهبي داخل المجتمع العراقي وتنوعه فإن الأحزاب الإسلامية لابد أن تكون طائفية بالضرورة ، كما أن عمل هذه الأحزاب يتم في بيئة مشوشة زادها تعقيداً غياب قانون ينظم عمل الأحزاب ، ا أن سلوك الأحزاب الدينية لم يكن سلوكا ديمقراطياً لان الغالب على سلوكها هو الصراع على السلطة سعيا للانقلاب على الديمقراطية ، كما أن هذه الأحزاب لم تشهد أية مراجعات فكرية أو فلسفية عن نقد تجربتها الديمقراطية .،خصوصا ان هناك تعارض ما بين النظرية الديمقراطية و اسلوب عمل هذه الاحزاب فعمل الحزب يتقرر في ضوء ما يقرره الرمز الديني وليس مايقرره الرأي الجمعي من خلال آلية الديمقراطية.
تشير الديمقراطية الداخلية في الاحزاب السياسية ، والتي تعرف ايضاً بديمقراطية الاحزاب، الى مستوى واساليب اشراك اعضاء الحزب في صنع القرار وتداوله ضمن الهيكلية الحزبية. وعادةً ما تُعرف الديمقراطية الحزبية الداخلية بانها تغذي التنافس الحزبي للمواطنين و / أو انها تخلق ممثلين أكثر مقدرة ، والتي بدورها تضمن ان الحزب سيكون قادراً على خلق سياسات وبرامج سياسية أفضل. ولغرض تعزيز الديمقراطية الداخلية للاحزاب ، تبنت عدد من البلدان استراتيجيات عمل ايجابية في تشريعاتها على شكل حصص مقاعد قانونية. وهذا يعني ان نسبة معينة من المرشحين الذين تمت تسميتهم و / أو الممثلين المنتخبين من كل حزب عليها التقدم بمجموعات وفق النوع الاجتماعي والاقليات العرقية والمجموعات الاخرى. وحصص المقاعد الاكثر شيوعاً هي المقاعد القانونية للنوع الاجتماعي والتي تحدد النسبة الادنى للمرشحات أو الممثلات من النساء التي يحتاجها الحزب لتقديمها للقيادة و / أو الترشح. ومع هذا فان الاحزاب السياسية قد يكون لها في بعض الاحيان سلوكاً داخلياً ديمقراطياً جرى تنظيمه أو انفاذه بحقهم – من خلال قوانين انتخابية او دستورية على سبيل المثال – وعلى الاغلب هو ان توجيهات الحزب وضوابطه هي التي تحدد مدى الاهمية التي ينبغي ان تكون عليها الديمقراطية الداخلية.
وهناك جملة من المفاهيم الحاكمة لسلوك الأحزاب، ومن بينها “نظرية المركزية الديموقراطية” باعتبارها نظرية لضمان سلطة النخبة العليا في الحزب على الحزب بأسره، فالديمقراطية فيها ليست إلا ديمقراطية مقلوبة؛ ولا تحمل من الديمقراطية سوى اسمها. و نظرية المركزية الديمقراطية هي نظرية استبعادية؛ وليست نظرية استيعابية، بدليل أن جوهر العلاقة فيها بين المركزية والديمقراطية يقوم على نظام الطاعة ، وهذا ما يفسر أن الانشقاقات في هذا النمط من الأحزاب يحمل على الدوام سمات حادة ومتطرفة وعنيفة رمزياً أو بالفعل حين يكون الحزب في السلطة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here