كيف اصبح الرئيس العراقي الراحل صدام حسين شخصية خرافية ؟

كيف اصبح الرئيس العراقي الراحل صدام حسين شخصية خرافية ؟ (*)

د. رضا العطار

نعم، اظن ان راعي الغنم، صدام حسين، الذي قفز على الخطوط الحمراء، كان الخرافة بعينها، وذلك من خلال شخصيته وتصرفاته وحماقاته وقراراته وحروبه. ولعل العالم العربي في العصر الحديث لم يشهد حاكما خرافيا كما شهد في شخصية هذا الطاغية.

كتب – حمزة الحسن – مقالة بعنوان (الروائي صدام حسين، مسخ الكائنات) يقول فيها : ان صدام حسين حين لا يكتب اسمه على رواياته، فلأن السبب بكل بساطة هو ان الذي يكتب اسمه هو كائن بشري، وهو يعد نفسه اسطورة. وهوية الاسطورة هوية مغايرة، وما تقوله الاسطورة لا يقوله بشر – – – وصدام حسين حين يسبح في النهر، فهو لا يسبح في النهر – حسب هذا الخيال المجنح – بل ان النهر هو الذي يسبح فيه. لان من طبيعة الاساطير، انها تكون اكبر من عالم الواقع، وهي التي تخلقه وتبدله وتنسفه اذا تطلبت الاحوال.

ان جسد صدام حسين العاري في النهر، كان يمثل انتصار الخرافة على الواقع، وسيطرة الاسطورة على الكائنات، وهيمنة اللابشري على البشر، وقدرة الجسد المفرغ من الشهوة والرغبة الادمية على مسخ الكائنات – – – وغرام صدام حسين بالازياء لا يأتي من احترام التقاليد ابدا، بل هو غرام الجسد بنفسه، وهي فتنة الاغراء حين نستعرض قوتها وجسدها امام الضحايا، الذين لا يملكون امام جبروت الموت والقوة الغاشمة ( الخرافة ) سوى الصمت والسكوت.

وحين يبدل صدام حسين شكل الطبيعة – تجفيف الأهوار – فلأن الاهوار بالنسبة له ليست مستنقعات مائية تتضمن حضارة عريقة وشكلا من اشكال الحياة الموغلة في القدم، ومصدرا للعيش والتناسل لقطاعات واسعة جدا من الشعب العراقي، بل ان هذه الاهوار كما يراها، هي مصدر للخطر، والخطر يتعارض مع الألهة ويتقاطع مع طموح الخرافة – – – هذا الكائن الخليط من السياسة وايديولوجية القتل وتقاليد الشوارع الخلفية، هذا النازل على السلطة بمسدسات قديمة من المقاهي والحارات وبارات منتصف الليل، هل ولد من فراغ اجتماعي او سياسي او فكري، ام انه ابن هذه المكونات كلها ؟

لا شك ان صدام حسين ابن حقبة من تاريخ العراق السياسي، كانت ايديولوجيا قتل الخصم والتنكيل به ومصادرته، روحا ومالا وجسدا، هي النزعة الشرعية الدائمة انذاك، وهذه النزعة كانت تُعرف نفسها على انها (النزعة الثورية) – وهي وليد مفاهيم كانت سائدة ولا يزال بعضها يعيش في السلوك السياسي. وهي مفاهيم تصفية الخصم. والمبادرة الثورية وقوى الثورة المضادة ومهاجمة العدو وهو في مرحلة النوايا، واعداء التاريخ والامة والعقيدة والجريدة والرفيق والصورة والخطاب والافتتاحية – ـ الخ.

وصدام حسين الخرافي في حروبه الدونكيشونية، كان يعتمد على الخرافة كذلك في قرارات الحرب. فبعد غزو الكويت في الثاني من اغسطس 1990 وعشية حرب الخليج الثانية، قال صدام حسين لقناة (CNN ) الامريكية :

( سانتصر على بوش لان الله معي، وسيهزم بوش لان الشيطان معه ) وكان صدام يؤمن بكل كلمة قالها. وهذا هو السبب النفسي لغياب الواقعية والعقلانية لدى كثير من صانعي القرار السياسي والعسكري في العالم العربي.

وهل تعلمون كيف اتخذ صدام حسين قرار غزو الكويت، الذي كاد ان يتحول الى حرب عالمية ثالثة ؟ – – – فحسب رواية سعد البزاز في كتابه ( الجنرالات اخر من يعلم ) : التقى صدام حسين في الكويت يوم 10/8/1990 باخيه غير الشقيق سبعاوي ابراهيم الذي كان مديرا للمخابرات مع عدد من كبار ضباط هذا الجهاز وحدثهم مطولا عن دوافع دخول الكويت قائلا : ( هل تعتقدون ان قرار استعادة الكويت كان قراري ؟ – لا، اطلاقا. انها رؤيا في المنام، وجدت نفسي ملزما بالاستجابة لها، انها ارادة الله، ودورنا هو ان ننفذها ).

وما ان انطلقت حرب الخليج الثانية حتى قام بعض دراويش الدين في الاردن، الذين كانوا يتلقون مرتبات شهرية من صدام، بالوقوف في ليالي الصيف الصافية على اسطح المنازل والدعاء لصدام بالنصر على الشيطان الاكبر. وقالوا بانهم رأوا صورة صدام حسين على سطح القمر يحمل سيفا ويركب حصانا ابيض، وقد تكلل بهالة من النور. – – – انهم يشمون في شخص صدام حسين رائحة عمر بن الخطاب !

ورغم هزيمة صدام في حرب الخليج الثالثة، الا انه سوف يدخل التاريخ العربي – على حد قول ( اوري افتيري ) – كأحد الابطال المحبوبين، الذين لم يهربوا من وجه الاعداء، رغم قوتهم الهائلة، اجيال من الاولاد في الدولة العربية كافة ستتعلم في المدرسة عن صدام، كأحد ابطال الامة العربية، وكوريث صلاح الدين الايوبي. فلقد انقضت اكبر آلية عسكرية في التاريخ، كما يعرفونها على شعب عربي صغير تمّ تدمير اغلبية اسلحته قبل الحرب، وقد قاوم هذا الشعب ببسالة دون ان يكون لديه غطاء جوي. وهذا ما يبدو الان بالنسبة لكل العرب اينما كانوا وهم يقارنون صدام بزعمائهم. وابتداء من هذه اللحظة ستتعاظم الخرافة وستتحول الى اسطورة وطنية.

ان السحر والشعوذة في السياسة والاجتماع غير قاصرة على العرب المحدثين فقط، فالعالم الغربي مليء بهذه الظواهر، بل ان بعض زعماء الغرب كالرئيس الامريكي السابق ريغان وكارتر وغيرهما، كانوا مسكونين بالسحر والشعوذة والجان. – –

هذا صحيح، ولكن الفارق بيننا وبينهم، ان الحاكم لدينا، المتلبس بالسحر والشعوذة والجان، هو الذي يحكم ويصدر القرارات، وليست المؤسسات الدستورية ومؤسسات المجتمع المدني، الغائبة عندنا كلية، في حين ان المجتمع الغربي مجتمع ديمقراطي تحكمه المؤسسات الدستورية ومؤسسات المجتمع المدني، والحاكم بالنسبة لهم لا يعني اكثر من موظف ياتي ليحكم ويدير لفترة محدودة ثم يذهب ليأتي غيره. ومن هنا كانت خطورة السحر والشعوذة والجان على الحاكم العربي وعلى القرار العربي بشكل عام.

وفي مقدمة كتاب (دراسات في العقلية العربية : الخرافة) للكاتبين ابراهيم بدران وسلوى الخماش، يقول المؤلفان بتفرد المجتمع العربي عن غيره في مجال الخرافة ويكتبان : (نعتقد ان التركيب السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمجتمع العربي بكل ما يتضمنه من ضغوط فكرية وسياسية، هذا التركيب بكامله حين تتغلغل فيه الخرافة وخاصة المستندة منها الى اصول الايديولوجيا الدينية، سواء كان هذا الاستناد حقيقيا او وهميا، يصبح تركيبا خاصا ووضعيته منفردة يتميز بها المجتمع العربي عن غيره)

فأي عالم عربي نعيش فيه الان ؟ – – – أي عالم، تحكمه الخرافة والسحر والجان ؟.

* مقتبس من كتاب (أسئلة الحمقى) لشاكر النابلسي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بناية برج الكارلتون، بيروت.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here