الفكر وطريقة التفكير !

الفكر وطريقة التفكير ! (*) د. رضا العطار

من الكلمات التي يطلقها بعض الكتاب بغير تحديد كلمة فكر وتفكير ومفكر – – – ولذلك حسب هذا البعض ان كل من كتب في موضوعات سياسة او اقتصادية او فلسفية بلغة رزينة او باسلوب محشو بالتعريفات او مرصع بعبارات توحي للقارئ البسيط بعمق فكر الكاتب وسعة اطلاعه وشمول ثقافته فيضفي عليه لقب المفكر. مع ان عمله هو انه ناقل جيد لفكر الاخرين بالتلخيص والعرض.

وقد يكون هذا صحيحا لو كان المقصود بالمفكر هنا هو المنشغل بشؤن فكرية، فيقال انه من رجال الفكر كما يقال عن المشتغل بشؤن المال انه من رجال المال وكما يقال عن المشتغل بشؤن الدين انه من رجال الدين وهكذا.

اما المفكر الذي يلم بكل اوجه النشاط الفكري الانساني ويخرج من ذلك بتفكيره الخاص المميز والذي لا يمكن رده الى فلسفة بعينها فهو المفكر بالطبيعة.

وهنا يختلط على البعض التفريق بين المفكر المنهجي والفيلسوف. فالمفكر المنهجي هو غير الفيلسوف. لان الفيلسوف لا بد ان يكون منشاً لنظرية فلسفية تقوم بالضرورة على منهج فكري، ويظهر الفرق جليا بين رجلين على مذهب واحد : فمثلا كارل ماركس فيلسوف في عرف المبادئ الفلسفية، لأنه المنشئ لنظرية مكتملة في بناء شامخ محدد الاركان، في حين ان لينين بمؤلفاته عن (المادية ونقد الامبريالية) ال (الدولة والثورة) لا يصنف على انه فيلسوف، بل على انه من اهم المفكرين والمنظرين للماركسية.

كذلك يجب التمييز بين المضمون والاسلوب

فعند فيلسوف مثل نيتشه نجد ان مضمون فلسفته القائم على الطاقة الحيوية كمنبع للأخلاق وان الانسان يجب ان يغير نفسه ليصبح (السوبرمان) عن طريق (ارادة القوة) واساسها (الفردية) – – – هذه الفلسفة وضعها في اسلوب شاعري يخطف الذهن والخيال ببريق ساطع – –

في حين ان ( سارتر ) الذي يصنف على انه فيلسوف وكاتب وروائي ومسرحي يفرق تماما بين اسلوبه في كتابة المضمون الفلسفي مثل (الوجود او الكينونة والعدم) حيث الاسلوب شاق وجاف.

كذلك الحال في تراثنا العربي، فاللغة العربية تتخذ اسلوبين مختلفين تبعا للمضمون، فنحن نجدها عسيرة جافة عند فيلسوف مثل (ابن رشد) في كتابه (الكشف عن مناهج الادلة) وهي ايضا عسيرة وجافة عند ابن سينا في كتابه ( الألهيات)

والمفكر الحر يتعب نقاده، لانهم لا يعرفون مقدما اين يقف بحثه غير تالموجه بخط ثابت.

فمن يقرأ لكاتب حر مثل (اندري جيد) كتابه قبل زيارته للاتحاد السوفيتي، يجده مغايرا لما كتبه بعد الزيارة ولذلك من الضروري معرفة مزايا ومساوئ اسلوب الكاتب، فانه مثل طبائع الانسان.

من كتاب محديات سنة 2000 لتوفيق الحكيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here