مفهوم الصوت في القرآن الكريم (الحلقة التاسعة) (صوت ردع الفساد 2)

الدكتور فاضل حسن شريف

على الصوت المهتم بالقضاء على الفساد ان يبين النتائج السلبية للفساد التي تشمل جوانب مختلفة منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية. ففي الجانب الاجتماعي صعود أقلية غير كفوءة لإدارة الأكثرية. والفساد الاقتصادي توزيع الدخول بشكل غير متكافئ. وفي الجانب السياسي حصول توتر من قبل الطبقة المسحوقة ضد الطبقة الحاكمة الفاسدة. والفساد القانوني وهو الجانب الأسوأ ان تكون الدائرة القضائية هي الفاسدة. واحيانا الدول المتقدمة تقوم بابتزاز الدول النامية وهو نوع من الفساد الدولي. كل هذه الجوانب تنطبق عليها الآية الكريمة “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” (الروم 41) حتى لا يحصل الفساد “تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” (القصص 83).

وعلماء الاجتماع لهم مفهوم عن الفساد بأنه انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي وعلاقة ذلك بالمصلحة العامة. بينما رجال القانون يعتبرون الفساد انحرافا في القوانين والتزاماتها. ومن تطبيقات الفساد في القطاع الهندسي اخذ رشوة او ابتزاز لانجاز مشروع او مناقصة.

على صاحب الصوت الاستشهاد بالآيات القرآنية التي تشير إلى الفساد. ربط الله تعالى الفساد بالأرض في آيات عديدة منها “وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” (المائدة 64)، و “وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” (القصص 77)، و “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ” (البقرة 11)، و “وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (البقرة 27)، و “وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ” (البقرة 60) (الأعراف 74) (هود 85) (الشعراء 183) (العنكبوت 36) الله تعالى كرر لا تعثوا في الأرض مفسدين، و “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا” (المائدة 33)، و “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ” (الأعراف 56) (الأعراف 85)، و “أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ” (الأعراف 127)، و “إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ” (الأنفال 73)، و “فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ” (هود 116)، و “قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ” (يوسف 73).

ومن الموضوعات التي على الصوت المناهض للفساد التطرق لها النزاهة والتي تتطلب شجاعة العمل وليس فقط القول “كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” (الصف 3). والنزيه عليه اتخاذ الانبياء قدوة “قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ” (الممتحنة 4) وخاتم الانبياء محمد صلى الله عليه واله وسلم اسوة حسنة للاقتداء بنزاهته “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ” (الأحزاب 21). ويوسف عليه السلام مثال للمسؤول الامين “قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” (يوسف 55). وابنة شعيب عليه السلام ارادت الزواج من شخص امين “قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ” (القصص 26). والشورى تفقد الفساد حصانته “وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ” (الشورى 38). والرقابة والنزاهة طريقان مترابطان لمكافحة الفساد “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ” (التوبة 105). و “وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” (النحل 93) وطالما ان الإنسان خليفة الارض فان عليه ان يسأل الفاسد ويراقبه قبل مسائلة الله عند الوقوف أمام رب العباد.

ولو يعلم الفاسد ان الله يراقبه لعله يرتدع وهذا على صاحب الصوت المكافح للفساد توضيحه “وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا” (الإسراء 13) حيث أعمال الإنسان الفاسدة تسجل وتعرض عليه يوم القيامة. وعدم الركض وراء هوى النفس هي من ركائز مكافحة الفساد “يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ” (ص 26) والاية دعوة ورسالة داوود عليه السلام إلى قومه بعدم اتباع الهوى عن سبيل الله وهو سبيل الأمانة وليس اتباع الهوى الذي يؤدي إلى الفساد.

ومن خطوات مكافحة الفساد التي على الصوت الكاشف لبلاء الفساد توضيحها هي معاقبة كبار الفاسدين، الكفاءة في التعيين، تشديد المراقبة والنزاهة، مساهمة المواطن في الكشف عن الفساد ومكافأة هكذا مواطن، تشكيل دائرة أمن خاصة بملاحقة الفاسدين وكشفها قبل حصول الفساد. وهذه الخطوات تقع ضمن مفهوم الاية المباركة “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” (المائدة 33). ومعاملات المواطنين في الدوائر يتطلب تسهيلها وتقليل الروتين والشكوك ضد المراجع. وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والتموينية الاساسية العامة وبالجودة المطلوبة يؤدي الى تقليل الفساد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here