العمران في القرآن الكريم (الحلقة السابعة) (السدود 1)

الدكتور فاضل حسن شريف

وردت آيات في عمارة وانشاء السدود في القرآن الكريم “حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا” (الكهف 93)، و “قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا” (الكهف 94)، و “وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ” (يس 9). السد هو المانع المادي كما في سورة الكهف مثل الجبال الطبيعية والحواجز الاصطناعية، أو مانع تشبيهي كما في سورة يس. وقد يأتي بمعنى الحجز “وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا” (النمل 61) و في الاية حجز تشبيهي بعدم اختلاط البحرين، كما بلاد الحجاز التي تفصل الشام عن البادية. والسد يأتي بمعنى المانع “وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ” (الحشر 2) وفي الآية مكان منيع.

وعند إنشاء السدود يجب تطبيق الحديث النبوي (لا ضرر ولا ضرار) فالسد عمل مباح ولكن ان لا يضر الآخرين ويحسر المياه عنهم فيدخل في باب الفساد في الأرض ” وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” (القصص 77). و جاء في الحديث الشريف (الناس شركاء في ثلاثة: الماء والنار والكلأ). والصلح في الامور المتنازعة بسبب انشاء السدود فهو عمل خير ” وَالصُّلْحُ خَيْرٌ” (النساء 128).

يعد النبي شيت ابن آدم عليهما السلام أول من اهتم بعمارة الأرض ومنها الري والزراعة وتجميع المياه، وهو اخ قابيل وهابيل “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ” (المائدة 27) ولكنه نبي. ولو ان كثير من الانبياء لم يذكرهم القرآن الكريم بالاسم ” وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ” (النساء 164). والصابئة المندائيين “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ” (الحج 17) يقدسون النبي شيت عليه السلام ولهم اهتمام بالمياه في عباداتهم. وكونهم عراقيون فهذا يعتبر احد الادله بأن النبي شيت عليه السلام عاش في العراق، و روايات أشارت ان والده آدم عليه السلام عاش ومات في العراق، ولهذا عند زيارة الامام علي عليه السلام يقول الزائر (والسلام على ضجيعيك آدم ونوح).

كانت الجيوش خلال الحروب تخرب سدود وخزانات الأعداء كما فعلت جيوش كسرى في العراق وجيوش الروم في بلاد الشام لأنها المصدر المائي والغذائي حيث الماء الذي ينزله الله تعالى يحتاج الى خزن لاستخدامه وقت الحاجة “وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ” (ق 7-11) فالاية تبين ان العامل في مجال الزراعة والمياه والاستفادة منها بعمل السدود والخزانات سيجعل الأرض جنات ونخيل ويحي الأرض. فله ثواب يؤجر على عمله المبارك.

وكان خراج الدولة الاسلامية زمن الخلفاء المسلمين يتحصل من البقعة الزراعية في وادي الرافدين. واهتم الحذيفة بن اليمان بإنشاء القناطر التي سميت باسمه واحياء المشاريع الاروائية. واستخدم بحر النجف في خزن المياه بالاضافة الى بناء السدود في منطقة الكوفة القريبة من هذا البحر. وكذلك بنيت سدود على الاهوار جنوب العراق وسد وخزان خريفة بين تدمر ودمشق في الشام. وأقيمت سدود على الفرات. وانشأ سدين شمال غرب بغداد ليتفرع نهران هما الدجيل وكرخيا، وسدين على أطراف بغداد وعلى نهري القلائين والبزازين لسقاية بساتين بغداد، وسد على نهر الخر و سد على نهر عيسى مارا بمنخفض عقرقوف. وشق نهر النهروان وانشأ عليه سد. ومن العرب المسلمين الذين أبدعوا ببناء السدود أبناء موسى بن شاكر والمهيمن قيصر بن أبي القاسم وعبد الغني بن المسافر.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here