خطوة نكوص ام وثبة تقدم؟

خطوة نكوص ام وثبة تقدم؟

جاسم الحلفي

البيت الشيعي، البيت السني، البيت الكردي .. هذا ما تردده طغمة الحكم واتباعها دون حياء هذه الايام، بعكس شعارات المواطنة التي رفعتها الانتفاضة ونادت بها، واعتبرتها الأساس القويم لأعاده بناء العملية السياسية، والسير حثيثا بخطوات جادة نحو التغيير المنشود.
لقد رجع المتنفذون الى خطوة الشروع الأولى لبناء العملية السياسية، رجعوا الى حيث الخطأ الجسيم في بناء النظام السياسي باعتماد الطائفية السياسية. عادوا ماسكين بالسلطة الى نقطة البدء، الى حيث الخطاب الطائفي، الى إبراز شخصيات طائفية وكأنها حارسة للطوائف ومدافعة عنها وضامنة لحقوقها، في مسعى لإعادة إيهام الناس بانهم – هؤلاء المتنفذين – هم حماة البيوت الطائفية. هذا الوهم الذي حطمته الانتفاضة بمعول الوعي بالمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، والتي هي الأساس لبناء الوحدة الوطنية. في حين ان أدعياء حراسة المذهبين، الشيعي والسني، انما ينطلقون من مصالح شخصية وحزبوية ضيقة، حيث لا خلاف اليوم بين العراقيين حول أوقات الصلاة وعدد الركعات في كل منها، ولا جدال بينهم حول الأحق بخلافة المسلمين وامامتهم!
لم يتعلم المتنفذون من تجربتهم الفاشلة في الحكم، وها هم يعيدون الكرة باعتماد الطائفية السياسية أساسا للحكم ومعيارا للولاء. ويبدو انهم عازمون على دفع العراق نحو سنوات أخرى من الاخطاء والكوارث والجرائم التي حصلت باسم الدفاع عن المذهب.
لقد تناسى من اسكرتهم مغانم السلطة الفشل الذريع الذي حصدوه طوال السنوات العجاف التي امسكوا خلالها بدفة الحكم، وعاثوا فسادا، ونهبوا المال العام وهربوه، واشتروا بما لم يستطيعوا تهريبه المصارف والقصور، او حولوه مالا سياسيا يمول اعادة انتاجهم في السلطة ويؤبد وجودهم على رأسها.
هؤلاء اللاهثون وراء مصالحهم الخاصة غاب عن بالهم زخم الانتفاضة وفعلها الثوري، وتوهموا بفكرهم المأزوم ان وهج الانتفاضة انطفأ وانتهى. وان شبيبة العراق لن تكرر هبتها التي هدّت وستهدّ مضاجع الفاسدين والمتلاعبين بمقدرات الشعب.
لا مجال هنا لتذكيرهم بأسباب انحسار الانتفاضة وانسحاب المحتجين من ساحات التظاهر، والعوامل التي دفعت المعتصمين الى رفع خيامهم التي مكثوا فيها طوال شهور الانتفاضة. لكن لا بد من الاشارة الى ان الأسباب التي جعلت المنتفضين يتصدون لنظام المحاصصة والفساد ما زالت قائمة، بل وزادت عليها أسباب أخرى مثل خفض قيمة الدينار امام الدولار، وما ألحقه ذلك من أذى بملايين العراقيين، حتى وصلت اعداد الفقراء منهم الى مستويات كارثية. حيث اعلن حتى البنك الدولي ان هناك 13 مليون عراقي لا يصل دخلهم اليومي الى دولارين!
ولم يقدم المنتفضون تضحياتهم الكبرى قربانا لإعادة اقتسام السلطة بين المتنفذين، ولم يبقوا في الشوارع مدة تجاوزت السنتين من اجل إعادة اصطفاف طغمة الحكم، بل ان كل تلك التضحيات كان هدفها الإطاحة بطغمة الحكم، والاتيان ببديل مدني ديمقراطي يحقق العدالة والانصاف.
والخلاصة في كل ما تخطط له طغمة الحكم وتأمل في تنفيذه، انه لن يشكل لها قارب نجاة من المأزق التي انتهت اليه، حيث يحاصرها خياران لتشكيل الحكومة احلاهما بطعم العلقم: اما حكومة توافقية تأتي استمرارا لحكومات المحاصصة الفاشلة، وتضعها في تحدٍ خاسر سلفا امام من قاطعوا الانتخابات لعدم ثقتهم بجدواها، والذين شاركوا فيها على امل تحقيق التغيير.
واما تشكيل حكومة اغلبية، بمعنى اشراك القسم الأكبر منهم بالسلطة، واستبعاد طرف معين منها، وهذا ما لا يروق للمتنفذين الذين لن يحصلوا بذلك على شيء من “الحمص”، فتتعمق ازمتهم وانقساماتهم، وتشتد صراعاتهم، ويتعمق مأزق وجودهم في السلطة.
ولا يبقى والحال كذلك غير تشكيل حكومة ببرنامج تغييري، تكون فيه لمعيشة الناس الأولوية، ويتم تدعيمه بجدول زمني ووحدة لقياس الانجاز ولنوعيته. وهذا هو ما نطالب به. الا ان حكومة كهذه تنطلق في خطوة وثوب نحو الامام، لن ترَ النور على يد طغمة الحكم المستأثرة بالسلطة، والتي لا يهمها سوى تأمين مصالحها الخاصة بعيدا عن مصالح الناس والبلاد..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الخميس 6/ 1/ 2022

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here