الانتقال عبر الزمن

الانتقال عبر الزمن :
بقلم ( كامل سلمان )
الانتقال عبر الزمن حلم يراود الإنسان منذ القدم ، حلم يراود الإنسان للذهاب الى الماضي لكشف الحقائق المخفية التي لم يطلع عليها ، وحلم يراود الإنسان للذهاب الى المستقبل لمعرفة ماذا سيحصل في المستقبل وكيف سيكون المستقبل ، بالنسبة للماضي بدأ يتحقق ذلك ففي المائة سنة الأخيرة أصبح كل شيء موثق بالصورة والصوت ويمكن للإنسان احضاره متى ماشاء دون ان ينتقل بجسده و يمكن الولوج الى الماضي بالصوت والصورة ويتعايش معه ويطلع على مختلف جوانبه من خلال الفديوات والافلام والتقارير المثبتة على المواقع الالكترونية وكأنه يعيش الماضي ، واما بالنسبة للمستقبل فأستطاع الإنسان ان يعرف شيء قليل عنه فمثلا الانواء الجوية يمكنها معرفة حالة الطقس لعشرة ايام قادمة او اكثر ، واقتصاديا وسياسيا يمكن معرفة وتحديد المتغيرات القادمة لفترات تتجاوز الأشهر من خلال آراء الخبراء التي غالبا ما تكون قريبة جدا من الواقع ، وهذا يعني الانتقال عبر الزمن سوف لن يكون بانتقال ذات الجسد بل سيكون بالمعرفة الدقيقة لما حصل بالماضي وما يحصل في المستقبل . والعلم يسير بالاتجاه الذي يمكن الإنسان في معرفة لما سيحدث مستقبلا لعشرات بل مئات السنين وحتى معرفة ما كان يحدث في الماضي السحيق فقد استطاعت الدراسات العلمية معرفة وكشف الكثير من اسرار الكون والكائنات الحية وتأريخها والكشف مستمر . وهذا يعني ان عملية الانتقال والفائدة المرجوة من الانتقال عبر الزمن اصبحت في متناول اليد وليس هنالك من ضرورة ان ينتقل ذات الإنسان لرؤية كل ما يحدث بالعين المجردة طالما الهدف من الانتقال قد تحقق فعلا .
كان الإنسان في السابق يبحث عن الخيال العلمي المحدود لرسم الانتقال الزمني فمثلا بساط الريح هذا الخيال الممتع اصبح واقع حال عندما يريد الإنسان الانتقال الى اية ارض عبر الجو بتوفر الطائرات وكذلك خيال لغز افتتاح الابواب بكلمة افتح ياسمسم اصبحت عندنا اليوم كل شيء تقريبا يفتح بكلمة السر ، وأشياء كثيرة كانت مجرد خيال اصبحت واقع . كانت احلام الإنسان لا تتعدى محيطه ولكن اليوم اصبحت احلام الإنسان تتعدى الكواكب والمجرات ونشأت الحياة والكائنات قبل ملايين السنين وبعد ملايين السنين ، فهذا هو الإنسان الكائن العاقل الراقي لا يتوقف عند حد معين وكل يوم يفاجئنا العلم باكتشافات مذهلة تحير العقول ، فأصبحت الخرافات في زاوية ميتة تتنفس الصعداء امام ما يقدمه العلم كل يوم ليدحض المتراكمات العقلية الهشة التي توارثتها الأجيال . نحن الان امام واقع لا يمكن تجاهله وهو ان العلم اصبح يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في تركيبة الكائن الحي وفي تركيبة الكون وسلوك الإنسان ومعتقداته ويرسمها بشكل دقيق متكامل بحيث تعجز العقول المتخلفة مواجهتها او انكارها لما لها من دلائل علمية ثابتة ومقنعة بشكل كبير ، وهذا يشكل تحديا سيؤدي بالنهاية الى انهيار الافكار القديمة التي اصبحت في وضع لا تحسد عليها .
الماضي الذي يبحث عنه العلم هو الذي يرفد الحاضر بالمعرفة والفائدة التي تسارع من خطوات الإنسان نحو المستقبل وهذا عكس ما يبحث عنه الجهل تماما عندما يبحث عن الماضي ليدمر الحاضر ويمنع التقدم نحو المستقبل وهذا فارق كبير من خلاله نعرف اهمية العلم امام الجهل . ما يسمى بعلم الأنساب ينهار امام فحوصات ال (DNA ) والدراسات الجينية ، الطب العدلي يمكنه تحديد الزنا او الاغتصاب او اللواطة او اي نوع من النكاح وزمانه والفاعل دون الحاجة الى الشهود الاربعة وامور كثيرة اصبح للعلم رأي فاصل فيها ، والوقوف بوجه العلم جنون وانتحار … فأصبح المعتقد امام مفترق طرق ، اما ان يكون مع العلم لبناء الإنسان وجلب السعادة والمحبة لبني البشر او ان يرمى في مزابل التأريخ ، اي دور سلبي لأي معتقد اصبح مرفوض عقلا واخلاقا ، لإن الإنسان هو القيمة العليا الذي من أجله نزلت الرسالات السماوية وليست لاستباحة دمه او عزله ولابد للمعتقدات دينية كانت او دنيوية ان تنزل الى مستوى خدمة الإنسان وخدمة تطلعاته الإنسانية، ومايفعله بعض المتاجرين بالمعتقد انما هو خطأ كبير ومكشوف ولم تعد الخطابات الرنانة تغطيها ، فلم يعد يتمحور حول تلك الخطابات الا قلة قليلة من الجهلاء الذين لا حول لهم ولا قوة . نعم هذا هو المعنى الحقيقي للثقافة التي يسعى اليها الجميع لإنتشال الناس من ظلمات التخلف الى نور العلم والحقيقة ، ولا مناص من قبولها نظرا للفوائد الهائلة التي يجني منها الناس دون تمييز . ونحن نناصر العلم والثقافة انما نناصر الخير الذي هو سر الوجود وديمومته ونقف بوجه الشر الذي يجلبه اعداء الإنسان ممن هم محسوبين على البشر وهذا واجب عيني يقع على كاهل كل عاقل لا يركن الى ادعياء الشر ولا يتقبل افكارهم مهما كانت قوتهم وجبروتهم ، ولابد ان يأتي اليوم الذي يكشف فيه العلم الماضي كله وكثير من المستقبل المجهول ، عندها يكون قد تحقق الحلم الذي راود الإنسان لسنين طويلة في كشف الغطاء عما حصل بالماضي بلا تعظيم وبلا تنقيص وعما يحصل في المستقبل بأدق التفاصيل عندها نكون قد انتقلنا عبر الزمن بعقولنا .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here