تجارب الصديق مع النبي الأعظم في ميادين الجهاد المبارك (الحضور في بدرٍ الكبرى)

تجارب الصديق مع النبي الأعظم في ميادين الجهاد المبارك
(الحضور في بدرٍ الكبرى)
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذكر أهل العلم بالتَّواريخ والسِّيَر: أنَّ أبا بكرٍ شهد مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم بدراً، والمشاهد كلَّها، ولم يفته منها مشهدٌ، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ حين انهزم الناسُ، ودفع إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم رايته العظمى يوم تبوك، وكانت سوداء.(ابن الجوزي،1985،1،ص242)
وقال ابن كثير: ولم يختلف أهل السِّيَر في أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه لم يتخلَّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهدٍ من مشاهده كلها.(الجزري، 1996،ج3،ص318)
وقال الزَّمخشريُّ: إنَّه ـ يعني: أبا بكرٍ رضي الله عنه ـ كان مضافاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأبد، فإنَّه صحبه صغيراً وأنفق ماله كبيراً، وحمله إلى المدينة براحته، وزاده، ولم يزل ينفق عليه ماله في حياته، وزوَّجه ابنته، ولم يزل ملازماً له سفراً، وحضراً، فلمّا توفي دفنه في حجرة عائشة أحبِّ النساء إليه صلى الله عليه وسلم.
وعن سلمة بن الأكوع: غزوتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم سبع غزواتٍ، وخرجتُ فيما يبعث من البعوث تسع غزواتٍ مرَّةً علينا أبو بكرٍ، ومرَّةً علينا أسامة.
شارك الصِّدِّيق في غزوة بدرٍ، وكانت في العام الثاني من الهجرة، وكانت له فيها مواقف مشهورةٌ، من أهمِّها:
1ـ مشورة الحرب:
لمّا بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نجاة القافلة، وإصرار زعماء مكَّة على قتال النبيِّ؛ استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم
أصحابه في الأمر، فقام أبو بكرٍ، فقال وأحسن، ثمَّ قام عمر، فقال وأحسن.(ابن هشام، 1997،ج2،ص447)
2ـ دوره في الاستطلاع مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
قام النبيُّ صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكرٍ يستكشف أحوال جيش المشركين، وبينما هما يتجوَّلان في تلك المنطقة، لقيا شيخاً من العرب، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جيش قريشٍ، وعن محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وما بلغه من أخبارهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتّى تُخبراني ممَّن أنتما. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أخبرتنا أخبرناك». فقال: أو ذاك بذاك؟ قال: «نعم». فقال الشَّيخ: فإنَّه بلغني: أنَّ محمداً، وأصحابه خرجوا يوم كذا، وكذا، فإنْ كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا، وكذا ـ للمكان الذي به جيش المسلمين ـ، وبلغني: أنَّ قريشاً خرجوا يوم كذا، وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا، وكذا ـ للمكان الذي فيه جيش المشركين فعلاً ـ، ثمَّ قال الشَّيخ: لقد أخبرتكما عمّا أردتما، فأخبرانِي ممَّن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن من ماءٍ». ثمَّ انصرف النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن الشَّيخ، وبقي هذا الشَّيخ يقول: ما من ماء؟ أمن ماء العراق.(ابن هشام، 1997،ج2،ص228)
وفي هذا الموقف يتَّضح قرب الصِّدِّيق من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد تعلَّم أبو بكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم دروساً كثيرةً.
3ـ في حراسة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عريشه:
عندما رتَّب صلى الله عليه وسلم الصُّفوف للقتال؛ رجع إلى مقرِّ القيادة، وكان عبارةً عن عريشٍ على تلٍّ مشرفٍ على ساحة القتال، وكان معه فيه أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ وكانت ثُلَّةٌ من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ يحرسون عريش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد تحدَّث عليُّ بن أبي طالبٍ ـ رضي الله عنه ـ عن هذا الموقف، فقال: يا أيُّها النَّاس! مَنْ أشجع النَّاس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين! فقال: أما إنِّي ما بارزني أحد إلا انتصفتُ منه، ولكن هو أبو بكرٍ: إنّا جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً، فقلنا: من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لئلاّ يهوي إليه أحدٌ من المشركين؟ فوالله ما دنا منه أحدٌ إلا أبو بكرٍ شاهراً بالسَّيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يهوي إليه أحد من المشركين إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس.(ابن كثير، 1988،ج3،ص272)
4ـ الصِّدِّيق يتلقَّى البشارة بالنَّصر، ويقاتل بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بعد الشُّروع في الأخذ بالأسباب اتَّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربِّه يدعوه، ويناشده النَّصر؛ الذي وعده ويقول في دعائه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً»، وما زال صلى الله عليه وسلم يدعو ويستغيث حتّى سقط رداؤه، فأخذه أبو بكرٍ، وردَّه على منكبيه؛ وهو يقول: يراسل الله! كفاك مناشدتك ربَّك فإنَّه منجزٌ لك ما وعدك، وأنزل الله عزَّ وجلَّ: {…} وفي رواية ابن عباسٍ {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: « اللهم إني أنشدك عهدك، ووعدك! اللهم إن شئت لم تعبد!» فأخذ أبو بكرٍ بيده، فقال: حسبك الله، فخرج صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ، وقد خفق النبيُّ {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ *} خفقةً وهو في العريش، ثمَّ انتبه، فقال: أبشر يا أبا بكرٍ! أتاك نصر الله، هذا جبريل اخذ بعنان فرسه، يقوده، على ثناياه النَّقع؛ يعني: الغبار . قال: ثمَّ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النَّاس، فحرَّضهم.(هاني، 1996،ص 125)
وقد تعلَّم الصِّدِّيق من هذا الموقف درساً ربانياً مهمّاً في التَّجرد النَّفسيِّ، والخلوصَ واللجوءَ للهِ وحدَه، والسجودَ والجثيَّ بين يدي الله سبحانه، لكي ينزل نصره.
ولمَّا اشتدَّ أوار المعركة وحمي وطيسها؛ نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرَّض على القتال، والناس على مصافِّهم يذكرون الله تعالى، وقد قاتل صلى الله عليه وسلم بنفسه قتالاً شديداً، وكان بجانبه الصِّدِّيق،(ابن كثير، 1988،ج3،ص278) وقد ظهرت منه شجاعةٌ، وبسالةٌ منقطعةُ النَّظير، وكان على استعدادٍ لمقاتلة كلِّ كافرٍ عنيدٍ، ولو كان ابنه، وقد شارك ابنه عبد الرحمن في هذه المعركة مع المشركين، وكان من أشجع الشُّجعان بين العرب، ومن أنفذ الرُّماة سهماً في قريش، فلمّا أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي (أي ظهرت أمامي كهدف واضح) يوم بدرٍ، فملت عنك، ولم أقتلك . فقال له أبو بكر: ولكنَّك لو أهدفت لي؛ لم أَمِلْ عنك.(السيوطي،1997،ص94)

مراجع المقال:
علي محمد الصلابي، الإنشراح ورفع الضيق في سيرة أبو بكر الصديق، شخصيته وعصره، دار ابن كثير، 1424ه-2003م صص71-75
أبي الفرج ابن الجوزي، صفة الصَّفوة، دار المعرفة، بيروت.1405ه1985م
ابن هشام، السِّيرة النَّبوية دار إِحياء التراث، الطَّبعة الثَّانية 1417هـ 1997م.
أبي الحسن علي بن محمَّد الجزري، أُسْد الغابة في معرفة الصَّحابة، دار إِحياء التُّراث العربيِّ، الطبعة الأولى 1417هـ 1996م
أبو الفداء الحافظ بن كثير الدِّمشقي البداية والنِّهاية، ، دار الرَّيَّان، القاهرة، الطَّبعة الأولى 1408هـ 1988م.
جلال الدِّين السُّيوطي، تاريخ الخلفاء عُني بتحقيقه إِبراهيم صالح، دار صادر، بيروت، الطَّبعة الأولى 1417هـ 1997م
يسري محمَّد هاني، تاريخ الدَّعوة إِلى الإِسلام في عهد الخلفاء الرَّاشدين، الطَّبعة الأولى، جامعة أمِّ القرى، معهد البحوث العلميَّة، وإِحياء التراث.1418هـ-1996

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here