دين الرجال ومآل الشيعة

علي الابراهيمي

الشيعة على أقسام ، بعضهم يؤيد ويحسن الظن بالسيد ( مقتدى الصدر ) وتياره ، وبعضهم يحسن الظن بفصائل ( الحشد الشعبي ) من ( عصائب , بدريين , فصائل أخرى ) ، وبعضهم لديه أمل في جبهة ( نوري المالكي ) السياسية لانقاذ العراق من ورطة ( التحكم الإماراتي ) بمقدرات العراق . والكثير منهم يحسن الظن ب ( المرجعية الدينية ) أن تكون صمام أمان ، وأن تحفظ قوات الحشد من الخطة المحكمة لتفكيكها بإرادة ( أمريكية – خليجية ) ومعونة ( كردية – سنية ) ، ورغبة شيعية يلعب ( تيار السيد مقتدى الصدر ) – حسب المتوقع شبه المؤكد – دور تنفيذها .

 

والحقيقة أن ( تيار السيد مقتدى الصدر ) إنما أسسته ( قيادة العصائب ) الحالية ، وأن ( العصائب ) وغيرها إنما هي منشقة عن ( التيار ) ذاته ، الذي تستحوذ عليه العصابات العائلية والعشائرية ، وأن هؤلاء جميعاً ينظرون للمال العام على أنه ” مجهول المالك ” يدفعون خمسه ل ( مكتب السيد مقتدى الصدر ) نفسه ويأكلون الباقي منه ويرونه حلالاً ، وهم يرون أن ( الحشد الشعبي ) ” مليشيات وقحة ” يريدون بالتعاون مع ( الامريكان ) تفكيكها .

وأن ” القضاء الفاسد ” كان يشرف على معهده صديق المالكي ( وليد الحلي ) ، والإدارة الفاسدة وجدت عن طريق ( حزب المالكي ) ، وأن ” النفس البعثي ” الذي يعادي ( إيران ) جاء عن طريق من اعادهم ( المالكي ) ليستعين بخدماتهم من ” كوادر البعث ” بصفقات خاسرة يدفع اليوم ثمنها ومعه العراقيون .

وأن ( مكتب المرجعية ) – لا سيما في كربلاء – هو من جعل ( الحشد ) حشدين ، ( حشد العتبات ) و ( الحشد الشعبي ) ، مغازلة ل ” الطرف الخارجي ” ، وهو من سلب رواتب ٢٠٠٠ من المنتسبين ، وطردهم حين اعترضوا بقيادة ” ضابط استخبارات كبير ” على هذه السرقة ، إكراماً لعين شخص واحد آكل للسحت هو ( ميثم الزيدي ) ، وأخذ في تشويه سمعتهم بالتعاون مع ” الإعلام الحكومي والدولي ”  واتهم قيادتهم بالانشقاق .

والنتيجة أن كل هذه الرهانات كانت باختيار الناس ، وهم من سيتحمل نتائجها البائسة . لذلك فالحقيقة كل الحقيقة هي في أصل طريقة تفكير جمهور ( الشيعة ) وفي تشخيصه لقياداته غير الموفقة واندفاعه بشكل عاطفي .

عن الإمام ( الحسن العسكري ) عليه السلام : ( … فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم، فان من ركب من القبايح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة … ) ، والمحافظ على دينه ليس من كان ورعاً في نفسه ولنفسه ، فهو عندئذ مطيع لأمر مولاه ، لكن الدين هو العقيدة التي على القائد أن يجد الوسائل للدفاع عنها وتعزيزها في المجتمع بالدعوة إلى الله .

واليوم لا عذر لتلك القيادات في صمتها ، إذ بلغ العالم من التقنية اللازمة لنشر صوت أهل البيت عليهم السلام ما لم يبلغه في زمان ومكان ، وما لم يتيسر لغيرهم من العلماء السابقين الذين كانوا أنشط وأبلغ .

فيما على ” رجال الدين ” و ” النخب الاجتماعية ” حثّ الناس على الالتفاف حول العلماء الصالحين للقيادة الواعية الربانية العاملة ، فهؤلاء هم ورثة الأنبياء ، لا اللوذ في عباءة من لا يخرج عن جدران الصمت .

وعليهم جميعاً العمل الدؤوب على تحقيق كرامة الشيعة في العراق , بتوفير ما يسهل معيشتهم ويعينهم في حياتهم ويحقق الأمن لهم ، وتحرير رقابهم من سلطان الطواغيت ومن الافتتان بما يأتيه ويشيعه المستكبرون ، ورعاية مواهبهم وحماية ثرواتهم التي جعلها الله في أراضيهم ، وحل مشاكلهم الاجتماعية وتدبير ونظم أمرهم ، لتعود ثقتهم بالدين وأهله ، وفي العالم بتفقد ما يحتاجون إليه من نصح ودعم أمام خصومهم الذين يستعينون بالعنف والمكر والكذب فقط لإبادة الشيعة ، لئلا ينشغل الشيعة بما يفرضه ضنك العيش وسوء الخدمات وانعدام الأمن عن وظيفتهم العَلَوية في نشر العدل والقِسط .

أن ( المرجعية الدينية العليا ) إذا لم تفعل كل ذلك لن تكون النتيجة سوى الفتنة وتسافل الأمر . ولن يكون حال الشيعة بأحسن من حال ( الأنصار = الأوس والخزرج ) في ( المدينة ) حين خذلوا الحق عندما ندبتهم ( فاطمة الزهراء ) عليها السلام إليه ، فلقيت ذراريهم في آخر أمرهم أن يستبيح الدعي بن الدعي ( يزيد بن معاوية ) مدينتهم وينتهك عرضهم .

إن ما لا يفهمه جمهور الشيعة اليوم او ما لا يستوعبونه أن ” من دخل الدين بالرجال أخرجه الرجال من الدين ” . وأن من ينصر العناوين الفئوية – دون أن تكون نصرته لعقيدته ودينه خالصة – لن يزداد الا خسارة .

(( الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز )) .

فليس الميدان الاول الذي يخسر الشيعة فيه اليوم هو السياسة ، بل هو ميدان ” النَفْس ” ، التي ترك لها الكثير منهم الحبل على الغارب ، حتى بلغت ذروة الأنانية وهي الفئوية . فإذا انتصروا عليها كانوا على غير عدو أقدر .

(( الا تنفروا يعذبكم عذابا اليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير )) .

(( ها انتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وانتم الفقراء وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم )) .

 

الموقع الإلكتروني \ تاريخ الأديان
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here