القراءة الصحيحة لآيات القرآن الكريم (ح6) (المصحف الشريف 1)

الدكتور فاضل حسن شريف

القرآن الكريم محفوظ “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الحجر 9)، و “لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ” (فصلت 42)، و “ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ” (البقرة 2)، و “تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ” (السجدة 2).

سمي مصحفا لأنه يجمع الصحف المكتوبة بين الدفتين. قال الأزهري: وإنما سمي المصحف مصحفاً لأنه أُصحِف أَي جُعل جامعاً للصحف المكتوبة بين الدّفتين. قال الفراء: يقال مُصحف و مِصحف كما يقال مُطرف ومِطرف، و مُصحف من أُصحِفَ أي جُمِعَت فيه الصحف، وأُطرف جُعِلَ في طرفيه العَلَمان، استثقلت العرب الضمة في حروف فكسرت الميم، وأصلها الضّم، فمن ضمّ جاء به على أصله، ومن كسره فلاستثقاله الضمة. وأطلق على مجموعة الصحف القرآنية التي بين دفتين. عن أبي عبد الله عليه السلام قال (من قرأ القرآن في المصحف مُتع ببصره وخُفف عن والديه وإن كانا كافرين). سميت الكتب السماوية بالمصحف أو الصحف، قال تعالى: “إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى” (الاعلى 18-19).

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: أن هذا القرآن الموجود بين أيدينا هو الكتاب الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو الكتاب الذي تكفّل الله بحفظه وتخليده. وقال عليه السلام: واعلموا أنّ هذا القرآن الناصح الذي لا يَغُشّ ، والهادي الذي لا يُضِلُّ، والُمحدِّثُ الذي لا يكذبُ. وما جالس احد هذا القرآن إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدىً أو نقصان من عمى. واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنىً، فاستشفوه واستعينوا به ; فإنّ فيه شفاء من الداء ومن الكفر والنفاق والغيّ والضلال، فاسألوا الله به وتوجّهوا إليه بحبّه. وإن الكتاب َمعي، ما فارقته مُذ صحبتُه.

يذهب بعض علماء الأمامية على أن القرآن الكريم كان مجموعاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه لم يترك دنياه إلاّ بعد أن عارض ما في صدره بما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة وبما في مصاحف الذين جمعوا القرآن في عهده. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشرف بنفسه على ما يكتب، فعن زيد قال: كنت أدخل عليه بقطعة الكتف أو كسره فأكتب وهو يملي عليَّ فإذا فرغت قال: أقرأه، فأقرأُه، فان كان فيه سقط أقامه ، ثم اخرج إلى الناس. كان لدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصحف مجموع، ففي حديث عثمان بن أبي العاص حين جاء وفد ثقيف الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عثمان: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألته مصحفاً كان عنده فأعطنيه. وترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصحفاً في بيته خلف فراشه مكتوباً في العسب والحرير والاكتاف، وقد أمر علياً عليه السلام بأخذه وجمعه. أن الإمام علي عليه السلامً اعتزل الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجمع القرآن الكريم، وكان موقفه هذا بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه قال: لا أرتدي حتى أجمعه. وروي أنه لم يرتد إلاّ للصلاة حتى جمعه.

كانت هناك مصاحف مثل مصحف زيد ومصحف ابن مسعود ومصحف أبي بن كعب ومصحف أبي موسى الأشعري ومصحف المقداد بن الأسود، ومصحف عائشة. وكان أهل الكوفة يقرئون على مصحف عبد الله بن مسعود، وأهل البصرة يقرئون على مصحف أبي موسى الأشعري، وأهل الشام على مصحف أبي كعب ، وأهل دمشق على مصحف المقداد. ولكن انتهى دور هذه المصاحف والقراءة فيها على عهد عثمان عندما أرسل عليها وأحرقها. يرى المؤرخون أن فروقاً من ناحية تقديم السور وتأخيرها تكتنف تلك المصاحف، فمثلاً مصحف ابن مسعود نجده مؤلفاً بتقديم السبع الطوال ثم المئتين ثم المثاني ثم الحواميم ثم الممتحنات ثم المفصلات . أما مصحف أبي بن كعب نجده قد قدّم الأنفال وجعلها بعد سورة يونس وقبل البراءة، وقدم سورة مريم والشعراء والحج على سورة يوسف.

هنالك ستة احتمالات في جمع القرآن: جمع القرآن الكريم في عصر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، جمعَ في عهد أبي بكر، جمعَ في عهد عمر بن الخطاب، ابتداء جمعه في عصر أبي بكر وتمامه كان في عصر عمر بن الخطاب، جمع في عهد عثمان بن عفان، و ان القرآن دوّنه وكتبه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، لكن جمعه في مصحف واحد على أثر وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحصل الجمع بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. والاحتمال الأخير هو المتقين حيث جمع في المدينة المنورة. وكان الإمام يكتب ما كان يمليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قطع متفرقة، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جمع الإمام تلك القطع المتفرقة في مصحف واحد بين لوحين في ثلاثة أيام بعد ترتيبها. وورد من البعض ان الامام علي عليه السلام قد جمع القطع في ستة شهور. واختلفت الروايات في طريقة جمع الإمام علي عليه السلام منها حفظ القرآن في الصدر عن ظهر قلب، كتابة القرآن على الأدوات المتوفرة بآيات وسور متفرقة من دون ترتيبها، كتابة القرآن مع ترتيب الآيات دون السور، وكتابته بايات وسور متسلسلة مرتبة في مصحف واحد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here