الهجمات على القوات الأميركية في العراق.. رسائل صارمة ذات مديات

الهجمات على القوات الأميركية في العراق..  رسائل صارمة ذات مديات

ترجمة:  أنيس الصفار
تحدث الينا دبلوماسي عربي، بعد أن اشترط عدم ذكر اسمه، محذراً من أن كل يوم مماطلة يضيع في المحادثات الهادفة إلى إحياء صفقة إيران النووية سيكون معناه إحراز برنامج طهران النووي تقدماً إضافياً وكسب الإيرانيين وقتاً ثميناً يقربهم من نقطة اللاعودة. في 3 كانون الثاني الحالي أعادت إيران والقوى العالمية تحريك أحدث جولة من المحادثات في فيينا، رغم هذا تبقى هناك نقاط استعصاء عديدة من بينها بشكل خاص موقف جيران إيران في المنطقة .. اولئك المضطرون للتعايش معها.
هنالك في الشرق الأوسط مخاوف جدية من أن تحاول إيران فرض استمرارية الوضع الراهن من خلال المحادثات وبذلك تحافظ على مصالحها. يبين الدبلوماسي العربي المذكور أن السعودية ودول عربية اخرى قد تقبلت فكرة التطبيع مع إيران ولكن الجانب الإيراني هو الذي يحاول استغلال مبادرات حسن النية سعياً منه للمحافظة على موقفه في فيينا مع كسب الاستقرار الإقليمي في وقت واحد.
شهد الاسبوع الأول من سنة 2022 عدداً من الهجمات على المصالح الأميركية في العراق، ولو أن ذلك لم يتسبب بإسقاط قطرة دم.
تحدث قائد إحدى وحدات الحشد الشعبي في العراق، مشترطاً عدم ذكر اسمه، مبيناً أن الغاية من تلك الهجمات هي “إيصال رسالة صارمة إلى الأميركيين مع الحرص على عدم سفك الدماء، والهدف من وراء ذلك هو إعداد المشهد لحلول الذكرى الثانية لاغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني والقيادي في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس. من ناحية اخرى هو استعراض قوة يريد العراقيون من إيران أن تستغله على طاولة المفاوضات في فيينا لتعزيز موقفها.»
سواء في العراق أو في فيينا فإن الواضح هو أن الطرفين الرئيسين، أي الولايات المتحدة وإيران، يتبادلان الآن نظرات التحدي رغم اعراضهما عن الجلوس للتفاوض المباشر وكل منهما يسعى لإمالة الكفة لصالحه. على الأقل هذا هو المشهد كما تراه المنطقة.
ففي حين تصر إيران على رفع جميع العقوبات، ومعها نظام المراقبة والتحقق، تهدد الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون بإعادة ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي لتطبيق آلية الضربة الارتدادية، وهذا معناه إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة إلى جانب تنفيذ عقوبات الاتحاد الأوروبي.
يقول مصدر إيراني إنهم ايضاً سمعوا بشيء من هذا القبيل ولكنهم لا يعتبرونه تهديداً جدياً.يعتقد علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمة الدولية، أن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على فرض هذا الإجراء بحزم وبذا تستطيع تعميق متاعب إيران الاقتصادية وعزلها دبلوماسياً من خلال العمل مع الأوروبيين لإعادة العمل بعقوبات الأمم المتحدة وعقوبات الاتحاد الأوروبي معاً. يوضح فايز أن هذا يبقى ممكناً رغم حقيقة أن إدارة ترامب قد استنفدت أقصى ما تقدر أن تسلطه العقوبات الأميركية من ضغوط.
منذ 8 أيار 2018، وهو التاريخ الذي أعلن فيه الرئيس السابق “دونالد ترامب” عن انسحاب الولايات  المتحدة من الصفقة النووية، فرضت الولايات المتحدة، كما أعادت فرض، مئات العقوبات على كيانات وشخصيات إيرانية.
يقول “إسفندياري باتمانغليج”، وهو عضو زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والمدير التنفيذي لمؤسسة “بورز أند بازار”: “فرض ترامب عقوبات ثانوية من طرف واحد يثبت أن حملة العقوبات لا يشترط فيها أن تكون متعددة الأطراف لكي تحقق الضغط الأقصى.»
يمضي باتمانغليج موضحاً أن وطأة الصدمة الاقتصادية التي تعرضت لها إيران في 2018 كانت بنفس شدة تلك التي تلت فرض العقوبات متعددة الأطراف في 2012.يمضي باتمانغليج مستطرداً: “المسألة المهمة بالنسبة لإيران هي إن كانت الصين ستؤيد عقوبات الأمم المتحدة الارتدادية في حالة فشل المحادثات النووية. لأن الصين إذا ما دعمت هذه الإجراءات بخفض مشترياتها من النفط الإيراني فسوف تكون للأمر تبعاته المؤثرة في الاقتصاد الإيراني. بيد أن الصين لن تبدي رغبة لدعم نظام عقوبات تقوده الولايات المتحدة رغبة منها في الاستمرار باستيراد النفط الإيراني باسعار مخفضة.»
اوردت شركة “كبلر” لاستخبارات السوق في تقاريرها أن الصين قد استوردت ما يقارب 18 مليون برميل من النفط الإيراني في شهر تشرين الأول 2021 بمعدل يقارب 600 ألف برميل يومياً رغم إشارة البيانات الرسمية الصينية إلى أن بكين لم تتلق نفطاً من طهران منذ شهر كانون الأول 2020.
عقوبات الضربة الارتدادية هي ما كانت إدارة ترامب تريده في آب 2020 عندما أشعرت  واشنطن مجلس الأمن الدولي أنها بصدد إطلاق عقوبات أممية ارتدادية بحق إيران، بيد أن مجلس الأمن أوقف المحاولة لأن معظم أعضاء المجلس الخمسة عشر اعترضوا على الإجراء لكون الولايات المتحدة هي الطرف المنسحب من صفقة العام 2015 النووية لا إيران.آثار تحرك مثل هذا على الاقتصاد الإيراني تبقى موضع شك، ولكن رد إيران عليها قد يفتح الطريق صوب أزمة جديدة.
يقول “محمد مرندي”، وهو استاذ في جامعة طهران ومستشار فريق التفاوض الإيراني: “سيعطي هذا الإيرانيين ذريعة لإخراج مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن بعد ذلك يهبطون بمستوى تعاونهم إلى أدنى الحدود ويزيلوا كاميرات المراقبة.” يحذر مرندي أن هذا لو حدث فسوف يحتاج الأوروبيون والأميركيون إلى سنوات قبل اكتشاف حقيقة ما يدور في إيران.
يوضح مرندي أن لدى إيران خيارات عديدة على الطاولة. يقول: “بإمكان إيران أن توسع برنامجها النووي على مستويات متعددة وفي أنحاء متفرقة من البلد، كما تستطيع أن تصعد الضغط على الولايات المتحدة خارج حدودها في وقت تشعر فيه الأخيرة بضغط الحاجة لتقليص النفقات.»
بيد أن التوسع بالبرنامج، من وجهة نظر فايز، قد يدفع الولايات المتحدة واسرائيل (أو كلاّ منهما بمعزل عن الاخرى) إلى التحرك العسكري خلال الأشهر المقبلة. لأن اسرائيل كانت تحذر باستمرار من أنها لن تسمح لإيران بالحصول على القنبلة النووية. كذلك أفادت بعض التقارير في مناسبات عديدة بأن الولايات المتحدة واسرائيل تدرسان خياراتهما وأن لديهما خطة بديلة إذا ما انتهت المحادثات إلى طريق مسدود.
لكن فايز يعتقد أن ثمة خيارا ثالثا. يقول: “إذا ما اخفقت الأطراف في العثور على مسار يعيد الصفقة النووية إلى وجهتها فإن السبيل الوحيد لمنع حدوث المجابهة العسكرية الخطيرة سيكون عبر إبرام اتفاقية مرحلية تفسح أمام الساعة الدبلوماسية مزيداً من الوقت.»لكن الصفقة المرحلية المتدرجة ليست مطروحة على الطاولة، كما يقول مرندي، الذي يمضي مستطرداً: “لا تدور أية مناقشات حول صفقة مرحلية، فإيران تريد تطبيقاً كاملاً لخطة العمل الشاملة المشتركة ولكنه لن يكون مثل التطبيق السابق. بكلمة اخرى إن الأميركيين هم من أحجم عن الاستمرار في الصفقة بينما الإيرانيون هذه المرة هم من يقول إنها ليست الخيار المناسب لهم.»
أوضح المسؤولون الإيرانيون في مناسبات عديدة أنهم لا يتعجلون مجرد التوصل إلى أية صفقة، بل إنهم يفضلون البقاء بلا صفقة على تقبل صفقة لا تلبي شروطهم. بيد أن باتمانغليج يعتقد أن إيران رغم سعيها وراء الحصول على تأكيدات وضمانات بشأن تخفيف العقوبات بعد العبر التي خرجت بها من تطبيق خطة العمل المشتركة في 2016 وانسحاب الولايات المتحدة منها في 2018 فإنها قد وعت ايضاً أن الكثير من الفوائد المتوقعة من الصفقة لم تتجسد بسبب بقاء العقوبات على حالها وأن الفوائد المرجوة من الصفقة بمجملها يمكن أن تمحى إذا ما انسحبت الولايات المتحدة بإجراء أُحادي.
لهذا السبب، ولأجل تقوية دفاعاتها الاقتصادية، ستحتاج إيران إلى نهج فني في تخفيف العقوبات يضمن لها إمكانية جريان الحركة التجارية والاستثمارات بمزيد من السرعة وأن تكون مردودات هذا التعامل الاقتصادي أكثر ديمومة واستقراراً.
لن يكون هذا سهلاً برأي باتمانغليج لكنه يعتقد رغم هذا أن تجربة تخفيف العقوبات في 2016 قد أثبتت لنا أن الكثير من المكاسب الاقتصادية تبدأ بالتجسد تلقائياً بمجرد رفع العقوبات دون حاجة إلى تدخلات سياسية إضافية من قبل أطراف خطة العمل الشاملة المشتركة. يختتم باتمانغليج قائلاً: “بوسع إيران أن تتوقع بيع المزيد من النفط وتحقيق المزيد من الأعمال التجارية واستعادة قدرتها على التصرف بأصولها المالية، وهذا بمجمله سوف يعيد الحيوية إلى الاقتصاد ويتيح متسعاً من الوقت كي يستكمل الجانب الفني مداه في انجاز الصفقات الأكثر تحدياً وصعوبة، مثل الاستثمارات الأجنبية في قطاعي النفط وصناعة السيارات التي أصابها الفشل خلال الفترة 2016 إلى 2018.»
 علي هاشم/عن موقع «المونيتور»
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here