حركة المقاطعة  (BDS).. كابوس دولة “الأبارتهايد” الصهيونية

جهاد سليمان/ عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

 لم تكن الإنتفاضة الفلسطينية الثانية ايلول 2000، إنفجارا للحظة تاريخية، ورد فعل مباشر، على فصل من فصول الإنتهاكات الإسرائيلية والإجرام الممنهج بحق الشعب الفلسطيني، بل جاءت في سياق تراكم القناعة الجماعية الملموسة للحركة الجماهيرية الفلسطينية، بإنسداد آفاق المسار السياسي العبثي، الذي عكفت على الترويج له القيادة الرسمية الفلسطينية، منذ توقيع إتفاقية “أوسلو”، وتعبيد الطريق الشائكة، أمام الحركة الجماهيرية الفلسطينية، من وضعية الإحتلال إلى إنجاز الإستقلال كما عبروا عنها، بسلطة الحكم الذاتي.

لقد تمكن الشعب الفلسطيني من قلب الطاولة للمرة الثانية، على رأس مشاريع التهويد والإستيطان الصهيوني وضد رهانات اصبحت بالنسبة لكل جموع الشعب انها رهانات خاسرة، فوجهت رسائل واضحة للعدو الإسرائيلي والعالم، بأن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، لا تخضع لميزان القوى، وليست رهينة عامل وقت تموت بتقادم الزمن، ومع سياسة فرض وقائع ميدانية، تؤدي إلى إنجاز صفقة سياسية، على حساب الأرض والحقوق الوطنية، ولا تلبي طموح الشعب ومسار نضاله الطويل، كما تمكنت الحركة الجماهيرية، في سياق مراكمتها الكفاحية، وتجربتها الثورية في ميدان المواجهة والصراع، من ترسيخ أساليب نضالية شعبية، أدت إلى منح المقاومة الشعبية، وضعية متميزة في صميم الحركة الجماهيرية الفلسطينية، بعد أن طغت المقاومة المسلحة المحترفة، على المسار الكفاحي الفلسطيني لفترة طويلة من الزمن.

كان للإنتفاضة الفلسطينية الثانية، إنعكاس إستثنائي تراكمي، في بلورة حركة تضامن عالمية ناشطة، بدأت بذورها تنمو في أعقاب الإنتفاضة الأولى، بحيث تمكن جنرالات الحجارة، من وضع القضية الفلسطينية، المسلحة بقوة الحق والتضحية والعدالة، على رأس أولويات المجتمع الدولي، وهو ما إستكمل بالمنحى العملي، بالإعلان عن تشكيل حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS، بعد النداء التاريخي الذي أصدره المجتمع المدني الفلسطيني، مطالبا أحرار وشعوب العالم، بدعم حركة مقاطعة إسرائيل كأحد أبرز أشكال المقاومة الشعبية الفلسطينية، وكأحد أهم أشكال الدعم العالمي، لنضال الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، والمحافظة على الشرعية الدولية، في الإنتصار لقضايا الحرية والإستقلال وتقرير المصير والعدالة الإجتماعية، وصون المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان.

جاءت هذه النداءات، من الميدان الفلسطيني الملتهب، الذي تحسس بمقاومته اليومية، خطورة الهامش المصطنع، على قارعة ما عرف بمشروع السلام الدائم وحل الصراع، فبينما وقف المجتمع الدولي، في الفناء الخلفي للبيت الأبيض، للتصفيق لمعاهدة إعتقد البعض بإنجازها، دخول الشرق الأوسط ومعه العالم، في مرحلة إتمام السلام العادل والشامل، كانت اللمسات الأخيرة، توضع على مشروع التهويد الكبير، في سياق إنتقال دولة الإحتلال الإسرائيلي، من نظام الإستعمار الكولونيالي الحديث، إلى نظام الفصل العنصري، ودولة “الأبارتهايد”، والتي تقف على ركيزتين أساسيتين، عبرت عنهما بشكل واضح ما عرف لاحقا بصفقة القرن الأمريكية وهما قانون القومية ومشروع الضم الكبير، وهذا ما تثبته محاكم التاريخ اليوم، وهي تضع جميع الرهانات الفاشلة، التي موهت حقيقة مشروع نسف المنجزات الوطنية الفلسطينية، في قفص المحاكمة، وتصدر حكمها بالإدانة في تضليل الرأي العام الفلسطيني والعالمي، بعد أن أضحى ما يزيد عن (60%)، من مساحة الضفة الفلسطينية المحتلة، تحت مقصلة الإستيطان الصهيوني، وما يزيد عن مليون مستوطن صهيوني، يحاصرون الشعب الفلسطيني، محولين القرى والمدن الفلسطينية، إلى معازل وجزر بشرية، تسبح في بحر الإستيطان، جوهر ما يسمى دولة إٍسرائيل الكبرى، وبمعنى أكثر تعبيرا عن تجربة النضال العالمي، ضد أشكال الإضطهاد والفصل العنصري، “دولة الأبارتهايد الصهيونية”.

تمكنت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، من تصويب نضالها العالمي، على أكثر النقاط حساسية، في جسد النظام العنصري الصهيوني، بحيث عرفت مبكرا حقيقة مشروع، الإنتقال لنظام عنصري بائد، تكتلت جميع قوى الحرية والعدالة، تحت سقف المجتمع الدولي وشرعيته، لهزيمته وتفكيكه، بعد تضحيات جسام، قدمها الشعب المناضل في جنوب أفريقيا، الذي قدم للعالم نموذجا متقدما، في رفض جميع أشكال الهيمنة والإضطهاد والعنصرية القومية، وذلك بالتركيز على حقيقة الإستيطان وجوهره الإحلالي، الذي يناقض جميع المواثيق الدولية، ويشكل نقيضا مباشرا لمشروع السلام المنشود تحقيقه، وهو ما تراكم في عديد الإنجازات التي صنعتها حركة ال(BDS)، في سياق مشروع الحفر البطيء والمركز، في وجدان المجتمع الدولي، والرأي العام العالمي، مما جعلها مستهدفة من الحكومات الإٍسرائيلية وأجهزتها الأمنية، من مدخل الفزاعة الإسرائيلية، التي تشهر بوجه جميع الأصوات الحرة الداعمة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وهي “معاداة السامية”، وعلى الرغم من الضخ المالي والإعلامي الكبير، الذي بذلته دولة الإحتلال الإسرائيلية، للجم حجم الإتساع والتأييد، لحركة الـ(BDS)  ومحاولة تجريمها، إلا أن ذلك لم يؤثر في مسارها النضالي التصاعدي، بل شهدت حركة المقاطعة إتساعا ملحوظا في حجم التأييد العالمي لبرنامجها النضالي المطروح، وهو ما برز في عام 2021، في أعقاب أحداث حي الشيخ جراح وسلوان، ومعركة “سيف القدس”، بإنتفاض الملايين في الشوارع الأوروبية وفي العواصم العالمية، رفضا لمخططات التهويد والتطهير العرقي  الصهيونية.

كما حققت حركة ال(BDS)، إنجازات مهمة، إمتازت بتجاوزها للجماهير المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، إلى شخصيات رياضية وفنية وأكاديمية وإعلامية وممثلين عالميين، من المؤثرين بالرأي العام العالمي، وهو ما دفع  وزير الخارجية الإسرائيلي “يائير لابيد”، للتصريح  بأن دولة الإحتلال الإسرائيلية ستواجه خلال عام 2022، حملات مكثفة لتسميتها دولة فصل عنصري “أبارتهايد”، كما ستؤثر حملات المنظمات المناهضة لإسرائيل في القدرة على المشاركة في الأحداث الدولية، وهو ما يدلل بصورة لا شك فيها على فشل ما يسمى بالقبة الحديدية السياسية، ومحاولة تكميم أفواه المتضامنين والمؤيدين لنضال الشعب الفلسطيني وحقوقه، كسلاح لمحاربة جميع الأصوات الحرة المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، حيث كانت سنة 2021 زاخرة بتضامن عدد واسع من مشاهير “هوليوود”، وإعلان آخرين من اليوتيوبرز والمؤثرين، مقاطعة دولة الفصل العنصري الصهيونية، والتي كان آخرها مع بداية 2022، اعلان الممثلة “إيما واتسون” بطلة سلسلة أفلام “هاري بوتر” الشهيرة، تضامنها مع الشعب الفلسطيني، عندما كتبت على حسابها على “إنستغرام” التضامن فعل، والذي يتابعه ملايين من المعجبين، كما أعلن أكثر من 20 ممثل وإعلامي الى الآن مقاطعتهم  مهرجان “سيدني” السينمائي، بسبب قبول إدارة المهرجان تمويلا إسرائيليا، مؤكدين أن هذا التمويل، يأتي على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ويساعد في تكريس جرائم الإضطهاد والفصل العنصري وعمليات التطهير العرقي.

إن إتساع حركة التضامن العالمية، وتحولها لثقافة وسلاح عالمي، بات يشكل قلقا حقيقيا لنظام الفصل العنصري الصهيوني، الذي يصرف ملايين الدولارات، لتلميع صورته الإجرامية، خاصة في أوساط المجتمعات الأوروبية، مما يؤكد على نجاعة هذا الأسلوب في محاصرة دولة “الأبارتهايد” الصهيونية، ويفرض مهمات من نوع آخر، على الحركة الوطنية الفلسطينية، والجاليات الفلسطينية أينما تواجدت، للإنخراط في حملات المقاطعة ودعمها، وتعزيز عملها وإمدادها على الدوام، بالمواد التي تكشف زيف “البروباغاندا” الصهيونية، في سياق تشكيل رأي عام عالمي شعبي ومؤثر على الحكومات والمجتمع الدولي، لإتخاذ خطوات عملية لمحاصرة هذا النظام المجرم وتفكيكه، على طريق تمكين الشعب الفلسطيني بقواه الحية ومقاومته المستمرة، ودعم جميع الاحرار والشرفاء في العالم، من انجاز مشروعه الوطني بتقرير مصيره على أرضه وفي دولته المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وفقا للقرارات الدولية..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here