لا شرقيَّة ولا غربيَّة!

لا شرقيَّة ولا غربيَّة!

أحمد عبد الحسين
يعود جذر العبارة إلى الآية الكريمة في سورة النور “زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار”. وفُسّرتْ لدى الجيل الأول من المفسرين تفسيراً مادياً فقيل إنّها إشارة للشجر الذي لا تصيبه الشمس في شروقها وغروبها فيظلّ أخضرَ ندياً وهو أحسن الشجر. ثم فسرتها المأثورات رمزاً للدين الإسلاميّ الذي يتوسط حدينِ تمثلهما اليهودية والمسيحية، غير أنَّ المتصوفة ـ كعادتهم في تأويل العبارات ـ أضفوا عليها بعداً أنطولوجياً، فعدّها ابن عربيّ دلالة على “التوسّط بين غرب عالم الأجساد موضع غروب النور وبروزه عن الحجاب النورانيّ لكونها ألطف وأنور من الجسد وأكثف من الروح”.
في القرن العشرين كان للعبارة حظها الوافر من الاستثمار السياسيّ. أغلب الظنّ أنَّ أوّل من أطلقها وأراد بها الحمولة السياسية هو الزعيم عبد الكريم قاسم بعد ثورته، كان شعار “لا شرقيَّة ولا غربيَّة” يتصدَّر خطاباته ويُرفع شعاراً على صوره الكثيرة ومانشيتات الصحف آنذاك. وكان يراد منه حيازة الاستقلال عن المعسكرين الرأسمالي والشيوعي.
بعد ثلاثين سنة ستكتسب العبارة لمعاناً وقوّة وستنطلق من إيران هذه المرّة بعد نجاح ثورتها، لتغدو الشعار الأبرز الذي ما لبث أنْ أفل واضمحلّ مع موت الاتحاد السوفياتي وضعف الشيوعية وتصالح إيران مع أبرز ورثة المعسكر الشرقيّ، روسيا والصين.
في راهننا العراقيّ أصبحت العبارة لازمة لتغريدات السيد مقتدى الصدر منذ سنوات، لكنّ استخدامه إياها بات يومياً تقريباً في أجواء مباحثات تشكيل الحكومة المقبلة، وواضح أنه يريد بها النأي عن تأثيرات كلّ من إيران وأميركا على مفاوضات الكتل.
التمسّك بالحياد الواعي والإيجابيّ منقذٌ لنا من الكوارث، بعد أن اصفرّتْ زيتونة العراق وذبلتْ وأحرقتْها الشموس التي تلفحها شرقاً وغرباً.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here