النهي عن المنكر :

بقلم ( كامل سلمان )

أعتاد المجتمع المسلم النهي عن المنكر ، ولكن اي منكر ؟ المنكر الذي فيه حرية شخصية وحسابه عند الله لأن هذا النوع من المنكر ليس فيه إيذاء للأخرين ، اما المنكر الذي فيه إيذاء للأخرين وفيه تعدي على حقوق المجتمع بأكمله فالسكوت اولى مخافة من عواقب الامور ، شيء فيه غرابة وتساؤل ! . هكذا تعودت مجتمعاتنا ان تسلك هذا السلوك المتوارث ومازالت متمسكة به . هذا التناقض لا يستطيع احد الوقوف عنده لأن الامور جرت بهذه الشاكلة ، نطارد شارب الخمر الذي يؤذي نفسه ونتجنب من يأكل اموال الناس ويرفع السلاح ويقتل الابرياء لإن الاول ضعيف والثاني قوي ونتفاخر بإننا ننهي عن المنكر . من هنا تبدأ امراض المجتمع النفسية التي لا يشعر بها .
هذه الازدواجية التي جبل عليها الإنسان المسلم جعلته يرضي الرب بأقل خسارة ممكنة من ناحية ومن ناحية ثانية يكون هو السبب في تردي حاله وحال المجتمع . لذلك يكون قد فقد مصداقية وجوده ووجود مجتمعه في الاعالي… السؤال هل لهذا السلوك مصداقية دينية وحياتية؟ اكيد الجواب لا ، ان اصلاح الحياة وبناءها بشكل ترقيعي انما هو خداع وزيف لا يرقى الى مستوى المسؤولية لإن الحياة تتطلب منا جميعا ان نحترم خصوصية الافراد وعدم السكوت على اي تخريب يمس حياة المجتمع الذي نحن جزء منه .
الفرد لوحده لا يستطيع ان ينهي عن المنكر ضد الاقوياء فأصبح لزاما على الجميع التحرك سوية كمجتمع وكأمة لإصلاح الخلل الذي يصيب المجتمع وهذا الشيء يحتاج الى عقل تربوي جمعي لذلك كان قوله تعالى ( كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) نلاحظ في هذه الاية الخطاب موجه للجمع بكلمة أمة وليس الخطاب للفرد ، والمجتمع او الأمة عندما تمتلك مقومات التماسك والحرص تكون قادرة على النهي عن المنكر ومعالجة الخلل وهذا الشيء لن يحصل مالم يكون المجتمع قد تربى وتثقف على الشعور بالمسؤولية الجماعية وهذا ما نفقده تماما في الواقع . وهذا حال جميع المجتمعات التي تتبجح بالالتزام الديني والاخلاقي .
لا يمكن بناء بلد ووطن صحيح مالم يكن للمواطن دور في تطبيق القانون ، فالدولة تبقى كسيحة في فرض القانون إذا لم يكن المواطن هو جزء ملزم من القانون ، لقد لاحظنا في بعض المجتمعات ان القانون الزم المواطن في التبليغ عن اي تجاوز على القانون وان من شاهد منكرا فيه إيذاء للمجتمع يحاسب كجزء من هذه الجريمة لإنه لم يبلغ الجهات المسؤولة عن ذلك ولا عذر له امام القانون وهذا موجود فعلا في المجتمعات المتقدمة ، بينما نلاحظ العكس تماما في مجتمعاتنا اي ان الشخص الذي يبلغ الجهات المسؤولة عن اي تجاوز للقانون يقع في ورطة لذلك لا تستغرب هروب الناس واختفائهم عند وجود شخص او مجموعة تتعدى على قانون المجتمع والدولة لإن العقلية التربوية تشجع الناس على ذلك . حتى ان الناس تخاف ان تدلي بما شاهدت من تجاوز من قبل افراد مجرمين على حقوق المجتمع وهكذا يوصي الأباء أبناءهم بتجنب الشر ظنا منهم بأن الخير سيصيبهم عند السكوت ويكونوا هم وابناءهم في مامن من الشر .
هذا التفكير الشاذ هو سبب من اسباب تردي حال المجتمع وهو السبب الرئيس لمبادرة المجرمين في التسلط على الناس واستباحتهم للدم والقتل والسرقة . من خلاصة ما تقدم ذكره نحن لسنا مجتمع ديني ولا مجتمع غير ديني بل نحن انصاف للمجتمعات الإنسانية وللأسف لا ندرك هذه الحقيقة ونعيش في غفلة من الزمن ندعي شيء ولسنا منه ولا ندعي شيء ونحن جزء منه ، المشكلة تكمن بقلة الوعي والسبات الفكري الذي طغى على عقولنا منذ مئات السنين ومرد ذلك فهمنا لأنفسنا ولتاريخنا بشكل خاطىء فلطالما وضعنا انفسنا في مصاف الرقي ولم نكن في يوم من الايام بمستوى الرقي فتاريخنا مجرد عبودية واستسلام وحاضرنا مجرد نكسات وخذلان وعندما نطرح مثل هذا الكلام يخرج الينا من يتخيل الدنيا كانت ومازالت لنا ليقول نحن خير الامم وينسى ان الامة التي لا تقول كلمتها امام المنكر الضار للمجتمع لا ترقى ان تكون خير الامم .

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here