إيران تتجه شرقاً… الاتفاق النووي لا يعدّل من سلوكها الإقليمي

الرئيس الإيراني يصلّي في الكرملين

الرئيس الإيراني يصلّي في الكرملين
بينما يجلس المفاوض الإيراني مع مجموعة الـ5+1 في فيينا، من أجل العودة إلى الاتفاق النووي، ذهب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، يوم الأربعاء الماضي في 19 كانون الثاني (يناير) الجاري، إلى موسكو لعرض اتفاق استراتيجي للتعاون مع روسيا، ما يدل على أن المحافظين في إيران ينتهجون سياسةً تسعى إلى الحفاظ على توجهاتهم الخارجية، وأن طهران تحاول إدارة التحولات في منطقة الشرق الأوسط بما يدعم السيناريو الذي أعّدته سلفاً.
غالباً ما تحجب السياسة الخارجية المتناقضة لإيران نواياها، لكن السلوك المتكرر لهذه السياسة يكشف طبيعة سياستها الخارجية. وعلى سبيل المثال، تسعى طهران إلى التفاوض مع الغرب من أجل رفع العقوبات، وفي الوقت ذاته تذهب إلى علاقات استراتيجية مع روسيا، التي تراهن عليها في مواجهة العقوبات الغربية.
تُجري طهران أيضاً، محادثات مع السعودية من أجل استعادة العلاقات الدبلوماسية معها، وفي الوقت ذاته تدفع ميليشياتها في اليمن إلى تنفيذ هجمات داخل الأراضي السعودية.
وحينما ننظر إلى الهجوم الذي نفذته ميليشيات الحوثي ضد الإمارات، والذي باركته وأيدته طهران عبر إعلامها، نجد أن إيران قد بعثت برسالة تكشف سياستها الخارجية تجاه المنطقة، والتي تقول؛ إنه لا يمكن الرهان على الاتفاق النووي في تعديل سلوك إيران أو حل الكثير من القضايا معها.
شعار إيراني
منذ أن تشكلت حكومة “رئيسي”، وهي ترفع شعار سياسة “تحسين العلاقات مع دول الجوار”، لكن السلوك الذي انتهجته إيران، الذي حافظ على “دبلوماسية الميدان”، يدل على أن هذه السياسة ما هي إلا شعار خاص بإيران، يُمكن فهمه فحسب وفق التصورات الإيرانية، وليس وفق القواعد الدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول.
ويكشف ذلك، أن إيران لا تسعى وراء علاقات متوازنة مع دول المنطقة، بل وراء هيمنة وفرض سيناريوات خاصة بها في المرحلة المقبلة. والحديث عن محادثات غير معلنة بين الرياض وطهران في استضافة بغداد، وسط كل هذا التصعيد الذي تقف وراءه إيران ضد السعودية، بمثابة شاهد ودلالة على أن العقلية الإيرانية ما زالت تفكر بطريقة أحادية في إدارة اللعبة السياسية داخل المنطقة.
التوجه شرقاً
يبدو أن إيران تستثمر في التوجه الأميركي نحو آسيا، والذي يهدف إلى محاصرة المنافسين الاقتصاديين للأميركيين هناك، وذلك من أجل فرض رؤيتها داخل منطقة الخليج وغرب آسيا التي تغادرها الولايات المتحدة الأميركية، حيث تقوم طهران بالتوجه شرقاً نحو “روسيا والصين والهند ودول آسيا الوسطى ودول جنوب شرقي آسيا”.
وهذا التوجه، يكشف أن طهران تحاول فرض معادلتها في منطقة الخليج في إطار مواجهة الوجود المنافس التركي والإسرائيلي، وأي قوى منافسة لها قد تتواجد هناك.
وتأتي المناورات العسكرية البحرية للسفن الحربية لكل من روسيا وإيران والصين في المحيط الأطلسي وبحر عُمان؛ لتشير إلى مآلات التوجه الإيراني بعلاقات إستراتيجية نحو المشرق، إذ تربط طهران مصيرها بمصير هذه الدول في مواجهة المخططات الأميركية. ويُظهر الموقف الذي أبدته طهران من أحداث “كازاخستان” الأخيرة (قمع محاولة الثورة هناك)، أنها تدعم استقرار المناطق المحيطة بالدول الكبرى مثل روسيا والصين بما يحفظ لإيران مصالحها الاستراتيجية معهم، خصوصاً أن سياسة المحافظين، قد أظهرت أن إيران لا تراهن على المعسكر الغربي في حل قضاياها الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وأن الاتفاق النووي لو تم، فما هو إلا مرحلة هُدنة للتفرغ لمصالحها الاستراتيجية مع دول مثل الصين وروسيا. وأن إيران من خلال سياسة التوجه شرقاً، تحاول أيضاً فرض معادلتها الأمنية والسياسية في منطقة الخليج، من خلال الاستقواء بالمعسكر الشرقي.
وتزامناً مع المفاوضات النووية مع الغرب في فيينا، أتى الإعلان عن تفعيل الاتقاقية الاستراتيجية بين إيران والصين، في 15 كانون الثاني (يناير) 2022، وبعدها الإعلان عن زيارة “رئيسي” إلى موسكو. ويحمل هذا التزامن رسالةً تقول إن طهران ماضية في علاقات استراتيجية مع القوى الشرقية بالشكل الذي يساعدها في تعويض ما فقدته من العقوبات الغربية، فضلاً عن فرض سيناريواتها في إدارة المنطقة والتفرد بها.
وهذا يؤشر على أن إيران في ظل هيمنة المحافظين على السلطة هناك، لن تذهب إلى علاقات قوية مع الغرب إذا ما تم الاتفاق النووي؛ بل ستذهب إلى ما يحافظ على طبيعة النظام وسياسته الخارجية؛ خشية من التغلغل الغربي بما يقوض هذا النظام من الداخل، وبما يحافظ على طموحات إيران الإقليمية.
لا تعديل في السلوك الإقليمي
تكشف مؤشرات الأحداث الأخيرة، أن إيران ليست في وارد تعديل سلوكها في المنطقة، بما يتطلبه شعارها “الحوار مع دول الجوار”، وأيضاً بما يتطلبه تفاوضها مع الغرب من أجل رفع العقوبات. فعلى سبيل المثال، إذا نظرنا إلى الزيارة التي قام بها قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، إسماعيل قآني، إلى العراق؛ نجدها من أجل الضغط على الزعيم الشيعي “مقتدى الصدر”، كي يضمن للقوى الشيعية الموالية لإيران مكاناً داخل الحكومة الجديدة. وكذلك، إلى الهجمات التي وجهتها جماعة الحوثي اليمنية نحو الإمارات، نجد أن السلوك التخريبي الذي تنتهجه إيران يمثل حالة استراتيجية لا يمكن تجاوزها لأنها مرهونة بطبيعة النظام وتطلعاته؛ فإيران لن تقبل باستقلال العراق أو بتحريره من قبضتها؛ والحديث عن إيجاد توازن أمام منافسيها الخليجيين داخل العراق، مجرد خدعة لتبرير الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي.
وأيضاً، محاولة تبرير الهجوم الحوثي على الإمارات، أنه في إطار الرد المشروع، هو للتغطية على أهداف إيرانية أكبر، وهي أن إيران منزعجة من ظهور أي قوة قد تُخرجها من معادلة تفردها بالمنطقة. فقد كان مشهد ظهور الإمارات ودورها الإقليمي في المعادلة اليمنية مزعجاً ومربكاً لإيران التي ظنت أنها قد تفردت بالقرار داخل اليمن. ويدل استمرار سلوكها التخريبي؛ على اصرارها لتفردها في إدارة سيناريوات التحول في المنطقة.
توحش جماعة الحوثي أيضاً من خلال تزويدها بالصواريخ والطائرات المُسيّرة والتجرؤ على العمليات خارج اليمن، يعني أن إيران تُحضر لايجاد “حزب الله” لبناني جديد في اليمن؛ ويعني أيضاً أن سلوكها التخريبي هو جزء من معادلة استراتيجيتها المقبلة، التي ستظل تحافظ على سياسة الترهيب تجاه خصومها الإقليميين. خصوصاً أن حفاظها على هذه السياسة التخريبية يعني أن إسرائيل أو أي قوى أخرى لم تستطع أن تملأ الفراغ الذي خلفه التغيير في الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة.
وعلى ذلك، يمكن القول إن الاتفاق النووي لن يستطيع خلق إيران جديدة قادرة على التعايش بشكل سليم مع جيرانها في المنطقة.
المحصلة
إن إيران تحت حكم المحافظين تريد استغلال الاتفاق النووي بما يدعم سياستها نحو التوجه شرقاً، وذلك من أجل دعم موقعها في معادلة إدارة المنطقة.
تحافظ إيران على سلوكها التخريبي، بما يضمن لها التفرد والهيمنة في المنطقة؛ ولذلك نجد أن السعودية والإمارات تصران على مناقشة القوة الصاروخية والتهديدات الإيرانية في المنطقة؛ لأن أي تسوية نووية مع إيران من دون مناقشة هذين الملفين؛ يعني إطلاق يد إيران للتخريب في المنطقة.
إن التوجه شرقاً يجد رفضاً داخل إيران من جانب الإصلاحيين وبعض القوى المحافظة، تحت مبدأ “المتغطي بالروس عريان”؛ لكن اهتمام المرشد الأعلى، علي خامنئي، بهذا التوجه يعزز من فرص إتمامه، لأنه يراهن على الاتجاه شرقاً في مواجهة العقوبات الغربية، فضلاً عن النأي بطبيعة النظام المحافظ من تأثيرات الاتجاه غرباً.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here